• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

طريق السعادة

اسرة

طريق السعادة

قال سبحانه في قرآنه الكريم (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) (البقرة/ 189).

ربّما يبدو هذا الأمر بسيطاً ويسيراً، ذلك أنّ كلّ إنسان يتمتع بقدر من الشعور والإدراك إذا ما أراد أن يدخل بناءً ما كأن يكون منزلاً أو دائرة فإنّه يدخل من خلال الباب ولا يعبر الجدار، وهذه القاعدة عامّة لا تنحصر بالمنزل أو الدائرة بل تتعدى ذلك لتشمل كلّ شؤون الحياة. فالحياة والسعادة تشبه بناءً مبنياً باللبن والطين وله أبواب، وعلى الإنسان أن يعرف تلك الأبواب أوّلاً ثمّ يعوّد نفسه عليها ثانياً أي يسلك الطريق المستقيم والسويّ لدخول الحياة ومن ثمّ البحث عن السعادة.

وهذه القاعدة العامّة في حياة البشر تحتاج إلى بصيرة لتشخيص السبل الصحيحة لدخول إلى دائرة الحياة لكي لا يبقى المرء خلف جدرانها عاطلاً حيراناً.

إنّ العديد من الناس يقضون أعمارهم خلف الجدران بمنأى عن السعادة مردّدين: "لم نفهم شيئاً من الحياة، إنّها حياة بلا معنى" وهؤلاء يقضون حياتهم حيارى ضائعين وقد تتعاظم حيرتهم فتتحول إلى نوع من التشاؤم والحساسية ومن ثمّ الغرور فإذا بهم يدّعون اكتشاف حقيقة الحياة وزيفها ووهم السعادة وخيالها مؤكّدين أصالة الألم والشقاء، ولأنّ الآخرين لا يتمتّعون برهافة حسّهم، فإنّهم لا يدركون هذه الحقيقة!.

إنّ هؤلاء أنفسهم لا يدرون انعدام الرؤية لديهم وبقاءهم خلف جدران الحياة وقد قضوا أعمارهم دون أن يعثروا على باب يمكنهم من الدخول.

لقد تصوروا أوّل حفرة صادفتهم طريقاً وعلى أساس هذا التصور الخاطىء كانوا ينأون عن الطريق الصحيح يوماً بعد آخر فإذا هم يقضون عمرهم في الحفر المظلمة، وعلى حد تعبير أحد العلماء: لقد هيأوا أنفسهم للإحساس بالألم والشقاء فإذا بهم يصرخون ويتألمون لأقل شيء يصيبهم وقد تبلّدت أحاسيسهم تجاه أسباب السعادة.

قال سبحان: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97).

وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ القرآن الكريم في هذه الآية المباركة لا يعتبر الكفار والمسيئين أحياءً، ذلك أنّ شرط الحياة الحقيقية والشعور بالسعادة هو الإيمان، وعندها يدرك المرء أنّ الحياة حافلة بالمعاني زاخرة بالسعادة، فإذا هم يعيشون أوقاتهم دون ألم وشقاء وعذاب.

لقد أوضح الأنبياء طريق الحياة وبعبارة أخرى أشاروا إلى الباب الذي ينفتح على الحياة الحقيقية والسعادة.

لقد جاؤوا ليعلّموا الإنسان بأنّ الكذب والخيانة وعبادة الذات والمصالح الشخصية والأحقاد الدفينة ليست طرقاً للوصول إلى السعادة والطمأنينة، إنّ طريق السعادة هو الصدق والاستقامة والإحسان والأخلاق الحسنة، وعمل الخير والعطف، إنّ الإيمان بالغيب ومن ثمّ الإحسان انطلاقاً من ذلك الإيمان هو وحده الذي يهب القلب الطمأنينة والشعور بالسعادة.

وقد ورد في الحديث الشريف: "إنّ الله جعل الروح والراحة في الرضا واليقين والهمّ والحزن في الشك والسخط".

واليقين هو الإيمان المتين والثابت بأنّ لهذا الكون مدبّر حكيم وأنّه أرسل الأنبياء مبشرين ومنذرين، وأنّه لا مفرّ من يوم الجزاء عاجلاً كان أم آجلاً، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، وأما الرضا فهو الطمأنينة والتسليم إلى حكم الله وفرائضه وأداء الواجبات.

يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء له: "اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وبلِّغ بإيماني أكمل الإيمان واجعل يقيني أفضل اليقين وانتهِ بنيتي إلى أحسن النيّات وبعملي إلى أحسن الأعمال".

وهذا منتهى السعادة التي ينشدها الإنسان: طمأنينة في الفكر، وطهارة في القلب، وإحسان في العمل، فالحياة الطاهرة هي الحياة السعيدة.

ارسال التعليق

Top