• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مصادرُ الشريعة ومناهج الفقه الإسلامي

السيد حسين نصر/ تعريب: داخل الحمداني

مصادرُ الشريعة ومناهج الفقه الإسلامي
◄إنّ القرآن هو أهمّ مصدر من مصادر الشريعة، وقد اعتبره بعضُ العلماء المصدر الأساس الوحيد، فيما جاءت المصادر الأخرى لتبيّن مفاهيمه وتبسط معانيه ومبادئه وأصوله.

يصل عدد آيات الأحكام، أو كما يُسمّيها الغرب (مجموعة القوانين) إلى ثلاثمائة وخمسين آية، يتعلق قسم منها بموضوعاتٍ خاصة بالحقوق والعقوبات على مخالفة الشرع والقانون، بينما يختصُّ القسم الأكبر منها بالأصول العبادية، مع الإشارة إلى جزئيات تلك الموارد في بعض الآيات، وتتعلّق جملةٌ من الآيات بالمسائل الاقتصادية والتجارية، وبكثير من مسائل العدالة والمساواة والأدلة القانونية والحقوق القضائية.

تحتلّ هذه الآيات مع بعضها البعض قسماً صغيراً من القرآن، إلّا أنّ أهميّتها غير خافية في أصول الفقه، وكيف كان، فإنّ أحكام القرآن لا يمكن الإحاطة بها بشكل كامل من دون الرجوع إلى السنّة الشريفة والأحاديث النبوية.

لقد أمرَ القرآنُ الكريم المسلمين بإقامة الصلاة، لكنه لم يذكر الكيفية، ولذلك لابدّ من التأسّي بالنبيّ ومتابعته في هذا الشأن، وعلى هذا تأتي السنّة الشريفة والأحاديث النبوية في المرتبة الثانية بعد القرآن كمصدر أساس من مصادر التشريع، ويتّفق السنة والشيّعة على ضرورة هذين المصدرين في الفقه الإسلامي.

وتوجَد مصادرُ أخرى للشريعة اختلَف فيها أصحاب المذاهب الإسلامية، منها القياس، ومعناه فقهياً تعميم القاعدة، وهو إثبات حكم لمسألة بعلّة، لثبوته في محلّ آخرَ بتلك العلّة، الاجماع أيضاً من جملة المصادر، ومعناه، عادةً، إتفاق العلماء وإجماعهم على مسألة فقهية ما، وقد أجمعت الأُمّة الإسلامية على مدى التاريخ على مواضيع خاصة، كمنع الرق وتحريمه، وتحليل التنباك، بمعنى تجويزه شرعاً بدلاً من منعه، قال الرسول (ص): "لا تجتمع أمتي على خطإ".

من المصادر الأخرى الاستحسان، وهو يختلف عن مفهوم المساواة والإنصاف في القوانين الغربية؛ لأنّه يندرج تحت مقولة الشريعة، بينما يندرج مفهوم الإنصاف والمساواة تحت مقولة الشريعة، بينما يندرج مفهوم الإنصاف والمساواة تحت مقولة الحقوق والقوانين الطبيعية، لكنّهما يتشابهان في كونهما مرتبطَين بموضوع الإنصاف والوجدان القانوني والحقوق.

والنقطة المهمة هنا، هي أنّ للشريعة نظرةً ورؤية مستقلّة عن الأعراف والقوانين الإنسانية، وما يُسمّى في المتون القديمة بـ(العرف، أو العادة) فإنّه معتبَر في نظر الشريعة بشرط عدم معارضته وتنافيه معها، وعلى هذا، فإنّ القوانين الإنسانية التي لم تُستلَّ من الشريعة الإلهية يمكن أن تكون مكمّلةً لنظام الإسلام الحقوقي شريطةَ عدم تعارضها مع ثوابت الشريعة، الأمر الذي شهدناه على امتداد التاريخ الإسلامي.

ويطلق الشرع على القوانين الإلهية، بينما يطلق القانون على القوانين الإنسانية.

وقد ظهر منهج جديد مفصّل من تلك المصادر التي التي ذكرناها (القرآن والسنّة) أفرز قواعدَ ونظرياتٍ تساعد في استنباط الأحكام الشرعية يُسمّى بـ(علم الأصول)، العلم الذي يحظى بأهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية.

