• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الفن في الفقه الإسلامي

السيد عبدالكريم فضل الله

الفن في الفقه الإسلامي

   قصداً للإيجاز باعتبار البحث مقالة، والمقام ينافي الإطالة، بدأت بمقدّمة أصوليّة موجزة في ما هو المهمّ لإثبات الأحكام التي سترد في هذه المقالة إثباتاً ونقضاً.

الفنّ يستعمل في الحذاقة، والصناعة، والتزيين. والفنّ بمعناه العرفي في أيامنا هذه هو: ما يعبّر به بأيّ نحو من أنحاء التعبير: من رسم أو شعر أو غناء أو غير ذلك على نحو يتقوّم بالإحساس والذوق.   - ما هو الفن؟ وحيث إنّ الإسلام تشريع كامل يتناول كلّ نواحي الحياة، فلابدّ من أن يتناول أنواع الفنون بالأحكام التكليفيّة الخمسة: الوجوب، والحرمة، والاستحباب، والكراهة، والإباحة. وإذا لم تتناول النصوص بعض ما لم يكن موجوداً في زمن التشريع كـ(التمثيل)، فقد جُعِلَتْ بعض الأصول التي تهدي المكلّف إلى الحكم أو الوظيفة الشرعية، وذلك بحسب الترتيب في جريان الأدلّة والأصول: 1- أن يحاول المكلّف الوصول إلى قطع بالحكم. 2- فإن لم يجد يحاول الوصول إلى أمارة معتبرة من خبر واحد، أو سيرة، أو شهرة، أو ظنّ مطلق. 3- فإن لم يجد ووقف المكلَّف محتاراً يسائل نفسه ماذا يصنع؟ فقد جعل له المولى حينئذٍ أصولاً عملية تدلّه على وظيفته العملية: وهي مجرّد عمل على قول بعضهم (ومنهم الشيخ الأعظم الأنصاري – رحمه الله –) أو تنشىء أحكاماً ظاهرية (على قولٍ آخر ومنهم الشيخ الأخوند صاحب الكفاية – رحمه الله –) أو أحكاماً واقعية (على قول القائلين بالسببية أو التصويب). هذا كلّه في استكشاف الأحكام، وتسمّى الشبهة فيه شبهة حكمية أي أنّنا لا نعلم ما هو الحكم. والشبهة الحكمية لها أسباب حصرها الشيخ الأنصاري بثلاثة: 1- فقدان النصّ. 2- إجمال النصّ. 3- تعارض النصّين.   - الشبهة المفهوميّة: وأمّا في إثبات المفاهيم الواردة في النصوص مثل مفهوم الغناء، فقد عمد الفقهاء إلى الترتيب الآتي: 1- أن نطرق باب الشارع لنرى إن كان لديه مفهوم خاصّ، فيكون حقيقة شرعية، ونأخذ به. 2- فإن لم يكن، نطرق باب العرف الموجود آنذاك لنرى إن كان لديه مفهوم خاصّ، فنأخذ به، فحيث لا يكون حقيقة شرعية نأخذ بالحقيقة العرفية، لأنّ الشارع يتحدّث عن عرف الناس في زمنه. 3- فإن لم يكن نطرق باب اللغة، إذ مع انعدام الحقيقة الشرعية والعرفية، لابدّ من الأخذ بالحقيقة اللغوية. 4- فإن لم يكن تعود المسألة شبهة مفهومية، حيث إنّنا لم نستطع إثبات مفهوم مراد للكلمة، ونرجع إلى ما يقتضيه الأصل. هذا كلّه في إثبات المفهوم.   - الشبهة المصداقية: وأمّا المصاديق – وذلك كما إذا علمنا حكم الغناء، وعلمنا مفهومه، ولكنّا نشكّ في هذا الفعل الخارجي: هل مصداق للغناء أم لا؟ وتسمّى الشبهة حينئذٍ مصداقية، ولم يعمد الشيخ الأنصاري – رحمه الله – إلى ذكر أسبابها، لأنّ أسبابها الأمور الخارجية، وهي لا تحصر ولا تحصى – فتثبت: - إمّا بالقطع: - وإما بأمارة معتبرة في الموضوعات، كشاهد عدل أو شاهدَين، أو خبر ثقة، أو حسن ظاهر أو شهرة معتبرة. - وإمّا أن تعود المسألة شبهة مصداقية، ونرجع إلى ما قرّر هناك: إلى الرجوع للعمومات مطلقاً كالمشهور بين القدماء، أو الرجوع إلى العمومات مع المخصص اللبّي – أي ما لم يكن لفظياً – وعدم الرجوع إليها مع المخصّص اللفظي والرجوع إلى أدلّة أخرى كما هو عليه شيخنا الأنصاري – رحمه الله – أو غير ذلك. بهذا الترتيب سنشرع في بحث مسألتنا: الفن، وستكون لأنواعه المعروفة في زمننا هذا أبواب، لكلّ باب بحث خاصّ على النحو الآتي: 1-              الغناء، 2- الموسيقى، 3- الرسم والنحت والتصوير، 4- الرقص والتمثيل – سواء كان التمثيل في المسرح أو السينما –، 5- الشعر والأدب والقصّة.   - الفرق بين العلة والمناط: وقبل البدء لابدّ من إلفات النظر إلى الفرق بين العلّة والمناط: وهو أنّ الأحكام تابعة في عالم الثبوت للمصالح والمفاسد، سواء كانت المصلحة والمفسدة في متعلّق الحكم كما في (الخمر حرام)، حيث تكون المفسدة في نفس الخمر، أو المصلحة والمفسدة في جعل الحكم كما لو أنّ في المثال المذكور لا مفسدة في الخمر، بل المصلحة في نفس جعل حرمته، كما في الأوامر الامتحانية والاختبارية (وإن كنّا لا نفهم المصلحة في الجعل في مثل أيّامنا هذه حيث لا امتحان ولا اختبار لأحد ويكفي امتثاله للأحكام الشرعية ذات المصالح والمفاسد). هذا في عالم الثبوت، وأمّا في عالم الإثبات، فحيث لا نستطيع إدراك المصالح والمفاسد، فإنّ الله – عزّ وجلّ – قد جعل استكشاف الأحكام باستكشاف مناطاتها التي يمكن إدراكها، ونقصد بالمناط: ما يدور حوله الحكم وجوداً وعدماً في مقام الإثبات والبرهان، وبهذا يفترق عن علّة الحكم؛ لأنّ العلة هي ما يدور حوله الحكم وجوداً وعدماً في مقام الثبوت. ومن هنا نفرّق بين إثبات الحكم بالقياس وبين إثباته بوحدة المناط، حيث ثبت بطلان الأول دون الثاني، وذلك لأنّ القياس تسرية للحكم في موضوع معلوم الثبوت إلى آخر مجهول ثبوت الحكم بواسطة العلّة؛ ولذا فالقياس يعتمد على استكشاف العلّة، والعلّة – وهي المصلحة الواقعية – كثيراً ما لا تكون قابلة للإستكشاف "إنّ دين الله لا يصاب بالعقول"، وهذا بخلاف إثبات الحكم بوحدة المناط، وهو تسرية الحكم من موضوع معلوم ثبوت الحكم له إلى موضوع مجهول الحكم بواسطة وحدة المناط. والمناط يمكن استكشافه لأنّه من عالم البرهان والإثبات، ويعتمد على حد كبير على الاستظهار، وعالم الظواهر ليس مغلقاً غالباً أمام المكلّف بخلاف عالم الواقع. إذا عرفنا هذا: فينبغي أن نعلم أنّ المناط تارة يكون أمراً خارجياً بعينه كالخمر والنرد على قول –، وتارة يكون أمراً عاماً كالإسكار والإفساد والقمار. وهنا أحبّ أن أشير إلى أنّه ليس من شأن الشارع المقدّس وحكمة التشريع أن ينظر إلى أمر شخصي خارجي، كهذا المكعّب – النرد – أو هذه الآلة فيحكم عليها بما أنها كذلك، لا بعنوان الإفساد أو القمار أو اللّهو، بل من شأنه جلّ شأنه أن يعلّق الأحكام بالأمور العامة والمناطات الشاملة التي تؤدي إلى صلاح أمر المكلّف. من هنا، فإنّ أهم وظيفة للمجتهد في محاولة استكشاف المناطات التي تدور حولها الأحكام.   - الغناء: ونقسّم البحث فيه إلى ثلاثة أقسام: أ- رأي الشيخ الأنصاري – رحمه الله - ب- رأي بعض فقهاء المسلمين. ج- رأي خاصّ.   - رأي الشيخ الأنصاري – رحمه الله –: يظهر من كلام الشيخ أنّ الخلاف في حرمة الغناء هو في الشبهة المفهومية لا في الشبهة الحكمية، بمعنى أنّه لا خلاف في حرمته بعنوانه، إذ لو كان محرّماً بعناوين خارجية لكان مقتضاه حلّيته بعنوانه، والحرمة إنّما هي لهذه العناوين الخارجية. وقد استدلّ على الحرمة بثلاثة أوجه: 1- الإجماع: وقد عبّر عنه بقوله: "لا خلاف في حرمته في الجملة"[1]. ولا يبعد أن يكون إجماعاً مدركياً نظراً للروايات التي سترد. وقوله في الجملة إشارة إلى خلاف البعض أمثال الكاشاني والسبزواري واستثناء الغناء في الأعراس وحداء الإبل والمراثي وقراءة القرآن. 2- الآيات المفسّرة بالغناء في الروايات: - في تفسير قوله تعالى: (.. وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج/ 30). فقد ورد مستفيضاً تفسير قول الزور بالغناء، في صحيحة الشحّام ومرسلة ابن أبي عمير وموثّقة أبي بصير المرويات عن الكافي، ورواية عبدالأعلى المحكية عن معاني الأخبار، وحسنة هشام المحكية عن تفسير القمّي. - في تفسير لهو الحديث في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/ 6). فقد ورد مستفيضاً في تفسير لهو الحديث كما في صحيحة ابن مسلم ورواية مهران بن محمد ورواية الوشّاء ورواية الحسن بن هارون ورواية عبدالأعلى السابقة. - في تفسير الزور في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) (الفرقان/ 72). كما في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبدالله (ع) تارة بلا واسطة وأخرى بواسطة أبي الصباح الكناني. - في