• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قيمة العطاء

قيمة العطاء

◄لقد اعتبر الإسلام العطاء من ميزات المؤمن، هو جزءٌ من إيمانه وتقواه، ولذلك عندما تحدَّث عن المؤمن قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الأنفال/ 2-3).

فالمؤمن لا يقف عند حدود العبادات، بل يحوّل العلاقة بالله إلى خدمة لعياله، فالخلق كلّهم عيال الله، وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله، لهذا كان الإنفاق من ميزات المتقين: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/ 133-134). هم ينفقون في كلّ الحالات؛ في اليُسر والعُسر، ينفقون حبّاً وعفواً وتسامحاً، كما ينفقون مالاً وطعاماً... كلّه عطاء.

لهذا نجد في التشريع الإسلامي تأكيد العطاء في الواجبات المالية من الخُمس والزكاة: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (الأنفال/ 41).

إنّ الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير وعري إلّا بمنع الأغنياء، وإنّ الله محاسبهم ومعذّبهم عذاباً أليماً.

لكن هذا التأكيد لم يقف عند حدود المال، فهناك زكاة القدرة وهي الإنصاف، وزكاة الجمال وهي العفاف، وزكاة الصحّة وهي السعي في طاعة الله، وزكاة الشجاعة وهي الجهاد في سبيل الله.

ولم يقف الإسلام عند حدود الواجبات، بل حثَّ على المستحبات: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم) (التوبة/ 103)، لكنّه لم يرد للصدقة أن تبقى في حدود المال، ففي حديثٍ لرسول الله (ص): «على كلّ مسلمٍ في كلّ يوم صدقة». قيل: ومَن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: «إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وإرشادك الرجل إلى الطريق صدقة، وعيادتك المريض صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة».

وورد أيضاً: «صدقة يحبّها الله؛ إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا»، «أفضل الصدقة صدقة اللسان»، «عونك للضعيف من أفضل الصدقة»، «أفضل الصدقة إبراد الكبد الحرّى"، "تبسّمك في وجه أخيك صدقة».

عطاء الأُمّة

لم يرد الإسلام للعطاء أن يحدَّ بحدود الزمان والمكان، ولا المذهب والدِّين: (وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) (النساء/ 36).. (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة/ 8).

إبذل لأخيك دمك ومالك، ولعدوّك عدلك وإنصافك، وللعامّة بشرك وإحسانك، هذا ما يعلّمنا إيّاه إمام المتقين: «يا كميل، مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة مَن هو نائم».

عندما تحدَّث الإسلام عن العطاء، لم يرد له أن يكون عطاء الفرد، بل دعا الأُمّة المسلمة أن تكون أُمّة الخير في تعاملها حتى مع الذين يختلفون معها: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).

وأراد أن تكون الأُمّة التي تمدّ جسوراً مع الأُمم الأُخرى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ) (آل عمران/ 64).

وأراد لها أن تكون الأُمّة التي تتفاعل مع بقيّة الحضارات: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات/ 13).

طاقة الفرد في خدمة المجتمع

إنّ الذين يملكون طاقات يستفيد منها الآخرون ولا يبذلونها، بحيث يجمّدونها لحساباتهم الخاصّة أو يفرّطون بها، هم خائنون لأُمّتهم ولإنسانيتهم، سارقون لقدراتها، لأنّ طاقات الأفراد هي طاقات للجميع، ولهذا سيقفون للحساب والمسؤولية بين يدي الله. هكذا يريد لنا الإسلام أن نكون.

فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): «إنّ الله لم ينعم على عبدٍ نِعمة إلّا وقد ألزمه فيها الحجّة من الله، فمن مَنَّ الله عليه فجعله موسعاً عليه، فحجّته عليه ماله، ثمّ تعاهده الفقراء بفرائضه ونوافله، ومَن مَنَّ الله عليه فجعله قويّاً في بدنه، فحجّته عليه القيام بما كلّفه، واحتمال مَن هو دونه ممّن هو أضعف، ومَن مَنَّ الله عليه فجعله شريفاً في قومه، جميلاً في صورته، فحجّته عليه أن لا يغمط حقوق الضُّعفاء لحال شرفه وجماله».

جاء رجل إلى رسول الله (ص) وقال له: دلّني على عملٍ إن أنا عملته دخلت الجنّة، قال (ص): «انل ممّا أنالك الله»، فقال الرجل: فإن كنت أحوج ممّن أنيله. قال: «انصر المظلوم»، قال: لا أريد الدخول بين المظلومين والظالمين، قال: «اصنع للأخرق»، قال: فإن كنت أخرق ممّن أصنع له، قال: «فأمسك لسانك إلّا عن خير»، المهمّ أن تعطي ولو كلمة طيِّبة.

معنى السعادة الحقيقية

إنّ السعادة كلّ السعادة، عندما نزرع سعادةً في قلب مهموم أو مغموم، عندما تغني عقلاً بالمعرفة، عندما تفتح قلباً على المحبّة، عندما تساعد إنساناً وتقضي حاجة، عندما تغيّر واقعاً فاسداً، عندما تقيم عدلاً وترفع ظلماً، عندما تحوّل حياةً إلى صدقة جارية تنفع النّاس، عندما تترك كتاباً يُقرأ وولداً صالحاً.

هذه هي قيمة الحياة، وهذه هي السعادة الحقيقية. إذا أردتم أن تعرفوا ذلك، عيشوا هذه القيمة، تأمّلوا في حياة كلّ الذين غادروا الدُّنيا، مَن هم الذين أبقتهم الحياة، ومَن هم الذين لفظتهم ولم يعد لهم أثر فيها!►

ارسال التعليق

Top