• ١٠ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الاستحواذ أو الهوس عند الأطفال

الاستحواذ أو الهوس عند الأطفال

◄تقول منى إنّها تعرف دائماً متى يحين يوم الثلاثاء، لأنّ طفلها خالد البالغ من العمر ثلاث سنوات، ينهض من فراشه باكراً في هذا اليوم على صوت سيارة الشحن الكبيرة التي تقوم بجمع الزبالة. فيجري بسرعة نحو الشباك ليراقب الشاحنة وهي تقوم بعملها. هذا مثال واحد فقط عن هوس ابن منى بالشاحنات واستحواذها على عقله. إذ إنّ منى، تمرّ على موقع للبناء أثناء اصطحاب طفلها إلى الروضة. فيطلب منها خالد بإلحاح أن تتوقف قليلاً أمام الموقع ليراقب الشاحنات والحفارات وهي تعمل. أمّا عند النوم، فإنّه يلتف بغطاء يحمل صور الحفارات والكسارات أثناء قراءة الأُم قصة له، والتي يصرّ أن تتحدث عن السيارات والمركبات الكبيرة.

خالد، هو واحد من بين أطفال كثيرين يظهرون تعلقاً بشيء ما إلى حد الهوس. إذ يقدّر الباحثون أنّ 70 في المئة من الأطفال في مثل عُمُر خالد، لديهم اهتمام وشغف كبير بغرض أو لعبة، أو تعلق شديد بشخص ما أو بالأُم أو بالأب. فهناك أطفال مهوسون بلعبة مثل "باربي"، وآخرون يكرّسون جلّ وقتهم في جمع السيارات واللعب بها، أو ينفقون معظم ما يُعطى لهم من مال في شراء ألعاب مؤلفة من قطع صغيرة، فيمضي الطفل منهم ساعات وساعات في جمع القطع معاً للوصول إلى الشكل الصحيح للعبة. يستغرب الأهل من أين يأتي هوس طفلهم بالأشياء التي قد تكون غريبة أحياناً، ويتساءلون إن كان هذا الهوس يعطي فكرة عن حياة الطفل في المستقبل. ولكن، قبل أن تحكم الأُم على طفلها، عليها قراءة رأي الخبراء في تعلق الأطفال الصغار إلى درجة مرضية بالأشياء.

-  التعلق الشديد:

قبل أن تتساءل الأُم عن السبب الذي دفع طفلها إلى تطوير شغفه بشيء إلى حدّ الهوس، عليها النظر في المرآة. لأنّها بالتأكيد هي السبب وراء تعلق الطفل بهذا الشيء، والأرجح أنّها تشجعه على ذلك. إذ دلت معظم الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع، أنّ 69 في المئة من الأطفال في عمر ثلاث سنوات وما فوق، يشاركون الأُم والأب شغفاً مماثلاً ببعض الأشياء. وتقول إحدى الأُمّهات، إنّ طفلها، البالغ من العمر أربع سنوات، يظهر نهماً شديداً لكلّ ما له علاقة بالفنون الميكانيكية أو الصناعية. فقد ورث عن والده المهندس الميكانيكي، هواية رفع الأشياء بواسطة بكرة، مستخدماً السطل الذي يلعب به على رمل الشاطئ لممارسة هذا الضغف. وقد يستعين به الأب أحياناً أثناء نصب الرفوف، أو يطلب مساعدته عندما يريد تثبيت طاولة البلاستيك فوق عمودها. ولكن شغف الأطفال بشيء محدد، لا ينتقل إليهم دائماً عبر فرد من العائلة. إذ تبيّن من الدراسات أنّ أهل طفل واحد من بين ثلاثة أطفال لا يعرفون مصدر شغف أطفالهم. فقد يكون مزاج الطفل هو الذي يدفعه إلى الانجذاب نحو شيء معيّن.

