• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السيدة مريم (ع) تقطف أغلى ثمرة

السيدة مريم (ع) تقطف أغلى ثمرة

- القيمة الغذائية العلمية للتمر:

يعد التمر فاكهة وغذاء في آنٍ واحد، ففيه ميزات الفاكهة، وفيه ميزات الغذاء، حيث يعدّ غذاءً كاملاً متكاملاً يحتوي على كثير جدّاً ما يحتاجه الجسم الحي. ففي كثير من البلدان، ولا سيما إيران والعراق يعتبر التمر الجزء المهم من الغذاء اليومي، كما يعتبر الوقت الأساسي في كثير من المناطق الجبلية. والدراسة العلمية المخبرية للتمر تكشف الكثير من العناصر الغذائية القيّمة في هذه المادة، فهو غني بالمواد السكرية التي يتكون منها معظم المادة التمرية، كما انّه غني ببعض الفيتامينات وكذلك بالأملاح المعدنية. ولو قارنت القيمة الحرارية للتمر بالنسبة للأطعمة الأخرى الأساسية التي يتناولها الإنسان لوجدت التمر يفوقها. فمثلاً في الأرز المطبوخ الذي يقدم على المائدة تحتوي اللبرة الواحدة منه على 818 سعرة. أما الخبز فتحتوي اللبرة الواحدة منه على 1043 سعرة. ولحم الضأن (الخالي من الشحم) تحتوي اللبرة الواحدة منه على 1020 سعرة. ولما كان العامل ذو البنية المعتدلة يحتاج إلى 3000 سعرة حرارية في اليوم الواحد، فإنّ الكيلو الواحد من التمر يكفي لسد هذه الحاجة. وفيما يلي تحليلاً لبعض أصناف التمر:   المادة الحلاوي% السايرا% دقله نور% الخضراوي% الزهدي% النوى 13.00 14.00 10.000 10.60 13.30 الرطوبة (الماء) 12.80 15.10 18.40 12.70 19.30 السكر المختزل 76.50 76.50 38.20 76.50 65.80 سكر القصب - - 42.70 - - البروتين 1.65 2.37 2.00 1.79 1.30 الرماد (الأملاح المعدنية) 2.00 1.73 1.80 1.73 1.40 السعرات الحرارية في لبرة واحدة[1] 1376 1356 1430 1340 1295   - فيتامينات التمر: يعتبر التمر بين الثمار الغنية بنسبة الفيتامين (A) والمتوسطة بنسبة الفيتامين ب1، ب2، ب3، كما انّه يحتوي على نسبة قليلة من الفيتامين (C) أي ج. وهذا جدول يبين كميات الفيتامينات في كل مائة غرام من مادة التمر:   نوع الفيتامين الكمية في كل مائة غرام من التمر فيتامين (A) 8-100 وحدة عالمية فيتامين (B1) 0.07 ملغرام فيتامين (B2) 0.03 ملغرام حامض النيكوتين (نياسين) B1 0.33-2.2 ملغرام حامض الاسكوربك (فيتامين C) 0.77-2.7 ملغرام[2]   - الأملاح المعدنية: يعتبر التمر مصدراً جيِّداً لعنصري الحديد والبوتاسيوم. ومعتدلاً في الكالسيوم. كما أنّه يحتوي على مقادير مناسبة من المغنزيوم، الكبريت، الكلورين، النحاس، الفوسفور. وهذا جدول يبين العناصر أو المواد المعدنية لكل مائة غرام من التمر:   العنصر الكمية بالملغرام بوتاسيوم 349-754 كلورين 268-290 كالسيوم 58.3-67.8 فوسفور 54.8-63.8 مغنزيوم 50.3-58.5 كبريت 43.8-51.0 صوديوم 4.1-4.8 حديد 1.3-2.0 نحاس 0.18-0.21[3]   ومما تقدم نرى انّ السكر أهم مكونات التمر، اذ تزيد نسبته عن 70% من وزن التمر. وسكريات التمر سريعة الامتصاص تذهب رأساً للدم وللخلايا الجسمية لتمنحها الطاقة والحرارة