تطبيق اللغو على الغناء في قوله تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان/ 72). رواية محمد ابن أبي عبّاد وكان مستهتراً – مشتهراً خ ل – بالسماع ويشرب النبيذ: قال سألت الرضا (ع) عن السماع قال: لأهل الحجاز فيه رأي وهو في حيز الباطل واللّهو أما سمعت الله – عزّ وجلّ – يقول: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا). - في تطبيق اللّهو والباطل على الغناء في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء/ 16-18)، وذلك في رواية عبدالأعلى. ويذهب الشيخ الأنصاري إلى أنّ هذه الروايات لا تدلّ على حرمة الغناء بعنوانه بل من حيث اللّهو والباطل واللّغو فيقول في المكاسب: "والإنصاف أنّها لا تدلّ على حرمة نفس الكيفية إلا من حيث إشعار لهو الحديث بكون اللّهو عن إطلاقه مبغوضاً لله تعالى، وكذا الزور بمعنى الباطل، وإن تحقّقا في كيفية الكلام لا في نفسه كما إذا تغنّى في كلام حقّ من قرآن أو دعاء أو مرثية"[2]. 3- الروايات: وهي كثيرة ومتضافرة وقد ذكر الشيخ – رحمه الله – بعضها فذكر منها: - رواية يونس قال: "سألت الخراساني[3] عن الغناء وقلت: إنّ العباسي زعم أنّك ترخص في الغناء؟ فقال: كذب الزنديق ما هكذا قلت له، وإنما سألني عن الغناء قلت له إنّ رجلاً أتى أبا جعفر (ع) فسأله عن الغناء فقال له: إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال: مع الباطل. فقال: قد حكمت"[4]. - رواية الأعمش في تعداد الكبائر قوله: "والملاهي التي تصدّ عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار"[5]. - قوله (ع) وقد سُئل عن الجارية المغنية: قد يكون للرجل الجارية تلهيه وما ثمنها إلّا كثمن الكلب[6]. ويذهب الشيخ – رحمه الله – إلى أنّ هذه الروايات لا تدلّ على الحرمة العنوانية للغناء، بل إلى العناوين الخارجية من اللّهو والباطل حيث يقول في المكاسب: "وبالجملة فالمحرّم هو ما كان من لحون أهل الفسوق والمعاصي التي ورد النهي عن قراءة القرآن بها، سواءً كان مساوياً للغناء أو أعمّ أو أخصّ". ولكنه يبدّل رأيه مباشرة حيث يرى الحرمة العنوانية للغناء، ولكن لا بسبب الأدلّة بل بسبب ظهور لفظ الغناء في أنّه هو اللّهو فيقول: "مع أنّ الظاهر أن ليس الغناء إلا هو – أي اللّهو –"[7]. ومع وصول الشيخ إلى هذه النتيجة (أي حرمة الغناء لعنوانه) أصبحت المسألة عنده من باب الشبهة المفهومية، ويلزم تنقيح معنى الغناء المراد في الروايات.   - معنى الغناء: بعدما سرد الشيخ – رحمه الله – معاني الغناء لدى الفقهاء واللغويين من أنّه الصوت أو مدّ الصوت أو هو مع الترجيع أو هو مع الإطراب إلى غير ذلك، وبعد الإشكال وردّه على ما هو منحاه في بحث أيّة مسألة من الأخذ بجانب والاستدلال له حتى تظنَّ أنّه مختاره ثمّ ينقلب ليثبت عكسه حتى تظنّ أنّه رفضه وإذا به يعود ليثبت الأوّل وهكذا يذهب في تحقيق المسألة والتدقيق فيها، بعد هذا كلّه ذهب الشيخ – رحمه الله – إلى أنّ اللّهو لا ينفكّ عن الغناء مصداقاً من دون مدخلية له في المفهوم فيقول: "وكيف كان فالمحصل من الأدلّة المتقدّمة حرمة الصوت المرجّع فيه على سبيل اللّهو، فإنّ اللّهو كما يكون بآلة من غير صوت كضرب الأوتار ونحوه بالصوت في الآلة كالمزمار والقصب ونحوهما فقد يكون بالصوت المجرّد، فكلّ صوت يكون لهواً بكيفيّته ومعدوداً من ألحان أهل الفسوق والمعاصي فهو حرام وإن فرض أنّه ليس بغناء، وكل ما لا يعدّ لهواً فليس حراماً وإن فرض صدق الغناء عليه فرضاً غير محقق لعدم الدليل على حرمة الغناء إلا من حيث كونه باطلاً ولهواً وزوراً". إذاً، الغناء هو: كيفية ولا علاقة له بمادّة الصوت. يقول الشيخ – رحمه الله –: "وظهر ممّا ذكرنا أنّه لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حقّ أو باطل، فقراءة القرآن والدعاء والمراثي بصوت يرجع فيه على سبيل اللّهو لا إشكال في حرمتها ولا في تضاعف عقابها لكونها معصية في مقام الطاعة".   - معنى اللّهو: ولمّا كان مناط الحرمة عند الشيخ – رحمه الله – وهو عنوان اللّهو، فلابدّ من بيان فيقول: "ثمّ إنّ المرجع في اللّهو إلى العرف والحاكم هو الوجدان، حيث يكون الصوت المذكور مناسباً لبعض آلات اللّهو والرقص ولحضور ما يستلذّه القوى الشهوية من كون المغني جارية أو أمرد"[8].   - مؤاخذة على الشيخ – رحمه الله –: لم يستغرق الشيخ – رحمه الله – في بيان معنى اللّهو ومصاديقه رغم أنّه جعله المناط في الحكم، وكان ينبغي أن يوضح معناه خصوصاً التفريق بينه وبين الترفيه والتسلية والعبث، فإنّ هذه الثلاثة لا شكّ في حلّيتها، والتفريق بين هذه المفاهيم الثلاثة وبين اللّهو في غاية الأهمية. على أنّ الشيخ لم يفرّق بين حضور القوى الشهوية واللّهو، والعلاقة بينهما. نعم، ذكر الشيخ – رحمه الله – تعريف اللّهو والتفريق بينه وبين اللعب واللّغو وذلك في بحث حرمة الملاهي حيث يقول: "ولكنّ الإشكال في معنى اللّهو، فإنّه إن أريد به مطلق اللعب كما يظهر في الصحاح والقاموس فالظاهر أنّ القول بحرمته شاذّ مخالف للمشهور والسيرة، فإنّ اللعب هو الحركة لا لغرض عقلاني، ولا خلاف ظاهراً في عدم حرمته على الإطلاق، نعم لو خصّ بما يكون من بطر وفسِّر بشدّة الفرح كان الأقوى تحريمه"[9].   - مستثنيات الحرمة: 1- حداء الإبل: المشهور استثناؤه، ولكن الشيخ – رحمه الله – لم يستثنه عن الحرمة على تقدير كونه لهوياً لعدم تمامية الدليل على الحلّية بعد انطباق العنوان المحرم عليه وهو اللّهو. 2- الغناء في الأعراس: ولم يصل الشيخ – رحمه الله – إلى موقف، واختار الاحتياط لعدم تمامية أدلّة التحليل عنده، فإنّه بعدما خدش بسند الروايات الدالة على الحلّية وعدم انجبارها بالشهرة، عاد وقال: "إنّ الإنصاف أنّه لا يخلو من وثوق، ثمّ عاد واختار الاحتياط"[10].   ب- رأي فقهاء المسلمين: المشهور بين فقهاء الشيعة حرمة الغناء في الجملة لعنوانه. * الخميني: يرى الإمام الخميني أنّ حرمة الغناء لعنوانه. يقول في كتابه (المكاسب المحرّمة): "والإنصاف أنّ دلالة الطائفتين المتقدّمتين – أي ما دلّ على تفسير آية الزور وآية اللّهو – على حرمة الغناء بذاته لا تأمّل فيها... ودلّت على حرمته بذاته أيضاً روايات كثيرة ربّما يدّعى تواترها"[11]. ويقول في (تحرير الوسيلة): "الغناء حرام فعله وسماعه والتكسّب به"[12]، حيث علّق الحرمة بنفس عنوان الغناء. من هنا كان تعريف الغناء هو المهمّ لديه؛ لأنّ عنوان الغناء هو المحرّم، فيعرّفه بقوله: "وليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه وترجيعه بكيفية خاصّة مطربة تناسب مجالس اللّهو ومحافل الطرب وآلات اللّهو والملاهي، ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ من قراءة القرآن والدعاء والمرثية وغيره من شعر أو نثر، بل يتضاعف عقابه لو استعمله فيما يطاع به الله تعالى، نعم قد يستثنى غناء المغنّيات في الأعراس، وهو غير بعيد"[13]. * الخوئي – رحمه الله –: وكما هو مشهور بين الشيعة، ذهب الإمام الخوئي – رحمه الله – إلى الحرمة العنوانية، يقول في (مصباح الفقاهة): "إنّ الظاهر من الروايات المتضافرة بل المتواترة (من حيث المعنى) الناهية عن الغناء وعن جميع ما يتعلّق به هو تحريمه بنفسه مع قطع النظر عن اقترانه بسائر العناوين المحرّمة"[14]. ويظهر منه أنّ الغناء قسمان: محرّم، ومحلّل. يقول: "الغناء حرام إذا وقع على وجه اللهو والباطل بمعنى أن تكون الكيفية كيفية لهوية؛ والعبرة في ذلك بالصوت العرفي، وكذا استماعه، ولا فرق في حرمته بين وقوعه في قراءة، ودعاء، ورثاء، وغيرها، ويستثنى منه الحداء وغناء النساء في الأعراس إلا لم يضمّ إليه محرّم آخر من الضرب بالطبل، والتكلّم بالباطل، ودخول الرجال على النساء وسماع أصواتهنّ على نحوٍ يوجب تهييج الشهوة وإلا حرم ذلك"[15]. * المذاهب الأربعة: يظهر من معظمهم عدم حرمة الغناء لذاته بل للعناوين الخارجية. فقد نقل الغزالي في الإحياء عن الشافعي: "لا أعلم أحداً من علماء الحجاز كره السماع"، وقد استدلّ الغزالي على الجواز برقص الحبشة والزنوج في المسجد النبوي يوم عيد وأقرّهم الرسول (ص)، ثمّ ذكر أنّ حرمة الغناء من جهة المحرّمات الخارجية. وفي فقه المذاهب (2/42): "التغنّي من حيث كونه ترديد الصوت بالألحان مباح لا شيء فيه. ولكن قد يعرض له ما يجعله حراماً أو مكروهاً، وعلى هذا المنهج تفصيل المذاهب الأربعة". ثمّ قال: "فما عن أبي حنيفة من أنّه يكره الغناء ويجعل سماعه من الذنوب فهو محمول على النوع المحرّم منه"[16].   