واصطلاح الفقه، وإنْ كان يعني (الفهم أو المعرفة) أوّلاً، لكنّه أصبح في ما بعد يُطلَق على علم القانون المعادل لاصطلاح (IURISPRUDENTIA) الروماني.

ويتعلق موضوع أصول الفقه بمجموعة من القواعد والمناهج الاستنباطية التي يتفرّع عنها الكثير من الآراء القانونية والحقوقية، وعلى هذا، فإنّ للفقه معنى حقوقياً أكثر تخصصاً من الشريعة؛ لأنّ الشريعة تتعلق بمجموعة قوانين أخلاقية تشمل الإطار العامّ للحياة الدينية للمسلمين، أمّا الفقه في نظر المراجع القدامى فهو معرفة الأحكام والقواعد العملية للشريعة عن طريق الرجوع إلى مصادرها الدقيقة.

وكان للإمامين الخامس والسادس من أئمة الشيعة (الباقر والصادق – عليهما السلام – دور كبير في تأسيس الكثير من القواعد الفقه والأصول، وكذلك فإنّ الإمام الشافعي، ومن خلال كتابه (الرسالة) أوجد منهجاً منظماً لاستخراج القوانين والأحكام، ويطلق على من تكون له قدرة استنباط الأحكام من مصادرها الشرعية (المجتهد)، ويطلق على هذا الجهد العقلي بـ(الاجتهاد).

أُغلق باب الاجتهاد عند السنّة ما بين القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، وهو التاريخ الموافق لظهور المذاهب السنيّة الأربعة بينما بقي باب الاجتهاد مفتوحاً عند الشيعة إلى يومنا هذا.

ويقوم المجتهدون الشيعة باستخراج الأحكام الشرعية من مصادرها ومضامينها الأصلية المنحصرة عند الشيعة بالقرآن وحديث النبيّ (ص) وتعاليم الأئمة (ع). وقد انبثقت المذاهب الأساسية لأهل السنّة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، والمذهب الجعفري وكذلك الزيدي والإسماعيلي والعبادي من الطرق والأساليب والمناهج في أصول الفقه.

ومنذ القرن الماضي بدأنا نشهد بحوثاً عند السنّة تطالب بفتح باب الاجتهاد، من جهة أخرى أيضاً، تتّجه البحوث والأطروحات على مستوى السنّة والشيعة إلى دراسة التحول والتجدد في مسائل الشريعة، وإحياء دورها وتفعيلها في المجتمعات الإسلامية، تلك المجتمعات التي تواجه التحديات على مختلف الصُّعُد والمستويات الناشئة من التقدم التكنولوجي، والتقدم العلمي والمشاكل الأخلاقية التي خلّفها هذا التقدم.

كذلك فإنّ ردّة فعل العلماء المسيحيين واليهود في مقابل تلك التحديات قريبة جدّاً لردة فعل المسلمين من هذه الناحية، ولا شكّ في أنّ أتباع تلك الديانات التوحيدية الثلاث يستطيعون أن يوحُدوا عملهم في الكثير من المسائل الأخلاقية والحياتية، ويمكن التمثيل للشريعة بالشجرة التي ذُكرت في القرآن: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم/ 24)، وهذا التمثيل بالشجرة له مراتب ومعانٍ مختلفة يمكن أن تكون الشريعة أحدَ مصاديقها؛ لأنّ الناموس الإلهي والشريعة السماوية كالشجرة، أصولها ثابتة في أرض الوحي وفروعها منتشرة، وثبات أصولها لا يعني أنها غير حيّة، بل على العكس من ذلك، فإنّ هذا الثبات للأصول هو الضمان لتغذية الفروع ومدّها والإبقاء على الشجرة حيّة طرية.

إنّ الشريعة وعلى طول القرون، وفي ظل الظروف السياسية والثقافية، واكبَت المسيرة العلمية، وتفرع عنها الكثير من المسائل الجديدة والمتنوعة، وشريعة الإسلام اليوم أيضاً، ومع أنها تواجه التحدياتِ سواءً من داخل الإسلام أمْ من خارجه، إلّا أنّها احتفظت بمجموعة من القوانين والأحكام الحيّة التي يعتبرها المسلمون مَظهراً لإرادة الله، ينصاعون لها بالإيمان والاختيار.

 

المصدر: كتاب قلب الإسلام (قيم خالدة من أجل الإنسانية)

ارسال التعليق

Top