• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المرأة الواعية.. مفتاح المجتمع

عمار كاظم

المرأة الواعية.. مفتاح المجتمع

لقد خلق الله سبحانه المرأة لتكون عنصراً فاعلاً في المجتمع الإنساني، لأنّها طرفاً أساسياً فيه، تقابل الرجل الطرف الأوّل. فمنهما يتكون أفراد المجتمع الإنساني. قال الله سبحانه: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) (المؤمنون/ 115). كلا إنّما خلقهما لمهمة خطيرة، لها أبعادها، كما لها حيويتها، إنّها إنسانية الوجود، وازدهارها في خضمّ الحياة لما فيه الخير والسعادة، والعيش الرغيد. وحيث أنّها تقابل الرجل العنصر الأوّل في تقويم المجتمع الذي أراده الله لعباده، فلابدّ أن تكون معه في مستوى واحد من حيث القابليات، والإدراك: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) (الأنعام/ 98)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء/ 1). وحين نقول بتساوي الإدراك والقابليات فليس معناه الاتحاد الكمي. فمن الطبيعي الاختلاف تبعاً للمقياس الثقافي، وسلّم المعرفة، لكن المقصود وجود تلكم الغرائز الأساسية فيها، والقابلية للنمو والتطور حين تحفيزها للتكامل والإبداع. ولكن هذه الحقيقة الذاتية للمرأة تناستها الكثير من الحضارات القديمة، حيث جعلت هذا العنصر الأساسي من سقط المتاع، فكانت تباع وتشترى في الأسواق، وقد سمّوها رجساً من عمل الشيطان، وحرّموا عليها كلّ شيء سوى تدبير البيت، وتربية الأطفال، ففي عام 586م عُقد اجتماع في بعض مدن فرنسا للبحث عن المرأة: أتُعدّ إنساناً أم غير إنسان؟!، وفي ختام البحث قرر المجتمعون أنّ المرأة إنسان، ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل. وكان نصيب المرأة في الجاهلية لا يقلّ عما هو في الحضارات القديمة من الذُلّ والهوان، فقد حرم العرب النساء والصبيان من أبناء الميت من الميراث، وإنّما يورثون من يلاقي العدو، ويُقاتل في الحرب. كما كانوا يورثون النساء كُرهاً، وذلك بأن يجيء الوارث ويلقي ثوبه على زوج مورثه، فتكون من جملة ما يحوزه له، وكذلك يرثون زوجات أبيهم في جملة المتاع فيصبحن زوجاتهم، وهناك من كان يئد البنات، ويدفنها وهي حية تخلصاً من مسؤولياتها الكبيرة عليه، وتهرباً من الإنفاق عليها. واستمر عدم الاعتناء بالمرأة إلى العهود القريبة في أوروبا. ولكن المرأة في نظر الإسلام اختلفت كلّ الاختلاف عن السابق، فقد أعاد لها كرامتها، ورفع عنها الحيف الذي نالها من الحضارات التي كانت تراها كائناً لا يستحق الاعتبار، ورفض كلّ تلك السمات الشائنة لها، فقال سبحانه، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل/ 97)، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء/ 124). ولم يقف الإسلام عند هذا الحد في رفع مكانة المرأة، إنّما تعدى إلى أكثر ممّا نتصور، فقد ساواها بالرجل من حيث الاعتبارات الأساسية، والقيم الإنسانية، وهيأ كلّ مقومات التوازن الفردي لها، بحيث جعل منها عنصراً حياً في تأسيس المجتمع، وديمومته، وطاقة إبداع للوجود الإنساني، تكويناً، وتربيةً، ونموّاً مثمراً، حتى قال سبحانه عن هذا الاندماج الازدهاري: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة/ 187)، واللباس ستر لعيوب الإنسان، وتقويم لمظهره الخارجي. وكما أنّ الرجل لباس للمرأة، فكذلك هي له، كلّ منهما جزء مُتمم للآخر، حاجة مُتبادلة بينهما، تشدّهما إلى بعض، وتنزلهما منزلة واحدة، لها خصائصها، وميزاتها الفردية، والاجتماعية. إنّ نظرة الإسلام إلى المرأة تركزت على رفض الأفكار الخاطئة التي أُلصقت بها وحطت من شأنها، واعتبرتها حاجة شهوانية يلجأ إليها الإنسان عند اضطرام بركانها، وهو أيّ الإسلام في هذه الصدد أكد على أنّها شطر النفس الإنسانية، وصانعة الجنس البشري، وحارسة العش الذي تدرج فيه الطفولة، والأمينة على أنفس عناصر هذا الوجود: «الإنسان، وأنّ عملها في إتقان هذا العنصر لا يعدله عملها في إتقان أي عنصر آخر، أو أي جهاز... إلى آخر هذه الاعتبارات الفطرية الإنسانية الكريمة».

ارسال التعليق

Top