• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ثقّف ولدك

د. سمير يونس*

ثقّف ولدك

◄يستخدم كثير من الناس كلمة "الثقافة" لتدل على ما يحمله الإنسان من معلومات ومعارف فقط، إلا أنّ معناها أوسع من ذلك، فقد عرَّفها علماء الدراسات الإنسانية بأنّها: "جملة الإنجازات الإنسانية"، كما وصفت بأنها: "نظام حياة"، وقد تستخدم بمعنى كلمة "حضارة". وقديماً قال العرب: ثقف الرمح – وهو أداة الصيد – أي دق، وأثر في غيره.

 

ثقافة الطفل:

يعرِّف التربويون ثقافة الطفل بأنها: "مركب يشتمل على العقائد، والأخلاق، والعادات، والتقاليد، والقوانين، والمعارف، وأنماط السلوك التي يكتسبها الطفل داخل الأسرة والمجتمع".

فللأطفال في كلِّ مجتمع مفردات لغوية متميزة، وعادات، وقيم، وسلوكيات، وطرق خاصة في اللعب، وأساليب خاصة في التعبير عن أنفسهم، وإشباع ميولهم وحاجاتهم، ولهم تصرفات ومواقف، واتجاهات، وانفعالات، وقدرات، ومهارات وأزياء، وأساليب في تناول الطعام، وطرق في تحية بعضهم بعضاً، وهذه جميعها خصائص نوعية تشكل ثقافة الأطفال، وهي ما يسميها البعض "نظام حياة الأطفال".

أهداف ثقافة الأطفال: ينبغي لأولياء الأمور والمربِّين أن يدركوا أنّ لثقافة أطفالهم أهدافاً، يُرجى تحقيقها من خلال وسائل تثقيف الأولاد، وخاصة أن تثقيف الطفل هو خير استثمار لوقته، لذا يجب على الآباء – عند تثقيف أولادهم – السعي إلى أن يصير الطفل بعد مروره بالبرامج الثقافية قادراً على أن:

1-  يجيد ممارسة العادات الصحية والرياضية، وعادات النوم، والمأكل، والملبس.

2-  يبدي اهتماماً بالنظافة والنظام والنشاط والعمل، على أن يظهر ذلك في سلوكه.

3-  يتقن فنون اللغة الأربعة "الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة".

4-  يستخدم قدراته ومهاراته في فهم ذاته، وفهم ما حوله ومَن حوله.

5-  يحقق مستوى النمو الطبيعي في جميع جوانب الشخصية (العقلية، والدينية، والجسمية، والاجتماعية، والنفسية، والجمالية، والعاطفية).

6-  يفسر ما يجري حوله من ظواهر اجتماعية وطبيعية وسياسية واقتصادية على أسس واقعية.

7-  يتعامل مع هذه الظواهر السابقة، محاولاً الاستفادة منها في حياته وإفادة من حوله.

8-  يجيد التعامل مع الآخرين – من حيث العطاء والأخذ – على أساس الحقِّ والعدل، واحترام غيره، واحترام ذاته.

9-  يبني لنفسه كياناً مستقلاً.

10-                   يتعاون مع غيره على البر والخير.

11-                   يعمل بنجاح داخل فريق.

12-                   يسلك سلوكاً يؤكد انتماءه لمجتمعه ودينه ووطنه.

13-                   يثق بنفسه مطمئناً، محسناً التوكل على الله.

14-                   يتحلّى بالمرح في غير ميوعة، والجدية في غير تزمت.

15-                   يتقن المهارات اليدوية الأولية في استخدام الأدوات والآلات والخامات الشائعة الاستخدام.

16-                   يستخدم ما اكتسبه من معارف وحقائق وعلوم في حل مشكلاته اليومية التي تواجهه في حياته.

17-                   يوضح أساسيات دينه، مع ربطها بمواقف الحياة، على أن يظهر ذلك في سلوكه.

18-                   يتقن التعامل مع الأساسيات في: الأرقام، والمقاييس، والموازين، والمكاييل، والنقود، والمعايير الشائعة، والمسافات، والمساحات، والأشكال، والأجسام في مختلف صيغها.

19-                   يتذوق الجمال في صيغه وأشكاله وألوانه المختلفة، سمعية كانت أم بصرية، أو لغوية، أو تعاملية، على أن يظهر ذلك في سلوكياته وتعاملاته مع الناس والأغراض.

20-                   يميز بين ما يمكن تفسيره على أساس من العلم والعقل، وما لا يمكن قبوله إلا على أساس الإيمان (كالغيبيات مثلاً).

