• ٥ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حقيقة الأجل لغة واصطلاحاً(term)

صاحب محمد حسين نصار

حقيقة الأجل لغة واصطلاحاً(term)

- الأجل لغةً:
هو مدّة الشيء، أي هو مدّة لأمر ما، ففي القاموس المحيط: "الأجل غاية الوقت في الموت، وحلول الدّين، ومدّة الشيء، (وجمعه آجال)، والتأجيل تحديد الأجل، واستأجلته فأجّلني إلى مدّة".
وورد في هذا المعنى في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ...) (البقرة/ 235).
وقد وردت كلمة (الأجل) في كتاب الله العزيز – في آيات كثيرة، وفي صيغ مختلفة بألفاظ متقاربة، تؤدّي معنى المدّة والزمن – في ستٍ وخمسين آية.
وفي لسان العرب: "الأجل: غاية الوقت في الموت، وحلول الدَين ونحوه، وأجّل الشيء بأجَلٍ وأجيل: تأخّر، وهو نقيض العاجل، والأجيل: المؤجّل إلى وقت".
وفي المصباح المنير: "أجل الشيء: مدّته ووقته الذي يحلّ فيه، وهو مصدر أجل الشيء أجلاً من باب تعب، وأجّلته تأجيلاً جعلت له أجلاً، و(الآجل) على فاعل خلاف العاجل" فإنّها استُخدمت في المجالات اللغوية، واستُعملت في أكثر الأبواب الفقهية، حيث إنّها جاءت في صورٍ عدّة، منها: أجل الموت كمدّة عمر الإنسان، ولتحديد زمن حركة الكواكب وضبطها كالشمس والقمر.
وكذلك في مصاديق متنوّعة، منها: المدّة المعيّنة لاتّفاق الطرفين الدائن والمدين لاستحقاق الدَين لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ...) (البقرة/ 282).
وكذلك جاءت بمعنى المدّة المعلومة للعمل، كما في الإجازة التي وقعت بين نبيّ الله شعيب وموسى (ع) كشرط لتنجيز وقوع المشروط، وهو تزوج موسى (ع) إحدى بنات شعيب (ع) لقوله تعالى: (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ...) (القصص/ 28).
وجاء معنى الأجل في تحديد عدّة المتوفّى عنها زوجها، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة/ 234).
وكذلك بيان مدّة عدّة الحامل، قال تعالى: (.. وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ...) (الطلاق/ 4)، وغيرها من المسائل التي ترتبط بالمدّة والزمن.
ومن المعلوم أنّ هناك جملة من الآيات توضّح مفهوم الأجل، إلّا أنّها لم تذكره صراحة، كما في قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ...) (البقرة/ 228)، والقُرء سواء أكان بمعنى الحيض أم بمعنى الطهر أو بمعناهما، يختلف عند النساء حسب طبيعة تكوينهنّ، أو صحّتهنّ، أو غير ذلك.