والنشاط، ولا يحتاج امتصاصها إلى عمليات هضمية معقدة كما في المواد النشوية والدهنية. ومن هنا تتضح تأكيدات الرسول الأعظم محمد (ص) على البدء في التمر عند الفطور في شهر رمضان، حيث ورد في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة أنه كان أول ما يفطر على الرطب إذا كان زمن الرطب، وبالتمر إذا كان زمن التمر، وقد ورد علمياً وطبياً ان نسبة السكر في دم الصائم تنخفض في آخر ساعات النهار، والرطب أو التمر بما يحويه من مواد سكرية سريعة التمثل والامتصاص، ترفع نسبة السكر المتدنية في دم الصائم فيخف تعبه، وتقل شراهته للطعام. ولم يخف هذا الأمر على تاريخنا العلمي، فقد ذُكر "في فطر النبي (ص) من الصوم عليه أو على التمر أو الماء تدبير لطيف جدّاً. فانّ الصوم يخلي المعدة من الغذاء فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء. والحلو أسرع شيء وصولاً إلى الكبد، وأحبه إليها، ولا سيّما إن كان رطباً فيشتد قبولها له فتنتفع به هي والقوى. فإن لم يكن فالتمر: لحلاوته وتغذيته. وان لم يكن فحسوات الماء تطفىء لهيب المعدة وحرارة الصوم، فتنتبه بعده للطعام، وتأخذ بشهوة"[4]. وفضلاً عن فائدة التمر كمصدر وقود للجسم فإنّه مدرّ للبول ويساعد على غسل الكلى وتنظيف الكبد، يقول الدكتور صبري القباني، اطلق العلماء على التمر لقب "منجم" لغناه بالمعادن المختلفة. فالتمر يحتوي على الفوسفور بنسبة عالية، وأكثر مما يحتويه المشمش والإجاص والعنب. ولهذا يعتبر منشطاً للقوى الفكرية والجنسية. ولو لم يكن في التمر من فائدة سوى احتوائه على المغنزيوم لكفاه سبباً يضعه في مقدمة الأغذية. فقد لوحظ أن سكان الواحات لا يعرفون مرض السرطان، والمعتقد ان غنى التمر بالمغنزيوم هو السبب[5]. والتمر يحتوي على نسبة عالية من الفيتامين (A) الذي يطلق الأطباء عليه اسم (عامل النمو) حيث انّه يساعد على زيادة وزن الطفل، كما انّه ذو فائدة في تقوية الأعصاب البصرية، وفي مكافحة العشى الليلي. ومن المعروف ان سكان الصحراء مشهورون بالرؤية من مسافات بعيدة. ويوصف فيتامين (A) لتقويم الأعصاب السمعية أيضاً. فالتمر يفيد الشيوخ الذين بدأوا يعانون قلة السمع والوشيش. واما احتواء التمر على الفيتامين ب1، وب2 فمما يساعد على تقوية الأعصاب ويلين الأوعية الدموية، ويرطب الأمعاء ويحفظها من الالتهاب والضعف.. ويصف الأطباء فيتامين ب1 للآفات العصبية واسترخاء القلب والقرحة المعدية. ويوصي به في حالة النقاهة للرياضيين والمفكِّرين. كما يوصف فيتامين ب2 لآفات الكبد واليرقانات وتشقق الشفاه وفي حالات الحساسية وفي تكسر الأظافر وجفاف الجلد. ويضم التمر هذه الخواص الشفائية مجتمعة[6].   - أهمية التمر بالنسبة للحمل والولادة: والآن، وبعد أن عرفنا الأهمية العامة للتمر على صعيد القرآن والسنّة والطب الحديث، لا شك ستتوافر أمامنا صورة واضحة نستطيع أن نربط من خلالها الأهمية الخاصة لنخلة السيدة مريم (ع) ورطبها الجني ودورها في تغذية تلك الفتاة البريئة وتهدئة أعصابها مما جرى لها في وحدتها وغربتها، وقد توافرت الروايات في تأكيد أهمية التمر للحامل والنفساء. ومثل هذا التوافر أكّد العلم والطب على أهمية التمر في الحمل والولادة. ومن الروايات في هذا الصدد يمكن أن نذكر: ما ورد عن الإمام الباقر (ع) قال: "لم تستشف النساء بمثل الرطب، انّ الله أطعمه مريم في نفاسها"[7]. وعن الصادق (ع) ورد: "قال أمير المؤمنين ما تأكل الحامل من شيء ولا تتداوى به أفضل من الطب: قال الله عزّ وجلّ لمريم (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) (مريم/ 25-26)[8]. وعن الإمام الصادق (ع) قال: "لو كان طعام أطيب من الرطب لأطعمة الله مريم"[9]. وورد عن الإمام أمير المؤمنين علي (ع) انّه قال: "قال رسول الله (ص): ليكن أوّل ما تأكل النفساء الرطب، فإنّ الله عزّ وجلّ قال لمريم بنت عمران: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)، قيل: يا رسول الله فإن لم يكن ابان الرطب؟ قال: سبع تمرات من تمرات المدينة فإن لم يكن فسبع تمرات من تمرات أمصاركم، فانّ الله تبارك وتعالى قال: وعزتي وجلالي وعظمتي وارتفاع مكاني، لا تأكل نفساء يوم تلد الرطب فيكون غلاماً إلا كان حليماً، وان كانت جارية كانت حليمة"[10]. وورد انّه قال رسول الله (ص) اطعموا نساءكم في نفساهنّ التمر فإنّه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج ولدها ولداً حليماً، فإنّه كان طعام مريم حين ولدت عيسى، ولو علم الله طعاماً هو خير لها من التمر لأطعمها إياه"[11]. وورد أيضاً "لو علم الله ان شيئاً للنفساء خير من الرطب لأمر مريم به"[12]. وورد أيضاً "ليس للنفساء خير من الرطب أو التمر وقال انّ الله قال: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)[13]. وورد أيضاً "ليس للنفساء عندي دواء مثل الرطب ولا للمريض مثل العسل"[14].   - القيمة الغذائية العلمية للتمر: هذا ما ورد في الروايات حول أهمية التمر بالنسبة للحامل والنفساء ولكن ماذا قال العلم والطب هل يوافق الدين أم هناك اشكالات؟ لا شكّ أنّ الرواية الصحيحة التي وصلت إلينا عن النبي (ص) والأئمة الأطهار هي حق فلا تخالف الواقع ولا تتخلف عنه، وكذلك المادة العلمية، إذا خضعت لقوانين علمية وتجارب صحيحة كذلك حق. ولابدّ أن يتطابق الحق مع الحق والصحيح مع الصحيح في كل شيء. وهذا ما حصل. فقد أكّد العلم والطب أهمية الرطب والتمر، وخاصة بالنسبة إلى الحامل، فالحامل عندما يصل حملها إلى وقته المقرر تبدأ عملية (الولادة) بالتقلصات الرحمية، فتبدأ خفيفة وقصيرة وبفواصل متباعدة مرة كل ساعة، ثمّ أربع مرات في ساعة، ثمّ إلى 6-12 مرة في الساعة، إلى ان تصبح التقلصات قوية وشديدة تعاني منها الحامل آلاماً كبيرة. في هذا الوقت يفرز الجسم مادة خاصة لتسهيل عملية الولادة، وبعد هذا المجهود العضلي القوي للمرأة في ولادتها يحتاج جسمها إلى سعرات حرارية عالية. ومن هنا يوفر التمر السعرات الحرارية العالية التي قد لا تتوفر في غيره من الأغذية – كما ذكرنا عند حديثنا عن القيمة الغذائية للتمر – إضافة