• ٥ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المرأة بين دورين.. مسلمة وزوجة

العلامة الراحل السيد محمّد حسين فضل الله

المرأة بين دورين.. مسلمة وزوجة

◄عندما تعيشُ الزوجة، في داخل البيت الزوجي: زوجة وأُمّاً، من الطبيعي، أن تعتبر نفسها ذات شخصيتين ترتّب كلٌّ منهما عليها مسؤولة في الحياة.

الشخصية الأولى هي شخصيّتها كزوجة تريد أن تحصل على محبة زوجها، وكأُم تريد أن تحصل على محبة أولادها وأن ترعاهم وتهيِّء لهم ما يرغبون فيه ويحبّونه كي ينطلقوا في دروب النجاح من خلال الطمأنينة التي يجدونها في البيت. وهذا ما يتيح لهم كلّ ما يحتاجه الإنسان عن علاقة أُسريّة سليمة تمكنه من أن يحتضن مشاعر الإنسان الآخر ورغباته، بحيث تتحوّل العلاقة إلى علاقة شعورية عميقة توحّد الناس في حياتهم، وفي أوضاعهم العامّة.

الشخصية الثانية هي شخصيتها كمسلمة تشعر أنّ عليها أن تجعل من نفسها، من حيث الفكر والعاطفة والالتزام، إنسانةً تعمل على أن تحقق رضا الله تعالى، أكثر مما تعمل على أن تحقق رضا الناس من حولها.

هذه الشخصية تدفعها إلى أن تتحرك في الحياة، كإنسانة مسلمة، لتحقق رضا الله من حولها، وذلك بالقيام بالمسؤوليات الشرعية الملقاة على عاتقها كزوجة تجاه زوجها، وكأُم تجاه أولادها، فلا تضيّع حقّ زوجها انطلاقاً من عقدة أو نزوة أو من حالة نفسية صعبة. ولا تضيّع حق أولادها، انطلاقاً من حالة مماثلة لتلك الحالة. وذلك كي تبيّن للآخرين أنّ الإنسان المسلم هو الإنسان الذي يقوم بما عليه من حقوق من دون أن ينظر إلى الآخرين هل يقومون بما عليهم من واجبات أو لا. فالزوجة المسلمة هي التي لا تنتظر من زوجها أن يقوم بحقوقها لتقوم بحقوقه. ولا تنتظر من أبنائها ليقوموا بحقوقها لتقوم بحقوقهم، بل تتسلّم زمام المبادرة لتقوم بحقوق أولادها قربة إلى الله تعالى. ويكون دافعها إلى ذلك امتثال أمر الله تعالى ونهيه في هذا المجال. وهكذا تعيش شخصية الزوجة المسلمة والأُم المسلمة في حركتها، في مجال الدعوة إلى الله، وفي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي مجال التجربة الحسية التي تمكنها من أن تجعل من بيتها الزوجي، أو العائلي، بيتاً إسلامياً يتحرك في نطاق الأجواء الإسلامية. وعلى هذا الأساس، فهي، عندما تعيش هاتين الشخصيتين: فلابدّ لها أن تراقب حركتها الشعورية وحركتها العملية في الانسجام بين هاتين الشخصيتين شخصيتها كزوجة وكأُم وشخصيتها كمسلمة، فلا تحاول أن تنتقص من شخصيتها الإسلامية لمصلحة شخصيتها الزوجية أو شخصيتها الأُمومية، بحيث تترك طاعة الله لإرضاء زوجها، أو تترك طاعة الله لإرضاء أولادها، بل تعمل معتبرةً شخصيتها الإسلامية هي الأصل والشخصيات الأخرى التي تملكها كجزء من مجتمع صغير أو كجزء من مجتمع كبير، هي شخصيات تابعة للشخصية الإسلامية ومتفرِّعة عنها.

وعلى أساس ذلك تتصرّف. وإذا ابتليت بزوج مفطر، أو بأولاد مفطرين، فإنّ عليها أن توحي إليهم، ما أمكنها ذلك، بعدم رضاها عن ذلك، إذا كان إفطارهم إفطار معصية، فيظهر عدم رضاها في وجهها وفي طريقة تعاملها في البيت، أو في الامتناع في بعض الحالات عن تحضير الأكل أو غير ذلك مما يحتاجه الناس المفطرون، أو في عدم جعل هذا الشيء مريحاً لهم، بحيث يشعرون بثقل معنى الإفطار في داخل البيت من خلالها. هذا إذا كان الضغط بهذه الطريقة يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عملية إيجابية. أمّا إذا كان المسألة تحتاج إلى أسلوب آخر يتمثّل بطريقة الانفتاح الذي يمتزج مع الانغلاق، من أجل أن تقودهم بطريقة عاطفية أو ببعض الوسائل العملية نحو الارتداع عن ذلك فإنّ عليها أن تقوم بهذا. المهم أن تكون رسالتها، في هذه الدائرة الصغيرة، رسالة الإنسانة المسلمة التي تدرس أفضل الوسائل وأحسن الكلمات وأرق الأساليب أو أحكمها في الوصول إلى ردع هؤلاء عمّا هم فيه. وإذا كان امتناعها عن تحضير الطعام أو الشراب، أو إذا كان أسلوبها الجاف يمكن أن يشكّل حرجاً عليها في وصول العلاقة الزوجية إلى نوع من الانفصال، أو إلى نوع من الاهتزاز تصل إلى حدّ ضربها من جانب زوجها أو من جانب أولادها، أو إذا كانت المفسدة في الامتناع من المصلحة فمن الطبيعي، من الناحية الشرعية، أن تأخذ برخصة الشرع في ذلك وتقوم بخدمتهم في هذا المجال، ولكن بطريقة يشعرون فيها أنّها تمارس عملاً ثقيلاً عليها باعتبار أنّها تتحرك مع أناسٍ، إذا كانوا من أقرب الناس إليها، فهم من أبعد الناس عن الله تعالى، للإيحاء لهم بأنّ القربة من الله هي الأساس في قرب الإنسان إلى النفس.►

 

المصدر: كتاب تأمّلات إسلامية حول المرأة 

ارسال التعليق

Top