ج- رأي خاصّ: والذي أستظهره من مجموع الروايات، وشتات الكلمات أنّ المحرّم من الغناء: هو خصوص ما أدّى إلى فساد القلب، والروح، ونبات حبّ الدنيا والشهوات والضلالة عن سبيل الله. ويدلّ على ذلك أمور: 1- أنّ المنصرف من الغناء: هو خصوص ما كان شائعاً، وما هو شائع في أيامنا من الغناء المفسد للقلب وللروح ولو من دون طرب؛ لأنّ الطرب غاية لهذا النوع من الغناء لا مقوّم له، وقد كثر هذا النوع من الغناء المحرّم، (أي ما كان جوّه فساد) لدرجة أنّه لكثرة الأفراد الخارجية منه أصبح هو المصرف إليه والمراد في الكلام. فإنّ الغناء – وإن لم يؤدّ إلى خفّة وطيش وفعل ما لا يفعله الحكيم – لكنّه ينبت النفاق شيئاً فشيئاً، ألا ترى أنّه من يحضر مجالس اللّهو لا يزني من المرّة الأولى، ولكنّه مع تكرار المجالس قد يزني، ولذا ورد أنّ الغناء رقية الزنا، وكلمة (رقية) تفيد ما ذكرنا. وكذا فإنّه لا يصبح منافقاً من المجلس الأوّل، بل مع تكرار المجالس يصبح منافقاً، وأنانياً، وينمو لديه حبّ الشهوات ويضلّ عن سبيل الله، ويقترب من المعاصي، ويشير إلى ذلك تعبير الإمام (ع): "ينبت النفاق في القلب" فإنّ كلمة (ينبت) تشير إلى ما ذكرنا. وبهذا يُردّ إشكال أنّ معظم الغناء لا يطرب ولا يؤدّي إلى خفّة وطيش، وهذا الإشكال هو الذي حدا ببعض فقهائنا إلى الذهاب إلى أنّ الغناء من شأنه أو أنّ الغالب فيه أن يطرب. ويؤيد ما ذكرنا من أنّ المراد من المطلقات الغناء العرفي الشائع في زماننا وزمانهم ما ورد في رواية محمد ابن أبي عبّاد: "وكان مستهتراً بالسماع" حيث إنّ هذا النوع من الغناء في عرفهم كان يسمّى بالسماع وأطلق عليه السماع رغم أنّ السماع أعمّ لغة، ألا ترى أننا في أيامنا هذه نقول: فلان يشرب، ونقصد خصوص شرب الخمور مع أنّ الشرب أعمّ، فإطلاق كلمة (شرب) عندما نقول فلان يشرب تنصرف إلى خصوص شرب الخمر. 2- كثرة العناوين المنطبقة على الغناء في الروايات: الزور، اللّهو، الباطل، اللّغو، ممّا يستظهر منه عدم حرمة الغناء لذاته بل لهذه العناوين؛ وإلا فلماذا يتبع الإمام (ع) – عند السؤال عن الغناء – التحريم بذكر آية اللّهو وغيرها، وكان يتمكّن من ذكر الحكم فقط لو كان الغناء محرّماً لذاته، وكأنّ الإمام (ع) يعلّمنا استكشاف هذه المناطات. 3- ما ورد من الروايات الدالة على الحلية في الأعراس، أو في الفطر والأضحى والفرح، حيث يقول الإمام (ع) في الرواية: "لا بأس ما لم يعصَ به"[17]. وما ورد من قراءة القرآن بألحان العرب "وإياكم وألحان أهل الفسوق"[18]. والذي نفهمه من ألحان أهل الفسوق هو هذا الجوّ الفاسد الذي يؤدّي إلى مرض القلب والبعد عن حبّ الله والتعلّق بالملذّات الدنيوية، وكأنّ الإمام (ع) يشير إلى أنّ هذا الجوّ هو سبب تحريم الغناء، ومن هنا تعدّدت عبارات الفقهاء فقالوا: الغناء – على نحو ما تعارف عند أهل الفسوق – أو مجالس اللهو والباطل، ثمّ يجعلون تعيين اللّهو على عاتق العرف والوجدان، حتى جعلوا هذه الحيثية تقييدية لا تعليلية، وهو خلاف الظاهر. 4- من هنا يرد الإشكال الذي ذكره الإمام الخوئي – رحمه الله – كما في مصباح الفقاهة أنّه لو كان تحريم الغناء إنما هو العوارض المحرّمة كان الاهتمام بالمنع عنه في هذه الروايات لغواً محضاً، لورود النهي عن سائر المحرّمات بأنفسها[19]. والجواب: أنّ الإمام (ع) يركّز على الغناء من حيث إنّه يؤتى به بكيفية هي من أكثر الملاهي المحرّمة تأثيراً وانتشاراً.   - الموسيقى: لم أجد لفظة (الموسيقى) في النصوص وعند الفقهاء الأقدمين ولعلّها معرّبة من لفظة أجنبية يونانية كما ذكر في المنجد. نعم وردت لفظة (المعازف)، ولذا فالموسيقى علم لم يرد في النصوص، فيندرج تحت: "كلّ شيء لك حلال حتى يعلم أنّه حرام" نعم وردت الآلات الموسيقية في نصوص كثيرة كالبربط، والمزمار، والأوتار، والطنبور، والدفّ، فلنجعل البحث في نفس الآلات. ونبحث فيه: 1- رأي الشيخ – رحمه الله –، 2- رأي المشهور.   - رأي الشيخ الأنصاري – رحمه الله –: ويظهر منه عد حرمة الآلات الموسيقية بعنوانها أي أنّ الآلات بحدّ ذاتها محلّلة، نعم تحرم بعناوين تنطبق عليها أو تلازمها. يقول في كتابه المكاسب، "ويؤيّده أنّ حرمة اللعب بآلات اللّهو الظاهر أنّه من حيث اللّهو لا من حيث خصوص الآلة. ففي رواية سماعة: "قال أبو عبدالله (ع) لما مات آدم شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض، فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم (على نبيّنا وآله وعليه السلام)، فكلّما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذلك". فإن فيه إشارة إلى أنّ المناط هو مطلق التلهّي والتلذّذ"[20]. ولعلّه لهذا السبب لم يجعل الشيخ – رحمه الله – للآلات الموسيقية باباً خاصّاً.   2- رأي المشهور: لم تفرد الكتب الفقهية، بل وحتى كتب الحديث للآلات الموسيقية مبحثاً خاصّاً، فيها، وغالباً ما أُدرجت مع الغناء، أو مع الملاهي، والظاهر عندهم أنّ حرمة الآلات الموسيقية لا لعنوانها وإن وردت في كثير من النصوص كرواية تحف العقول وغيرها، بل من حيث العناوين الخارجية الطارئة عليها كاللّهو، وإلا فهي بحدّ ذاتها محلّلة، وقد ذكرها الفقهاء في باب ما حرّم لتحريم ما يراد منه.   - الرسم والنحت والتصوير: لا شكّ في أنّ البحث في حرمتها هو في الحرمة العنوانية، أي أنّها محرّمة لذاتها لا لعناوين خارجية. أمّا التصوير الفوتوغرافي فهو أمر متأخّر، والمشهور بين المتأخّرين جوازه، بل يكاد يكون محل اتّفاق لولا ما نقل عن بعض الفقهاء. فلننقل الكلام إلى الرسم، وهو التمثيل غير المجسّم، والنحت وهو المجسّم. ونبحث في: 1- رأي الشيخ الأنصاري – رحمه الله –، 2- رأي بعض فقهاء المسلمين.   رأي الشيخ الأنصاري – رحمه الله –: نقل الشيخ إجماعاً على حرمة تصوير المجسّم من ذوات الأرواح بقوله: "تصوير صور ذوات الأرواح حرام إذا كانت الصورة مجسّمة بلا خلاف فتوىً ونصّاً"[21]، وهو إجماع مدركي للروايات الكثيرة الواردة. وذهب الشيخ – رحمه الله – إلى حرمة الرسم والنحت لخصوصٍ ذوات الأرواح يقول في المكاسب: "المسألة الرابعة: تصوير صور ذوات الأرواح حرام إذا كانت الصورة مجسّمة بلا خلاف فتوىً ونصّاً، وكذا مع عدم التجسيم وفاقاً لظاهر النهاية وصريح السرائر والمحكي عن حواشي الشهيد والميسية والمسالك وإيضاح النافع والكفاية ومجمع البرهان وغيرهم، للروايات المستفيضة مثل قوله (ع): "نهي أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم". وقوله (ع): "نهي عن تزويق البيوت". قلت: وما تزويق البيوت؟ قال (ع): "تصاوير التماثيل". والمتقدّم عن تحف العقول: وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني. وقوله (ع) في عدة أخبار: "مَن صوّر صورة كلّفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ"[22]. ويعتبر الشيخ – رحمه الله – قصد الحكاية والتمثيل، "فلو دعت الحاجة إلى عمل شيء يكون شبيهاً بشيء من خلق الله ولو كان حيواناً من غير قصد الحكاية فلا بأس قطعاً"[23]. ويردّ الشيخ على من خصّص الحرمة بخصوص المجسّم من ذوات الأرواح – والقدر المتيقّن المجتمع عليه هو حرمة المجسّم من ذوات الأرواح – ويفنّد أدلّتهم، ثمّ يتعرّض لفروع وهي: التصوير الناقص، وجواز تصوير الجنّ والمَلَك، وجواز الاقتناء والبيع والنظر. وينقل الشيخ قولين آخرين في المسألة: 1- حرمة مطلق الرسم والنحت حتى لغير ذي الروح. 