• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رعاية الطفل في التشريع الإسلامي

علي الشرقي

رعاية الطفل في التشريع الإسلامي
 ◄لكل بناء قاعدة وأساس، وبقدر ما يكون الأساس قوياً يكون البناء كذلك. ولا شكّ أنّ (الطفل) هو الأساس في هيكل الأُمّة.. فما هو موقعه في التشريع الإسلامي؟   أوّلاً: الطفولة أساس البناء الإنساني من المقطوع به أنّ حياة الإنسان تتكون من مراحل يعقب بعضها بعضاً، والطفولة هي أولى تلك المراحل، وعلى أساسها تبنى حياة الإنسان، وتتشكل شخصيته، ويكون عطاؤه في حاضره ومستقبله.   ثانياً: الطفل والطفولة في القرآن الكريم ونظراً لما للطفل والطفولة من أهمية، فقد أولاهما الإسلام عنايته القصوى، ويتضح ذلك من خلال بعض النصوص القرآنية الدالة على هذا الاهتمام. ففي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (غافر/ 67)، إشارة واضحة إلى أنّ (الطفولة) هي أساس بقية المراحل الإنسانية. كما نلاحظ ذلك جلياً في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا...) (الحج/ 5)، حيث تبين لنا الآية الكريمة أنّ الإنسان يخرج إلى الحياة (طفلاً) ضعيفاً من النواحي النفسية والعقلية والجسمية، ثمّ تتكامل قواه وتتزايد شيئاً فشيئاً حتى الشباب، ومن الناس من يُتوفى قبل ذلك ومنهم من يعيش طويلاً حتى يتعرض للهرم والخرف وضعف الجسم والعقل، ولا علاج يجدي أو دواء يغني. وهناك آيات قرآنية أخرى ورد فيها ذكر (الطفل) و(الأطفال) كما في الآيتين 31 و59 من سورة النور.   ثالثاً: الأبناء.. ومكانتهم في الدعاء لقد حرص الإسلام أشد الحرص على أن ينشأ الأبناء أصحاء أقوياء من النواحي البدنية والخلقية والنفسية، لأنّهم دعامة الأُمّة والأساس الذي يقوم عليه كيانها. نلحظ ذلك في دعاء الإمام زين العابدين (ع) لأولاده، وهو الدعاء الذي يجدر بكل أبوين أن يدعوا به لأبنائهما ليكونوا قرة عين لهما، ولبنات صالحة في صرح الأُمّة: "اللّهمّ ومنَّ عليَّ ببقاء وُلدي وبإصلاحهم لي وبإمتاعي بهم، اللّهمّ امدد لي في أعمارهم وزد لي في أجالهم، وربِّ لي صغيرهم وقوِّ لي ضعيفهم، وأصحَّ لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم، وعافهم في أنفسهم وفي جوارحهم وفي كل ما عنيت به من أمرهم".   رابعاً: الأبناء ومكانتهم في الشعر العربي هذا هو أحد شعراء العرب يوضح لنا الصلة الروحية بين الأبناء وآبائهم وأُمّهاتهم قائلاً: وإنما أولادنا بيننا *** أكبادنا تمشي على الأرض لو هبت الريح على بعضهم *** لامتنعت عيني من الغمض وهذا شاعر يوصي الأبناء بطاعة الله سبحانه وطاعة الوالدين، رجاء حصول الأبناء على التوفيق في الحياة والمثوبة في الدار الآخرة: أطع الإله كما أمر *** واملأ فؤادك بالحذر وأطع أباك لأنه *** رباك من عهد الصغر واخضع لأُمّك وارضها *** فعقوقها إحدى الكبر أما هذا الشاعر فيوجه الأبناء إلى آيات الكون الدالة على قدرة الخالق جلّ وعلا، كي يعمق في نفوسهم الإيمان بهذا الخالق القدير: اذكر الآية إذ أنت جنين *** لك في الظلمة للنور حنين كان في جنبك شيء من علق *** حين مسته يد الله خفق صار حياً وحياة بعدما *** كان في الأضلاع لحماً ودما وهكذا ساهم الشعر العربي والإسلامي في تنشئة الأبناء على أساس من القيم الدينية والروحية التي تقربهم إلى الله وتحكم سلوكياتهم وتصرفاتهم.   