 

مصادر ثقافة الأطفال:

لكي يحقق الآباء والمربون أهداف ثقافة الأطفال لابدّ من توفير مصادر للتثقيف، ولثقافة الطفل مصادر يحسن في هذا السياق أن أتناولها، وفيما يلي بيان ذلك:

 

أوّلاً: المسجد:

المساجد بيوت الله التي تتنزل فيها رحماته وسكينته وملائكته، وهي إشعاع نوره في الأرض، ومن ثَمَّ فهي خير البقاع، ومهوى أفئدة المؤمنين، وفيها يكتسب الطفل قيماً لا يكتسبها من غير المسجد، ففيه يجد المظهر العملي لوحدة الأمة الإسلامية، وتوحيد ربها، والمساواة.

ولقد كان المسجد في العصر الإسلامي هو المعهد، والمدرسة، ومجلس الشورى، ومواضع عقد الرايات، وتجهيز الجيوش، وإدارة شؤون الدولة.

وإذا كانت الأُمّة تعيش صحوة إسلامية.. فإنّ إنعاش هذه الصحوة لن يتم إلا بإعادة أدوار المسجد إليه، وخاصة بعد تطور الحياة، وكثرة ضغوطها، وانشغال الآباء والأُمّهات بأمور كثيرة، أضعف ثقافتهم ومهاراتهم التربوية، وغياب الدور التربوي للمدرسة والأسرة.

 

الخبرات الثقافية المسجدية:

ثمة خبرات ثقافية كثيرة لازمة وواجبة للطفل، وينطق واقع مدارسنا بالتخلي عنها، أو الضعف في تحقيقها، ومن ثمّ لم يعد بُدٌّ – إن نحن أردنا إكسابها لأطفالنا – إلا عن طريق المسجد. ومن أهم هذه الخبرات، تلاوة القرآن الكريم، وكيفية أداء الصلاة، والإجابة عن بعض الأسئلة التي تثيرها عقول الأطفال.. كما يتعلم أطفالنا في المدرسة بعض أمور دينهم، لكنهم لن يجدوا فرصة لممارستها إلا في المسجد.

 

واجب الآباء والأُمّهات:

على ضوء ما سبق يجب على ولي الأمر أن يدفع بطفله إلى المسجد، ليمارس الوضوء عملياً بعد أن يتعلمه، وكذلك أداء الصلاة، وليحرص ولي الأمر على أن يعيش طفله في أحضان المسجد، ويستنشق عبير الإيمان منه، وخاصة تلك المساجد التي تهتم بتربية الأطفال والشباب والزهرات، وتهيئ لهم الأنشطة النافعة المناسبة، على أن يراعي أولياء الأمور في ذلك ترغيب الطفل لا إجباره، واستخدام الثواب قبل العقاب، مراعين أنّ العقاب لا يعني الضرب، فإنّ له وسائل متعددة ومتنوعة، فقد يتحقق بنظرة، أو بكلمة، أو بحرمان من مصروف أو مكافأة.. إلخ، فمن الخطأ أن يُجبر الطفل – وخاصة قبل سن العاشرة – على أنشطة المسجد والمكوث فيه، ولكن يستخدم لتحقيق ذلك وسائل الترغيب والدوافع والحوافز، وخاصة التهيئة الوجدانية، لأنّ الأطفال بطبيعتهم عاطفيون.

 

ثانياً: الأسرة:

الأسرة هي المؤسسة الأولى لتربية الطفل، ففيها يولد وينشأ، ويحاط بالرعاية، ويُشكل ويوجه، وتتكون عاداته وميوله واتجاهاته.

 

أهمية الثقافة الأسرية:

والطفل يتأثر بالثقافة التي يعيشها داخل الأسرة، لأنّه قبل دخول المدرسة يعيش فترة مهمة من مرحلة حب الاستطلاع والاكتشاف وكثرة السؤال، ومن ثمّ يكتسب أصول التفكير والتعبير بالأسرة، ولهذه الخبرات الباكرة أهمية كبرى في حياته، وتأثير قوي في شخصيته.

كما أنّ للوالدين تأثيراً كبيراً في إكساب الطفل حب القراءة والكتب، ويبدأ ذلك منذ العام الأوّل لميلاد الطفل، وذلك بتوفير القصص والكتب الملونة بألوان جذابة للطفل، ليقرأ معه الوالدان الصور، فتنشأ بينه وبين الكتب علاقة صداقة منذ نعومة أظفاره.

 

أدوار الآباء والاُمّهات:

ينبغي لولي الأمر أن يخصص وقتاً ثابتاً لأطفاله، يتابع فيه دراستهم، وقراءاتهم الحرة، ومشاهداتهم، ويساعدهم على فهم ما درسوه وتعلموه، وكيف يستخدمونه في الحياة، فعلى سبيل المثال عندما يتعلم الطفل العمليات الحسابية (مثل: العدّ، والجمع، والطرح، والضرب، والقسمة)، فإنّ على ولي الأمر أن يدرب أطفاله على ممارسة هذه العمليات في الحياة، كالشراء والبيع مثلاً.