قد تكون هناك علاقة بين جنس طفل في عمر الثلاث سنوات أو أكثر، وبين انجذابه للأشياء. فالأولاد يميلون إلى السيارات الكبيرة والآليات والأبطال الخارقين، بينما تميل الفتيات إلى الملابس والدمى والحيوانات. ويعود السبب في ذلك إلى الاختلاف البيولوجي بين الذكور والإناث. كما أنّ الإعلانات التجارية تلعب دوراً في هذا المجال، حيث تتوجه بعض الإعلانات إلى الذكور والبعض الآخر إلى الإناث. وقد يشجع بعض الأهل أطفالهم على اختيار الألعاب التي تتناسب وجنسهم منذ الطفولة.

-            التعلق بالشيء ليس أمراً مبتذلاً أو تافهاً:

يمكن أن يكون شغف الأطفال بشيء ما أمراً محبباً في البداية. إذ من الممتع أن يطوّر الطفل تركيزه على موضوع معيّن ويحاول الغوص داخله بعمق. ولكن، ما إن يتعلق الطفل بالشيء، حتى تبدأ الأسئلة والمطالب تنهال على الأهل. مثل: "هل سعة الشاحنة تزيد على سعة البلدوزر؟" أو "هل أستطيع الحصول على تجهيزات إضافية للعبة "باربي؟" الأمر الذي قد يتسبب في نفاد صبر الأهل من هوس الطفل.

ومع ذلك، يصرّ التربويون على أن يتعلم الأهل التعايش مع هواية أطفالهم، وذلك لسبب واحد وهو أنّ ولع الطفل بهواية والتثبت بها أمر يسعده. إضافة إلى أنّ الاهتمام الزائد بشيء ما، يمكن أن يغذي فضول الطفل الفكري. فقد يقود شغف الطفل الصغير بتاريخ مصر القديم مثلاً، إلى التخصص بعلم الآثار. وقد يمضي طفل صغير وقتاً طويلاً أمام شاشة التلفزيون وهو يشاهد باهتمام شديد برنامجاً وثائقياً عن المومياوات أو تاج محل أو مغارة جعيتا مثلاً.

إنّ هوس الطفل يمكن أن يساعده أيضاً على إقامة علاقات اجتماعية. فقد لاحظت إحدى الأُمّهات، أنّ طفلتها البالغة من العمر ثلاث سنوات، استطاعت التغلب على خجلها وانخرطت في حديث عن ألعابها المفضلة مع أطفال آخرين، وكانت تشعر بسعادة غامرة وهي ترد على أسئلة الأطفال عن ألعابها. وقد يقرب شغف الطفل أفراد العائلة الواحدة من بعضها البعض. فقد يتعلّم الأهل المزيد عن موضوع ما أثناء دعمهم لشغف طفلهم بهذا الموضوع، فتنتقل عدوى الشغف إليهما.

-  الانتقال:

عند مراقبة الأُم لطفلها وهو يبني برجاً عالياً من المكعبات الخشبية، وهو يشاهد برنامجاً عن الحيوانات على شاشة التلفزيون باهتمام كبير، قد تتساءل حول علاقة هذا الهوس بمستقبل طفلها. إذ يمكنها أن تراهن على أنّه سيصبح مهندساً أو طبيباً بيطرياً عند يكبر. إنّ رافاييل نادال، لاعب التنس المشهور، بدأ في تطوير ضرباته عندما كان في عمر أربع سنوات. وإنّ أي شيف مولع جدّاً بالطبخ، يمكن أن يكون قد بدأ تطوير شغفه بالمطبخ بدءاً من سكب الطعام بالمغرفة. ولكن، بشكل عام، يدوم هوس وشغف الطفل بشيء ما مدة عام على الأكثر. قد يبدأ بعض الأطفال بالإخفاق على الرغم من نجاحهم في البداية، بعد انتقالهم إلى المرحلة الابتدائية، حيث يتعرّف الطفل إلى سلسلة من الموضوعات التي قد تشد انتباهه أكثر من تلك التي كان متعلقاً بها في السابق فينتقل الطفل إلى هواية جديدة.