خامساً: الوراثة عامل مؤثر في الأبناء معلوم أنّ الوراثة هي أوّل العوامل المؤثرة في الطفل، وقد اكتشفها الإسلام قبل أن يكتشفها علماء النفس والوراثة، ودلل على كثير من آثارها ومميزاتها وتأثيرها في الطفل منذ بداية تكوينه، يتضح ذلك من قول الرسول الأكرم (ص): "الشقي شقي في بطن أُمّه، والسعيد سعيد في بطن أُمّه"، ومعنى الحديث أنّ العوامل الوراثية تمنح الطفل وهو في بطن أُمّه إما السعادة إن توفرت في آبائه الصفات الفاضلة، أو الشقاء إن كانت طباعهم شريرة وغير مستقيمة. وحتى الصفات العارضة تنتقل بالوراثة إلى الأبناء، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك على لسان نبي الله نوح (ع) حين قال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا) (نوح/ 26-27).   سادساً: حُسن اختيار الزوجين صيانة للأبناء ونظراً لما للوراثة من أثر كبير في تكوين الأبناء، فقد حث الإسلام من يريد الزواج لأن يتعرف على أحوال المرأة ويبحث عن شؤونها وشؤون أسرتها، حذراً من أن يكونوا مصابين ببعض الأمراض النفسية وغيرها فتسري إلى الأبناء. وقد أكّد الرَّسول (ص) على ضرورة ذلك حين قام خطيباً فقال: "أيُّها الناس: إيّاكم وخضراء الدمن"، فقيل له: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ فقال: "المرأة الحسناء في المنبت السوء". وقال أيضاً: "اختاروا لنطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين". وقال (ص): "تخيروا لنطفكم فإنّ العرق دساس". أما الإمام جعفر الصادق (ع) فقد قال: "إنما المرأة قلادة فانظر ما تتقلد". كما روى الصادق عن جده أمير المؤمنين (ع) قوله: "إيّاكم وتزويج الحمقاء فإن صحبتها بلاء وولدها ضياع". وكذلك حذَّر الإسلام من الزواج بالمرأة المجنونة لئلا ينتشر في المجتمع المصابون بالشذوذ والعاهات، فقد روي عن أبي جعفر الباقر (ع) أنّ بعض أصحابه سألوه عن الرجل تعجبه المرأة الحسناء أيصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة قال: لا. وبالمقابل فإنّ الإسلام أكَّد على المرأة أن تتعرف على حال الرجل الذي تريد أن يكون لها شريكاً في حياتها، حذراً من أن يكون مصاباً في سلوكه، وتقع مسؤولية الفحص على ولي أمرها. وقد حذَّر الإسلام من تزويج شارب الخمر. روى الإمام الصادق (ع) عن رسول الله (ص) أنّه قال: "شارب الخمر لا يزوَّج إذا خطب" وقال أبو عبدالله الإمام الصادق (ع): "من زوَّج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها". وقد ثبت في الطب الحديث أنّ تأثير المسكر ينتقل بالوراثة إلى الأبناء. قال الدكتور (برجونوس): "أمّا الخمرة فالإدمان عليها من مسببات العقم". وقال الدكتور (رمانيوس دنكان): "إنّ من يولد من أبوين مدمنين فإنّه يحمل آثار الضعف البنيوي ويكون عرضة للإصابة