- ثانياً: الأجل في الاصطلاح الشرعي:
على الرغم من مراجعة المصادر الفقهية لدى علماء المسلمين للاطلاع على تعريف جامع مانع للأجل إلّا أنّني لم أجد تعريفاً يفي بالمفهوم الفقهي ليعدّ أساساً لبناء منهجي، بل وجدت في مراجع فقهية أنّ موضوع الأجل قد دُرس وحُلّل تحليلاً كاملاً، من قِبل فقهاء المسلمين بكلّ جوانبه، في أحكام العبادات والمعاملات وأحكام الأُسرة والإجراءات القضائية، ونرى ذلك واضحاً حينما تصدّى علماء المسلمين من المفسّرين والمحدّثين والفقهاء والأُصوليين لدراسة القرآن العظيم، متمثلاً بالآيات التي تخصّ الأجل، وكذلك الأحاديث الشريفة التي لها صلة بالأجل، فنراهم قد أفردوا لها أبواباً خاصّة وعناوين واضحة. فتعرّض المفسّرون لجميع ألفاظه، وفسّروا المعاني التي تحوم حوله، ودُرس الشرط وصلته بالأجل وأهمّ الفروق بينهما، أمّا فقهاء المسلمين – وأخصّ بالذكر منهم أوائل الفقهاء من جميع المذاهب الإسلامية؛ لمَا لهم من الجهود العظيمة التي بذلوها في سبيل الإلمام بما يفي بحاجات المسلمين العملية، وإيجاد أفضل السبل لحلّ الإشكالات المطروحة في المسائل الفقهية – فقد وجدتهم من خلال استعمالهم مصطلح (الأجل) لا يخرجون عن بعض الاستعمالات اللغوية، فإنّه – أي الأجل – يدور في اصطلاحاتهم بمعنى المدّة، وبمعنى بداية الوقت ونهايته، وبمعنى الحلول، واستعملوا كلمة التأجيل أيضاً بالمعنى اللغوي، وقد تمخّض ممّا تقدم الكثير من المحاولات العلمية ومن أهمّها:
أنّ الأجل مدّة، وأنّه مدّة مستقبلية مضافاً إليها أمر من الأُمور.
فالأجل والمدّة والوقت والحلول كلّها مصطلحات زمنية، وردت في القرآن الكريم وفي السنّة الشريفة وفي أقوال الفقهاء؛ لأنّ الزمن من حيث إنّه جُعل ظرفاً لأمرٍ أو حكمٍ يسمّى (وقتاً) ولنهاية المدّة الزمنية يسمّى (أجلاً).
فقد ورد بمعنى الوقت، أي هو الزمان الذي جعله الشارع ظرفاً لأمرٍ من الأُمور الشرعية، كالزمن المخصّص لأداء الصلوات الخمس المفروضة على الإنسان، والزمان المخصّص لأداء الحجّ والصيام، كما في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...) (البقرة/ 189).
1- فقد ورد في تفسيرها في كتاب التبيان بأنّ: "الميقات: هو مقدار من الزمان جعل علماً لمَا يُقدّر من العمل، ومنه قوله تعالى: (إلى يَومِ الوَقْتِ المَعْلُومِ) (الحجر/ 38)، والتوقيت تقدير الوقت، وقوله تعالى: (.. إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء/ 103).
2- ومنها الفترة الزمنية المحدّدة بين بداية الشيء ونهايته، كما في قوله تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ...) (البقرة/ 184)، فقد أوضح الطبرسي بشأن الأجل في هذه الآية منا نصّه: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) أي معلومات محصورات مضبوطات، كما يقال أعطيت مالاً معدوداً أي محصوراً متعيّناً، ويجوز أن يريد بقوله معدودات أنّها قلائل، كما قال سبحانه: (دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) يريد أنّها قليلة، واختلفت في هذه الأيام"، وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (الأنعام/ 2)، (ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) فالأجل الأوّل يعني المدّة الزمنية المحدّدة عند الله، والثاني هو الأجل بمعنى الغاية والنهاية لتلك المدّة الزمنية المعلومة عند الله.
ففي تفسير هذه الآية أقوال: أوّلها إنّ المراد بالأجل الأوّل أجل حياة الإنسان إلى الموت، أي المدّة الزمنية التي يعيش فيها، والتي تكون بدايتها خلقه ونهايتها موته، وإنّ المراد بالأجل الثاني الموت إلى البعث وقيام الساعة، أي المدّة الواقعة بين الموت والبعث. وثانيها: إنّ المراد بالأجل الأوّل الأجل الذي يحيى به أهل الدنيا إلى موتهم، والمراد بـ(أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) يعني الآخرة؛ لأنّه أجل دائم ممدود لا آخر له، وإنّما قال مسمّى عنده؛ لأنّه مكتوب في اللوح المحفوظ. وثالثها: إنّ المراد بالأجل الأوّل أجل مضى مَن الخلق، والمراد بالثاني آجال الباقين.
والأصل في الأجل هو الوقت، فأجل الحياة هو الوقت الذي تكون فيه الحياة، وأجل الموت أو القتل هو الوقت الذي يحدث فيه الموت أو القتل، وما يعلم الله تعالى أنّ المكلّف يعيش إليه لو لم يقتل لا يسمّى أجلاً حقيقة، ويجوز أن يسمّى ذلك مجازاً.
3- ومنها الحلول نهاية المدّة الزمنية المحدّدة، سواء أكان مصدر الأجل هو الشرع، أم إرادة الإنسان، وقد ورد بهذا في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف/ 34).
وقوله تعالى: (.. وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى...) (الحج/ 5).
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ...) (البقرة/ 282).
وقد عرّف الدكتور عبدالناصر بقوله: "الأجل هو مدّة مستقبلية لأمر محقّق الوقوع، يضاف تنفيذه إلى انقضائها، أو يتوقّف هذا التنفيذ بمداها".
وورد تعريفه أيضاً في الموسوعة الفقهية: "الأجل هو المدّة المستقبلية التي يضاف إليها أمرٍ من الأمور، سواء كانت هذه الإضافة أجلاً للوفاء بالتزام، أو أجلاً لإنهاء الالتزام، وسواء أكانت هذه المدّة المقرّرة بالشرع أو بالقضاء، أو بإرادة الملتزم فرداً أو أكثر".
وهو الأفضل في تعريف الأجل.
المصدر: كتاب الأجل في الفقه الإسلامي

ارسال التعليق

Top