على الرغم من ذلك، قد يعطي شغف الطفل بشيء ما فكرة واضحة عن مهاراته التي لا تزال في طور النشوء. مثلاً، إذا كان الطفل يحب الألعاب التي لها علاقة بالألغاز، فقد يصبح شخصاً بارعاً في علم الحساب عندما يكبر. والأطفال الذين يميلون إلى الرسم أو الموسيقى، يتمتعون بهامش كبير من الحرِّية ولا يبالون لرأي الآخرين بأعمالهم. أمّا الأطفال الذين يحبون حفظ الوقائع والحقائق، مثل حفظ عدد الأهداف التي سجّلها لا عبهم المفضل، فيميلون أكثر إلى التنقيب بعمق في الموضوعات تثير اهتمامهم وإلى تطوير مهاراتهم الذهنية. في جميع الأحوال، على الأهل فسح المجال أمام الطفل ليستمتع بما يثير اهتمامه وهوسه، سواء أكان لشغفه علاقة بالجسور أو بالحشرات أو الحيوانات أو بالسفن أو الشاحنات.

هل تعلق الطفل بشيء ما هو مشكلة أم مجرد شغف؟ إنّ الجواب على هذا السؤال يعتمد على رأي الأُم بمدى شغف طفلها بالشيء. فإذا كانت تعتقد أنّ طفلها مهووس جدّاً بالشيء عليها ألا تقلق:

·         إذا اكتفى الطفل بالشكوى عند محاولة الأُم تغيير النشاط الذي يمارسه، ولم يبدِ انزعاجاً تاماً من محاولتها صرف انتباهه لشيء آخر.

·         إذا كان الطفل يلهو بالشيء أو الغرض بطريقة خلّاقة، وكان يستخدمه لأغراض اجتماعية، مثل إقامة علاقات مع أطفال آخرين عن طريق السماح لهم باللعب بسياراته المهووس بها (التظاهر بأنّهم يشاركون في سباق للسيارات، أو الوقوف أمام محطة بنزين لتعبئة السيارات بالبنزين).

ولكن عليها أن تقلق في الحالات التالية:

·         إذا بدا أنّ هاجس الطفل الكبير هو المحافظة على النظام (رص السيارات في صف منتظم وليس اللعب).

·         إذا ركّز الطفل على شغفه وتعلقه بالشيء إلى حد عدم الاستمتاع بأي شيء آخر غير الشيء الذي استحوذ على عقله.

أمّا إذا كان رأي الأُم أن تثبت الطفل بالشيء يبدو غريباً. فعليها ألا تقلق:

·         إذا فهم الطفل بسرعة تلميحات الطفل الآخر الذي يلعب معه بأنّه لا يرغب في مشاركته في هوسه وشغفه (بالسيارات مثلاً) وتحوّل بسهولة إلى مواضيع أخرى غير اللعب بالسيارات والشاحنات.

·         إذا لم يقف شغفه بالشيء عائقاً في وجه عقد صداقات مع أطفال آخرين وفي المحافظة على هذه الصداقات.

ولكن على الأُم أن تقلق:

·         إذا استمر الطفل في التحدّث عن افتتانه وشغفه بالشيء حتى بعدما بيّن له أنداده أنّهم لا يبالون لشغفهه، لأنّه لا يعنيهم.

·         إذا عاد الطفل وتحدّث عن شغفه بالشيء حتى بعدما تحوّل الحديث إلى موضوع آخر.

إذا اعتقدت الأُم أنّ شغف الطفل بالسلاح يبعث إلى الخوف، عليها ألا تقلق:

·         إذا أخذ الطفل هذا الشغف عن طفل آخر أكبر منه سناً، أو انتقل إليه من خلال مشاهدته لبرامج الكرتون التي تحتوي على مشاهد عنف. ففي هذه الحالة، على الأُم منع طفلها من مشاهدة مثل هذه البرامج.

·         إذا كان رفيقه في اللعب يرغب في القيام بشيء آخر غير اللعب بأسلحة الألعاب، ووافقه الطفل رأيه بسهولة ومن دون تردد.

ولكن على الأُم أن تقلق:

·         إذا أخذ الطفل دور الشخص السيِّئ، أو دور ضابط بوليس أثناء اللعب مع أطفال آخرين.

·      إذا لم يستطع الطفل التوقف عن التظاهر بأنّه "يطلق النار" على الأطفال الذين يلعبون معه، على الرغم من تنبيهه مرات عدة لعدم تكرار هذا المشهد، حتى لو كان مشهداً غير حقيقي. ►

ارسال التعليق

Top