• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ضرورة المشاورة في إدارة المجتمع

ضرورة المشاورة في إدارة المجتمع

◄من الممكن أن يعيش الإنسان وحده في غابة من الغابات من دون أن يتعامل مع أحد. لكنه حينئذٍ سيعيش حياة الحيوانات. أما إذا أراد أن يعيش إنساناً فلابدّ أن يعرف أمرين:

الأوّل: أنّه بحاجة إلى الآخرين، ولابدّ أن يتعاون معهم.

والثاني: أنّه بحاجةٍ إلى أن يستشير غيره في أموره.

إنّ كلمة "المشورة" هي صغيرة في لفظها، ولكنها كبيرة في معناها، ومغزاها، ونتائجها.

فمن أبرز مقوّمات الشعوب المتقدمة أنّها مجتمعات تقوم على قاعدة العمل الجمعي، والاستشارة فيما بين رجالها.

والحديث الشريف الذي يقول: "ما خابَ من استخار وما ندم من استشار" يؤكد هذه الحقيقة.

فالجماعة التي تعتمد على الاستشارة بشكل متواصل هم أقدر من غيرهم في درأ الأخطار، وتحقيق الانجازات الكبرى.

إنّ الفرد الذي يرفض استشارة الآخرين هو أناني بطبعه وغير صالح، وكذلك الأمر مع المجتمع الذي لا يستشير أفرادُه فهو مجتمع غير صالح، ولا يمكن أن ينجح.

ولا تكفي هنا النيّة والأُمنيّة، فالجميع يتمنى النجاح. وربما تكون نيّة الفرد صالحة، ولكن ذلك لا يكفي. بل لابدّ أن تكون عاداته وتقاليده أيضاً صالحة. ولا يمكن اعتبار الأنانية والسلوك المنفرد من الصلاح. خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ البديل عن الاستشارة هو الاستبداد، لأن كلّ من يرفض المشورة مع الآخرين والأخذ بآرائهم، يقع في مطب الاستبداد.

والاستبداد يجرُّ إلى موبقات كثيرة أسهلها وأهونها موبقة الخصام، والانتقام، والحرب.

من هنا لابدّ أن تكون المشورة جزءاً من سياسة الفرد والأُمّة، وقانوناً في إدارة المجتمع، وإلّا فإنّ الفشل سيكون حتمياً، لأنّ الله عزّ وجلّ وزّع العقول على الناس، ومن يستشير الآخرين فهو يستفيد من عقولهم، كما يقول الإمام عليّ (ع): "من شاور الرجال شاركها في عقولها".

ويقول: "أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله".

فالذي يستشير غيره يستخدم كلّ العقل، أما الذي يستبدُّ برأيه فهو يتصرّف بنصف العقل، لأنّ عقله ليس مختلطاً مع عقول الآخرين.

يقول ربّنا عزّ وجلّ وهو يصف أصحاب رسول الله (ص): (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى/ 38).

ويأمر الله نبيّه وهو أكمل الناس عقلاً، قائلاً: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ) (آل عمران/ 159).

وهكذا فلا يمكن أن يستغني أحد عن الاستشارة حتى وإن كان ممن وهبه الله ذكاءً خارقاً وفكراً وقّاداً، لأنّ من ازداد عقله ازدادت معرفته بأهمية الاستشارة. وإلّا فلابدّ من الشك في فهمه وعقله.

إنّ الأكثر انتباهاً والأقدر على سرعة اتخاذ القرار هو أحوج من غيره إلى الاستشارة. لأنّ سرعة اتخاذ القرار تعني سرعة العطب أيضاً، تماماً كما أنّ السيارة التي تنطلق بسرعة كبيرة تكون أحوج إلى كوابح قوية، لأنّها أكثر عرضة للأخطار من غيرها.

يقول المثل المعروف: "غلطة الشاطِر بألف". فكلّما كان الفردُ أكثر ذكاءً فهو بحاجة إلى استشارة أكبر لأن في المشورة على الأقل ما في الكوابح في السيارة من القدرة على إيقاف الفرد عن الانطلاق بشكل خاطئ.

إنّ حالة الاستشارة يجب أن تبدأ من داخل الأسرة، فمن الضروري أن يستشير الرجل أهله وأولاده وأن يتعلم الإخوة أن يستشير بعضهم بعضاً، وأن يتعاونوا فيما بينهم.

فالعوائل التي تعتمد الاستشارة كواحد من تقاليدها تنجح داخلياً وخارجياً، بينما العوائل التي لا تعرف إلّا الأوامر والنواهي تصدرُ من الكبائر إلى الصغار، ومن الأقوياء إلى الضعفاء فهي تعيش دائماً حالة من التخلّف.

ثمّ إنّ الاستشارة يجب أن تفرز قوانين، ومؤسسات، ولجاناً.

فإذا حدث ذلك فإنّ القرارات التي تصدر تكون أقرب إلى الصواب والنجاح، وأبعد من الخطأ والفشل.

إنّ تاريخ الناجحين يثبت أنهم كانوا أكثر الناس استشارة في كلّ شيء، وفي جميع الظروف والأحوال.

فالمشاورة حالة حضارية تتطلبها الفطرة الإنسانية، وتؤكد عليها الديانات السماوية، وهي مدعاة للتطوّر والرقي في كلّ شؤون الحياة. ►

 

المصدر: كتاب كيف تبدأ نجاحك من الحد الأدنى؟

ارسال التعليق

Top