باضطرابات خطيرة قد تنتهي بالعته أو الشلل العام أو العقم". ويقول علماء النفس: "إنّ المدمن على شرب الخمر مصاب بسوء التكيف النفسي وإنّه ضعيف الشخصية، كما أنّ المرأة التي تشرب الخمر تصبح قابلة للفجور، وكذلك الحال بالنسبة للرجال". كما كره الإسلام أيضاً أن تتزوّج المرأة بشخص سيِّء الخلق، لئلا يسري ذلك إلى أبنائها منه، فقد روى بشّار الواسطي قال: "كتبت إلى أبي الحسن الإمام الرضا (ع): إنّ لي قرابة وقد خطب إليَّ وفي خلقه سوء. قال: لا تزوجه إذا كان سيء الخُلق". إلى غير ذلك من الأخبار التي تحث المرأة والرجل على التعرُّف على حال بعضهما، خوفاً من إنجاب أبناء غير صالحين فيما إذا كان أحد الطرفين غير صالح في نفسه وأسرته. وزيادة في الاحتياط لسلامة الأبناء، فقد شرع الإسلام آداباً للمعاشرة الزوجية، وحدد أوقاتاً، وذكر أدعية خاصة، كل ذلك حرصاً منه على أن يتمتع الناشئة بالصحة الجسمية والعقلية والنفسية، بالمستوى الذي يؤهلهم لمسؤولياتهم المستقبلية.. كما يتضح ذلك من خلال الدعاء التالي: "بسم الله وبالله. اللّهمّ جنِّبي الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتني"، والدعاء الآتي: "بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السماوات والأرض. اللّهمّ إن قضيت مني في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً ولا حظاً، واجعله مؤمناً مخلصاً مصفى من الشيطان ورجزه، جلّ ثناؤك".   سابعاً: الأسرة.. المؤثِّر الثاني في الأبناء تلعب الأسرة دوراً أساسياً في بناء شخصية الطفل وإكسابه العادات التي تلازمه طول حياته، فهي البيئة الأولى التي تؤثِّر في تكوينه السلوكي من خلال تقليده لأبويه وأفراد أسرته في عاداتهم وأنماط سلوكهم وتصرفاتهم، ومنها يتعلم اللغة ويكتسب بعض القيم والاتجاهات وقواعد الآداب والأخلاق، ولهذا فإنّ الأسرة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن نشأة أطفالها نشأة سليمة متسمة بالاتزان والبُعْد عن الانحراف، ويتم ذلك عن طريق: 1-    إشاعة الاستقرار والودّ والطمأنينة في البيت، والبُعْد عن جميع ألوان العُنْف والكراهية، حيث إنّ انعدام هذه العناصر مما يؤدِّي إلى انحراف الأطفال، ويعودهم على الإجرام في كبرهم. 2-    الإشراف المباشر من قِبَل الأسرة على تربية أبنائها عن طريق مصاحبتهم ورقابتهم، حيث يرى المربون أنّ أفضل ما يقدمه الأب لأطفاله هو بضع دقائق من وقته كل يوم، وما هو مطلوب من الأب في هذا المجال مطلوب كذلك من الأُم حتى لا ينشأ الابن – وكذلك البنت – يتيمين بالمعنى الحقيقي لليتم. 3-    عدم اعتماد الأسرة في تدبير شؤونها ورعاية أبنائها على (الخادمات) أو اللاتي يسمين – مجازاً – (مربيات) لما في ذلك من خطورة على الأبناء تبينها النتائج التالية: أ‌-      تشير بعض الدراسات الميدانية التي أجريت في دول الخليج إلى أن أغلب (المربيات) 68.4% تقل أعمارهنّ عن عشرين عاماً. وليس لديهنّ دراية كافية بتربية الأطفال أو تدبير الشؤون المنزلية، وأن نسبة كبيرة منهنّ 42.4% لم يسبق لهنّ الزواج، وبالتالي فهنّ غير مدبرات في مجال تربية الأطفال وتنشئتهم والتعامل معهم، أما اللاتي سبق لهنّ الزواج والإنجاب، فإنّ وجودهنّ بعيداً عن أزواجهنّ وأطفالهنّ ربّما ينعكس سلبياً على حالتهنّ النفسية والصحية والسلوكية، وبالتالي على مستوى أدائهنّ لواجباتهنّ، بل إنّ نتائج بعض هذه الدراسات تقول: إنّ أكثر من نصف العاملات الأجنبيات (مربيات وخادمات) لم يكن يعملن في بلادهنّ الأصلية العمل نفسه الذي يقمن به حالياً، وبالإضافة إلى أنّ حوالي ثلث المربيات أميات، والثلثين الآخرين ينتميان إلى مستويات تعليمية هابطة، قد تزود الأطفال بمعلومات وأفكار خاطئة. ب‌- وتدل النتائج البحثية بصفة عامة على أنّ حوالي 60 إلى 75% من المربيات غير مسلمات، ومنهنّ نسبة كبيرة تنتمي إلى ديانات غير سماوية، تعبد وتقدس الأوثان أو الأبقار وما إلى ذلك، كما أوضحت الدراسات الميدانية أنّ غالبية الخادمات والمربيات (97.5%) يمارسن الواجبات الدينية طبقاً لعقائدهنّ ودياناتهنّ المسيحية أو البوذية أو الهندوسية، وهؤلاء يعتبرن قدوة خطيرة أمام النشء المسلم من أطفال الأسرة الخليجية أو غيرها. والجدير بالذكر أنّه قد تبيّن من نتائج الدراسة الميدانية التي أجريت في دول الخليج أنّ المعتقدات الدينية للمربيّات الأجنبيات يمكن ترتيبها على الوجه التالي: المسيحية، فالبوذية، والهندوسية، ثمّ أخيراً الإسلامية، مما يترتب عليه آثار سلبية بالنسبة للجانب الديني من حياة الطفل، وذلك لكون عمل المربية وثيق الصلة بالطفل، واحتكاكها به قوي، وينعكس ذلك على التمسك بأداء الشعائر الدينية واحترام القيم الإسلامية، وهو مما يتنافى مع أهداف التربية الإسلامية للطفل. ت‌- لقد أظهرت نتائج الدراسات الميدانية في بعض دول الخليج أنّ المربيات يمارسن أعمالاً تتصل بتنشئة الأطفال، مما يقلص دور الأبوين تدريجياً، ويترتب على ذلك انعكاسات على نظرة الأطفال إلى آبائهم، وتقاسم الولاء بين الآباء والمربيات. ث‌- استخلص البحث الميداني في البحرين أنّ ظاهرة استخدام المربيات الأجنبيات، تميل إلى الانتشار الأكثر بين الأسر التي لديها أكثر من طفل واحد، تقل أعمارهم عن ست سنوات. ومن هذا يتبين انّ الوجود الغالب للمربية الأجنبية يأتي متلازماً مع الفترة العمْرية الحاسمة في حياة الطفل العربي المسلم، وهي فترة السنوات الستّ الأولى، التي ترسى خلالها دعائم بناء شخصيته، وتتم في غضونها أخطر مراحل التنشئة الاجتماعية، وهي التنشئة الاجتماعية الأوّلية التي تتم داخل الأسرة. 4-    إنّ من واجبات الآباء والأُمّهات تجاه أبنائهم وبناتهم تطبيق ما يلي: أ‌-      اتفاق الوالدين في أساليب التربية وعدم التناقض فيما يتخذ من قرارات نحو أبنائهما. ب‌- التوسُّط بين الشدِّة واللِّين في معاملة الأبوين لأبنائهما، لأنّ الأبناء في حاجة إلى أبوين يتمتعان بقوة الشخصية، على أن لا يصل ذلك إلى حدّ القسوة والعُنْف، ولا إلى التدليل المفرط الذي يفسد أكثر مما يصلح. هذه بعض الأمور التي يجب على الأسرة رعايتها والاهتمام بها، فإنّ وفق الآباء والأُمّهات إلى القيام بها تحققت التربية الصالحة التي تنتج أطفالاً يكونون عزاً لآبائهم وذخيرة لأُمّتهم.   