• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

في رحاب «السلام عليكم»

في رحاب «السلام عليكم»

◄إفشاء السلام تحية أهل الإيمان وفاتحة كلّ خير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثلاث جملٍ مفيدة معطوفة على الترتيب المطلق، بها يعبر المؤمن عن سلامة قلبه تجاه من يلاقي من المؤمنين، كما أنّه يدعو لهم فرادى وجماعات - برحمة الله عليهم وبركاته، إذ إنّ التقدير: "السلام عليكم ورحمة الله عليكم وبركاته عليكم".

أخي المؤمن: إنّ إفشاءك السلام بين أبناء مجتمعك يجعل لك المحبة الهانئة في قلوبهم، فالفرد المتأدب بآداب الإسلام، الفخور بالانتماء إليه، سيكون حتماً متواضع النفس، ليِّن الجانب، صافي السريرة، محمود الطلعة، جميل الصحبة، حيي النظرات، محباً لمن يعرف ومن لا يعرف، موقناً بأنّ السلام – لفظاً أو إشارة – لا يأتي من بعده إلا الخير وفعله، وحسن الحديث ولطفه، وطهارة القلب من البغضاء والحسد.

وكما يعلم أنّ قائلها كبير في أعين مستقبليه، محترم الدم والعرض والمال والشرف، ميمون الوداع، ذلك لأنّه يتعامل مع مجتمع مسلم يعلم الصغير والكبير فيه أنّ السلام تحية أهل الدنيا الأبرار، وأهل الجنّة الأخيار، وأحد أسماء الله الحسنى المباركة.

أما تصعير الخد من المرء المؤمن فليس خلقاً حميداً، بل ممقوت، يوحي بكبر زائف لا حقيقة له، ووهم شيطاني لا نهاية له، وبالتالي يكون سبيلاً أولياً لمرض خطير يهدد نفس صاحبه.

إنّ من لا يفشي السلام ينظر إلى الناس نظرة سلبية، وهو أنّهم: يحقرون حظوته ومكانته، ويطعنون في ظهره، فيزداد ضغينة ومرضاً، ما يؤدي في الأخير إلى تقلص ارتباطه بأفراد مجتمعه، وأهل جواره ثمّ تتقلص صداقاته وموداته، ثمّ ينطوي على نفسه منبوذاً، فيالها من مأساة، نعوذ بالله أن نكون من الجاهلين.

نستطيع – إذن – أن نلخص فوائد السلام الدنيوية من منظور نفسي وأخلاقي، كما يلي: في إفشاء السلام دليل على تواضع العبد لله، وصفاء نيته.. استقراء النفس وهدوء الأعصاب، واطمئنان النبض.. إلمام صاحبه بخلق الطريق، واحترام من يلقى فيها من الناس.. حرص العبد على اكتساب الحسنات اللفظية إيماناً منه بأنّ الله تعالى مطلع عليه. دليل على فخر العبد بانتمائه للإسلام، وأهله، قولاً وعملاً.. دليل على حرص العبد على تطهير رؤيته، وسمعته في أعين العباد، وألسنتهم وكذلك دليل على بغض العبد للتصعير الشيطاني الخبيث، وعلى حسن تربية العبد وتعليمه من قبل أسرة هو مرآتها وعنوانها، فضلاً عن انّه دليل أيضاً على حرص المؤمن على تعميق أواصر المحبة بينه وبين الناس في الدنيا من خلال إثباته العملي للإيمان بالله ونهجه، ومن خلال يقينه بأنّ النتيجة لذلك هي الجنة بصفة السلام، عملاً بقوله (ص): "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم".

في إفشاء السلام على من تعرف ومن لا تعرف أيضاً: دليل قوي، على صلاح نفس المؤمن من جميع الوجوه الإيمانية والمعنوية والاجتماعية.

 

الفوائد الأخروية:

فائدة الآخرة هي الجنة: الحلم الذي عمل من أجله طول حياته ففيها "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".

قال (ص) لما سأله رجل: أيّ الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" (متفق عليه).

فالسلام طريق محفوف بالسلامة في رحلة آمنة إلى الجنة دار السلام.

قال (ص): "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام". ولكن متى يكون السلام مصدر خير وسبيل وصول إلى الجنّة؟".

هناك شروط هي:

1-    أن يكون المرء مؤمناً بالله رب العالمين، لأنّ السلام من الأعمال الصالحة، والله سبحانه وتعالى لا يتقبل العمل الصالح إلا من العبد المؤمن، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).

2-    أن يكون إفشاء السلام تواضعاً لله رب العالمين، وحباً لعباده المؤمنين، وامتثالاً لأمر رسوله الكريم، الذي تعد طاعته طاعة لل رب العالمين، قال سبحانه وتعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر/ 7)، والرسول (ص) قال: آمراً المؤمنين: ".. ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم".

3-    أن يكون القصد من إفشاء السلام السعي وراء تحصيل الثواب من الله وحده، دون رياء، أو خوف، أو هدف دنيوي زائل ينتهي السلام بانتهاء تحقيقه أو عدمه، لأنّ ذلك كلّه محبط للثواب والأجر من رب العالمين.

قال تعالى في الصلاة: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون/ 4-7).

أن يعلم المؤمن علم اليقين أنّ الله معه حيث كان، يعلم سره وجهره، ويحصي عمله، وإفشاء السلام عمل، يرجى به وجه الله العليم بما تخفي الصدور، فهو إذن عمل، تسبقه النية، قال (ص): "إنَّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلِّ امرئ ما نوى".

 

آداب السلام:

علّمنا رسول الله (ص) كيفية إفشاء السلام حتى لا يظل كلّ مسلم ينتظر من أخيه ردّ السلام عليه، ومن ثم تفوته الفرصة من جراء ذلك الانتظار فيحرم فرحة السلام، وأجره.

قال (ص): "يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير".►

 

يزيد تماسك أفراد المجتمع ويشيع الألفة بينهم ويجلب للنفس الطمأنينة والسكينة

 


* كاتب وشاعر يمني

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1442 لسنة 2001م

ارسال التعليق

Top