2- حرمة مطلق النحت – أي المجسّم – لذي الروح وغيره. يقول: "خلافاً لظاهر جماعة حيث إنّهم بين من يحكى عنه تعميمه الحكم لغير ذي الروح ولو لم يكن مجسّماً لبعض الإطلاقات اللازم تقييدها بما تقدّم مثل قوله (ع): "نهي عن تزويق البيوت". وقوله (ع): "مَن مثّل مثالاً..."، وبين من عبّر بالتماثيل المجسّمة بناءً على شمول التماثل لغير الحيوان كما هو كذلك، نخصّ الحكم بالمجسّم لأنّ المتيقّن من المقيّدات للإطلاقات والظاهر منها بحكم غلبة الاستعمال والوجود النقوش لا غير"[24].   2- فقهاء المسلمين: المشهور: ذهب أكثر الفقهاء إلى الحرمة العنوانية للرسم والتجسيم لذوات الأرواح.   - الخميني – رحمه الله –: يذهب إلى حرمة خصوص النحت لذوات الأرواح يقول: "مسألة 12: يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت الصورة مجسّمة كالمعمومة من الأحجار والفلزّات والأخشاب ونحوها، والأقوى جوازه مع عدم التجسيم وإن كان الأحوط تركه، ويجوز تصوير غير ذوات الأرواح كالأشجار والأوراد ونحوها ولو مع التجسيم، ولا فرق بين أنحاء التصوير من النقش والتخطيط والتطريز والحكّ وغير ذلك. ويجوز التصوير المتداول في زماننا بالآلات المتداولة، بل الظاهر أنّه ليس من التصوير، وكما يحرم عمل التصوير من ذوات الأرواح مجسّمة يحرم التكسّب به وأخذ الأجرة عليه، هذا كلّه في عمل الصور، وأمّا بيعها واقتناؤها واستعمالها والنظر إليها فالأقوى جواز ذلك كلّه حتى المجسّمات، نعم يكره اقتناؤها وإمساكها في البيت"[25]. وللإمام الخميني – رحمه الله – بحث لطيف جدّاً والتفاتات لطيفة في هذه المسألة ذكرها في كتابه المكاسب المحرّمة[26]، وهي نكات والتفاتات تنفع جدّاً في استنباط الحكم.   - الخوئي – رحمه الله –: يذهب إلى حرمة الرسم والنحت لذوات الأرواح فيوافق الشيخ الأنصاري – رحمه الله – في ذلك فيقول: "يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان سواءً كانت مجسّمة أم لم تكن، ويحرم أخذ الأجرة عليه. أمّا تصوير غير ذوات الأرواح كالشجر وغيره فلا بأس به، ويجوز أخذ الأجرة عليه، كما لا بأس بالتصوير الفوتوغرافي المتعارف في عصرنا، ومثله تصوير بعض البدن كالرأس والرجل ونحوهما ممّا لا يعدّ تصويراً ناقصاً، أمّا لو كان كذلك، مثل تصوير شخص مقطوع الرأس ففيه إشكال. أمّا لو كان تصويراً له على هيئة خاصّة: مثل تصويره جالساً أو واضعاً يديه خلفه أو نحو ذلك ممّا يعد تصويراً تاماً فالظاهر هو الحرمة، بل الأمر كذلك فيما إذا كانت الصورة ناقصة، ولكنّ النقص لا يكون دخيلاً في الحياة كتصوير إنسان مقطوع اليد أو الرجل ويجوز على كراهة اقتناء الصور وبيعها وإن كانت مجسّمة وذوات أرواح"[27].   - المذاهب الأربعة: في فقه المذاهب[28] عن المالكية: إنّما يحرم التصوير بشروط أربعة: أحدها: أن تكون الصورة لحيوان. ثانيها: أن تكون مجسّدة وقيّدها بعضهم بكونها من مادّة تبقى وإلا فلا تحرم، وفي غير المجسّدة خلاف، فذهب بعضهم إلى الإباحة مطلقاً، وبعضهم يرى إباحتها إذا كانت على الثياب والبسط. ثالثها: أن تكون كاملة الأعضاء. رابعها: أن يكون لها ظلّ. وعن الشافعية: يجوز تصوير غير الحيوان. وأمّا الحيوان فإنّه لا يحلّ تصويره، وبعد التصوير إن كانت الصورة مجسّدة فلا يحلّ التفرّج عليها إلا إذا كانت ناقصة، وغير المجسّدة لا يحلّ التفرّج عليها إذا كانت مرفوعة على الجدار. ويجوز التفرّج على خيال الظلّ ويستثنى من المذكورات لعب البنات. وعن الحنابلة: يجوز تصوير غير الحيوان، وأمّا تصوير الحيوان فإنّه لا يحلّ إلا إذا كان موضوعاً على ثوب يُفرش. وعن الحنفية: تصوير غير الحيوان جائز، أمّا تصوير الحيوان فإنّه لا يحلّ إلا إذا كان على بساط مفروش أو كانت الصورة ناقصة.   - الرقص والتمثيل: لا أحد يقول بحرمتهما لعنوانهما وخصوصاً التمثيل الذي لم يكن معروفاً في زمن النبي (ص) والأئمة (ع). ولعلّه لهذا السبب لم يتعرّض لهما الشيخ الأعظم – رحمه الله – في المكاسب وكذا غيره. نعم ذكر الشيخ الأنصاري – رحمه الله – حرمة الرقص وأنّها بعنوان اللّهو في معرض كلامه عن اللّهو، حيث يقول: "نعم لو خصّ اللّهو بما يكون من بطر، وفسّر بشدّة الفرح كان الأقوى تحريمه، ويدخل في ذلك الرقص والتصفيق والضرب على الطشت بدل الدفّ، وكلّما يفيد فائدة اللّهو"[29]. ولعدم وجود حكم خاصّ بالعنوان فلا معنى لبحث معنى الرقص أو التمثيل. نعم، قد يطرأ عليهما أحد الأحكام التكليفية الخمسة: (الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة) بسبب اقترانهما بعنوان خارجي، أو ملازمتهما لعنوان خارجي قد ثبت له أحد هذه الاحكام. فقد تطرأ عليهما الحرمة لعنوان خارجي محرّم كاللّهو والفساد والإضلال عن سبيل الله والإثارة وغير ذلك. بل قد يطرأ عنوان مستحبّ أو واجب كنشر الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما نجد في أيّامنا هذه حيث لمسرح أو للأفلام – سواء كانت في السينما أو التلفزيون – أثر كبير في توجيه الناس اعتقادياً وخُلُقياً ومسلكياً.   - الشعر والقصّة والأدب: لم يحرّم الإسلام شيئاً منها بل شجّعها، فهي من وسائل البيان والإعلام، كيف وقد جاء القرآن قمّة في بلاغته وفصاحته وتحدّى بذلك، وقد روي عن النبي (ص) قوله: "إنّ من الشعر لحكمة ومن البيان لسحراً"، وقد اتّخذ النبي (ص) حسان بن ثابت شاعراً وطلب منه أن يقول شعراً في يوم الغدير. وقد أنشد الكميت بن زياد ودعبل الخزاعي وغيرهما للأئمة (ع)، وهذا ديدن الفقهاء والمتشرّعة إلى يومنا هذا. ولذا لا يحرم الشعر ولا القصّة بعنوانه بل هو مباح. بل تطرأ عليه أحكام بحسب العنوان الخارجي المنطبق عليه. نعم، ورد في القرآن ذمّ الشعراء: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء/ 224-227). والجواب: أنّه ذمّ الشعراء بحسب الجوّ الشعري الفاسد من كذب، وغلوّ في مدحٍ أو ذمّ، وعدم مبالاتهم بما يقولون إلى غير ذلك، ولذا استثنى الذين آمنوا منهم حيث لا يكون في شعرهم شيء من الباطل. ورد في سبب نزول آية اللّهو: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ...) (لقمان/ 6)، أنّ النضر بن حرث كان يخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم ويحدّث قريشاً ويصرفهم عن استماع القرآن. وكأنّ هذه الرواية تفيد عن القصّة وسردها.

والجواب: إنّ المحرّم هو خصوص ما قصد الضلالة عن سبيل الله إذا كانت اللام للتعليل أو ما أدّى إلى ذلك إذا كانت اللام للعاقبة لقوله تعالى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا...) (القصص/ 8)، وهذا عنوان خارجي، حيث تكون القصّة سبباً للقرب من الكفر أو القرب من المعاصي.

الهوامش:

  [1]- المكاسب المحرّمة/ 36. [2]- المصدر السابق. [3]- أي الإمام الرضا (ع). [4]- وسائل الشيعة، 12/227. [5]- بحار الأنوار، 10/229. [6]- الوسائل، 12/88. [7]- المكاسب/ 36-37. [8]- المصدر السابق. [9]- م. ن./ 54، اللهو حرام. [10]- جميع ما ذكرناه من آراء الشيخ – رحمه الله – مأخوذ من كتابه (المكاسب)، وحتى تقييم الروايات، فمثل موثقة أبي بصير ضعيفة عند غيره. [11]- المكاسب المحرمة، 1/308. [12]- تحرير الوسيلة، 1/497. [13]- م. ن. المسألة 12. [14]- مصباح الفقاهة، 1/393. [15]- منهاج الصالحين، 2/7، المسألة 17. [16]- عن مصباح الفقاهة، 1/389. [17]- وهي رواية ملحقة بالصحيح. [18]- وسائل الشيعة، 4/858. [19]- مصباح الفقاهة، 1/394. [20]- المكاسب، اللهو المحرّم/ 54. [21]- المكاسب/ 23. [22]- المصدر السابق. [23]- المكاسب/ 23. [24]- المصدر السابق. [25]- تحرير الوسيلة، 1/428. [26]- المكاسب المحرّمة، 1/196-172، ومن أرادها فليراجعها هناك. [27]- منهاج الصالحين، 2/70. [28]- فقه المذاهب، 2/40.

[29]- المكاسب/ 54، مبحث اللّهو حرام.

  المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 57-58 لسنة 1990م

ارسال التعليق

Top