ومن المهارات التي يجب على ولي الأمر أن يكسبها لأولاده مهارات الاستماع والتحدث وآداب ذلك، لحسن الإنصات للمتحدث، وخفض الصوت، والاقتصاد في التحدث، والتأني، وتحديد الأفكار قبل التحدث، وتجنب مقاطعة الآخرين، واحترام وجهات نظرهم.

كما يجب على أولياء الأمور إكساب أولادهم مهارات أنماط التعلم الحديثة، كالتعلم الذاتي، والتعلم السريع، والتعلم عن بعد، وأن يشجعوا أولادهم على عرض أسئلتهم، وأن يهتموا بالإجابة على هذه الأسئلة.

 

ثالثاً: الصحف والمجلات:

من مصادر ثقافة الأطفال الصحافة التي يكتبها الكبار، والصحافة المدرسية.. فلصحافة الأطفال دورها البالغ في تنمية الطفولة عقلياً وعاطفياً، واجتماعياً، لأنّها أداة توجيه، وإعلام، وإمتاع، وتنمية للذوق الفني، وإشباع لخيالات الأطفال، وتنمية لميولهم القراىئية، وهي بذلك تمثل واحدة من أبرز أدوات تشكيل ثقافة الطفل في وقت أصبحت فيه الثقافة من أبرز الخصائص التي تميز فرداً عن آخر، وشعباً عن شعب.

 

دور أولياء الأمور:

ينبغي لأولياء الأمور أن يدربوا أولادهم على قراءة الصحف والمجلات، ويشاركوهم القراءة ويرغبوهم فيها، وأن ينوّع الآباء في المجلات التي يوفرونها لأولادهم، فهناك الصحف والمجلات الدينية، والرياضية، والسياسية، والإخبارية، ومجلات وصحف العلوم، والفنون والأدب، وثمّة صحف ومجلات تُعنى بالبنات، وخاصة في مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة، وهناك مجلات للمكفوفين تعتمد على الحروف البارزة، وثمة مجلات أخرى للصُّم.

 

رابعاً: برامج الأطفال الإذاعية والتلفازية:

تعتمد هذه البرامج الإذاعية على السمع.. والشكل القصصي هو أفضل الأساليب للاتصال الثقافي بالأطفال عبر الإذاعة، سواء أكانت القصة مروية، أم ممثّلة، أو في شكل حوار مثير قصير.

ومن هذه البرامج أيضاً تقديم الأخبار، والمعلومات، وغير ذلك من البرامج، ومن المهم اعتماد هذه البرامج على المؤثرات الصوتية وجاذبية الحوار، بحيث يتاح للطفل أن يفكر، ويتخيل، وأن تراعي هذه البرامج طبيعة الأطفال في مراحل نموهم المختلفة.

أما البرامج التلفازية فهي غاية في الأهمية والخطورة بالنسبة للأطفال، لأنّ الأطفال يقضون فترات طويلة أمام التلفاز، وخاصة الأطفال الذين لم يتعلموا القراءة والكتابة، وذلك بسبب اعتماد التلفاز على السمع والبصر في آن واحد، ولما لديه من قدرة على جذب انتباه الأطفال من خلال المشاهد التي يبثها، وإثارة خيال الأطفال.

 

دور أولياء الأمور تجاه البرامج الإذاعة والتلفازية:

على أولياء الأمور أن ينتبهوا إلى خطورة هذه البرامج وأهميتها، فقد أكد كثير من الدراسات التربوية شغف الأطفال بهذه البرامج، وجلوسهم معظم أوقاتهم أمام شاشات التلفاز خاصة، وخاصة في ظل انشغال الوالدَيْن، وخلوهما إلى الراحة من صخب أولادهم بتركهم للتلفاز، ناهيك عن الأفلام الكرتونية وغيرها التي نقلت عدوى العنف اللفظي والسلوكي للأطفال.

ولمواجهة هذا الخطر يقع على عاتق الآباء والمربين توفير البرامج الإذاعية والتلفازية والإيجابية لتحل محل البرامج السلبية، شريطة أن توفِّر هذه البرامج الإيجابية الثقافة اللازمة للأطفال، وتكون جذابة مشوقة مثيرة، كما ينبغي للآباء أن يناقشوا أولادهم، في إيجابيات هذه البرامج وسلبياتها، ليزودوا أولادهم بالقدرة على إبداء الرأي، وتميز الجيد من الرديء في مثل هذه البرامج.

* أستاذ المناهج وأساليب التربية الإسلامية المساعد

  المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1956 لسنة 2011م

ارسال التعليق

Top