ثامناً: المجتمع أو (البيئة) المؤثر الثالث في الأبناء تعتبر البيئة الاجتماعية من أعظم المؤثّرات في تربية الطفل، لأنّه يقلدها تقليداً غير شعوري، فإنّ حسنت البيئة حسنت آثارها، وإن كانت ملوّثة بالانحراف أصيب الطفل بعاهاتها وآفاتها. ولهذا اهتم الإسلام بالبيئة اهتماماً بالغاً لما لها من أثر فعّال في تكوين الأفراد، فإذا صلحت البيئة أمدت الأُمّة بخير الرجال وخير النساء، وإذا فسدت أخرجت للأُمّة جماعات الأشرار الذين يفسدون المجتمع بأسره. ومما لا شكّ فيه أنّ من عناصر البيئة (الصداقة)، لأنّها من أقوى العوامل التربوية التي تنقل خلق كل واحد واتجاهاته وميوله للآخر كما يقول الشاعر العربي: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن مقتدِ وقد حثّ الإسلام على مصاحبة الأخيار وذوي الشرف والاستقامة، حتى يُكتسب منهم حسن السلوك ومكارم الأخلاق، ويتضح ذلك من وصية العظيم الإمام علي ابن أبي طالب (ع) لولده الإمام الحسن (ع): "يا بني، إيّاك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرك، وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنّه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإيّاك ومصاحبة الفاجر فإنّه يبيعك بالتافه، وإيّاك ومصاحبة الكذّاب فإنّه كالسراب يقرب إليك البعيد، ويبعد عنك القريب". وخلاصة القول: إنّ البيئة بأفرادها، وبوسائل إعلامها، وبجميع مرافقها، إذا اتسمت بالصلاح صارت من أهم عوامل صلاح واستقامة الأبناء، والعكس صحيح كذلك، إذا تسربت عوامل الهدم والتدمير إلى البيئة، فإنّ الصلاح يصبح معدوماً، والاستقرار مطلباً عسيراً، وربّما مستحيلاً.   تاسعاً: الخلاصة الأخيرة 1-    إنّ التشريع الإسلامي أولى الطفل عناية قصوى، وحدّد له حقوقاً تتعدّى حقوقه في الطعام والملبس والمسكن وما إلى ذلك. 2-    الدِّين الإسلامي هو أوّل من اكتشف (الوراثة) وتأثيراتها على الطفل، ولهذا جعل من أولى حقوق الولد حُسن اختيار أُمّه، وحُسن اختيار أبيه. 3-    الأُمّ هي المدرسة الأولى في بناء شخصية الطفل وإكسابه العادات. 4-    اعتبر الإسلام (الطفل) أمانة في عنق أبويه، وحمّلهما مسؤولية صلاحه وفساده، كما حمّل المجتمع المسلم هذه المسؤولية. 5-    من أهم حقوق الطفل في الإسلام حُسن تربيته وتنشئته على الفضيلة والخُلق الرفيع. 6-    من وسائل تربية الطفل التربية الصحيحة وجود القدوة الحسنة فكراً وقولاً وعملاً، في البيت والمدرسة والمجتمع وشدد الإسلام على حسن اختيار الأصدقاء والابتعاد عن الفاسدين منهم. 7-    ومن حقوق الولد أيضاً العمل على إشعاره بأنّه قطعة من أبويه وكذلك إشعاره بالحنان الأبوي المتمثل في النظرة والقبلة، وإبعاده عما حرَّمه الله كالمغصوب من الطعام أو نجس العين. (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان/ 74).   المصدر: مجلة نور الإسلام/العدد 33و34 لسنة 1413هـ

ارسال التعليق

Top