إلى ذلك يحتوي التمر على مادة تسمّى (الاوكسي توكسين) وهي مادة مهمة لعملية الولادة، إضافة إلى ذلك أيضاً فإنّ التمر يساعد الحامل على خفض ضغط الدم، وبانخفاض ضغط دمها تقلّ كمية الدم النازف منها أثناء الولادة، ثمّ إنّ للتمر فائدة مهمة أخرى وهي وجود المواد المليّنة حيث تقوم بتنظيف القولون، في حين يعمد الطب قبل إجراء عملية الولادة إلى اعطاء الأُم حقنة شرجية لتنظيف القولون من الفضلات[15].   وأخيراً.. نحن نعتقد ان كل ما ورد في القرآن المجيد حق وصدق من أوّله إلى آخره، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالإيحاء إلى السيدة مريم (ع) بالذهاب إلى جذع النخلة وهزّ هذا الجذع وتساقط الرطب الجني لتأكل منه هذه السيدة الحائرة، وليساعدها على عملية ولادتها، لم يأت دون حكمة.. انها تدبير إلهي محكم ومتماسك، وكل عنصر من عناصره ينسجم والعنصر الآخر، الواحد يكمل الآخر، لتكون بالتالي قصة مريم العذراء وعيسى النبي – عليهما السلام – هذه القصة العجيبة الغريبة المعجزة التي بقيت على الدهر خالدة خلود صاحبَيها. وإذا كانت (أي القصة) كذلك حقاً وصدقاً ومعجزة، فلماذا هذه المحاولات للربط بين أهمية ذلك الرطب المريمي الجني، والبحث في علاقة الرطب والتمر بالحامل والنفساء، أي حامل وأي نفساء؟ والجواب، لنثبت حكمة ما ورد في القرآن أوّلاً، واعجازه المتجدد مع الزمان والمكان، لتطمئن قلوبنا ونفوسنا إلى ما قرأنا وإلى ما آمنا من غيب، باعتباره كلاماً إلهياً. لنطمئن من خلال ربط القول بالفعل، الكلام النظري بالتجارب العملية، الأقوال البعيدة في التاريخ بخضوع المادة تحت الأجهزة العلمية المتطورة ليتطابق القرآن مع الطبيعة، مع التجربة الصحيحة. فالرطب اختيار في غاية الدقة، مادة غذائية جيِّدة متكاملة، ومن أفضل المواد الطبيعية وأنسبها في تغذية الحامل والنفساء، حين لم توجد مواد كيميائية علمية مدروسة كالتي نعرفها اليوم، وبه (الرطب) ستكتمل عملية الولادة على الوجه الصحيح، وكان فعلاً ذلك، وكانت الولادة ناجحة، كان الرطب غذاءً لها بشكل عام، وفي الوقت نفسه مادة ممتازة لتسهيل عملية الولادة وما بعد الولادة، وهذا عين الحكمة وهذا ما أثبته العلم والطب الحديث.   الهوامش:
[1]- نخلة التمر، البكر ص841. [2]- المرجع نفسه، ص843. [3]- المرجع نفسه، ص842. [4]- الطب النبوي، ابن قيّم الجوزية، ص241. [5]- نخلة التمر، البكر، ص844. [6]- المرجع نفسه. [7]- بحار الأنوار، الشيخ محمد باقر المجلسي، ج66، ص124، مؤسسة الوفاء بيروت، طبعة ثالثة دار احياء التراث العربي 1983. [8]- المصدر نفسه، ج66، ص128. [9]- رمز الصحة، الدهسرخي، ص159. [10]- بحار الأنوار، المجلسي، ج66، ص135. [11]- الدر المنثور: السيوطي: ج4، ص269. [12]- المصدر نفسه. [13]- المصدر نفسه. [14]- المصدر نفسه.

[15]- علم الطب والصحة في الإسلام، د. جليل علي لفتة، ص83، دار الشهيد الصدر 1410هـ.

المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 39 و40 لسنة 1993م

ارسال التعليق

Top