• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإصلاح والتعاون

الإصلاح والتعاون

◄قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات/ 10).

أ- الإصلاح واجب إلهي:

إنّ العمل على تحقيق الأخوّة والتواصل والاجتماع وإصلاح ذات البين من أوجب الواجبات الإلهيّة ضرورة أنّه لا يمكن بناء مجتمع متماسك يسير في خدمة الأهداف العُليا للإسلام ما لم يكن هذا التكليف قائماً ومعمولاً به لدى المسلمين حيث في المقابل يكون التشتت والتفرّق وتحكم روح العداوة عاملاً هدّاماً لا تستقيم معه مسيرة أهل الإيمان، وهو سبب في فشل وسقوط كثير من القضايا الهامّة على مرّ العصور ولا يزال، فالمطلوب أن تسود روح الجماعة والوفاق في إعزاز المصالح العامّة، لا روح الفرد والشقاق في خدمة المصالح الخاصّة بما تحكمها من أهواء ورغبات يقول عزّ مَن قائل: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ (آل عمران/ 104)، وفي بيان قرآني آخر تأكيد على أنّ هذا الواجب هو غاية الإرادة في قوله تعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود/ 88).

وفيما جاء عن مولانا الكاظم (ع): «يا بن بكير! إنّي لأقول لك قولاً، قد كانت آبائي (ع) - تقوله: إنّ للحق أهلاً، وللباطل أهلاً، فأهل الحقّ يجأرون في إصلاح الأُمّة بنا، وأن يبعثنا الله رحمة للضعفاء والعامّة».

ب- التعاون وصيّة السماء:

في الذكر الحكيم: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة/ 2)، إنّ إعانة الآخرين ومؤازرتهم في مواطن الشدائد ونزول المصائب أمر أولاه الإسلام اهتماماً كبيراً وهو من أعظم شيم وشمائل أهل الولاية سواء في الترابط والتزاور أو في تقديم المساعدات المالية أو البدنية أو المعنوية أو سائر أشكال التعاضد والتكافل سيّما الفقراء والأيتام والمساكين.

في الحديث عن خثيمة قال: «دخلت على أبي عبدالله لأودّعه وأنا أريد الشخوص، فقال: ابلغ موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأوصهم أن يعود غنيّهم على فقيرهم، وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيّهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإنّ في لقاء بعضهم بعضاً حياة لأمرنا، ثمّ قال: رَحِمَ الله عبداً أحيا أمرنا».

ويعتبر السعي في قضاء حوائج الناس من أعظم القُربات الإلهيّة التي أعدّ عليها الثواب الجزيل فوق ما يتصوّره الإنسان ويتوقعه حيث جاء عن مولانا الإمام الباقر (ع): «مَن مشى في حاجة أخيه المسلم أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك ولم يرفع قدماً إلّا وكتب الله بها حسنة، وحط عنه بها سيِّئة ورفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله له عزّوجلّ بها أجر حاج ومعتمر».

وفي الحديث أيضاً: «إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة».

ج- دور التواضع في العلاقات الإنسانية:

إنّ التواضع بحدِّ ذاته فضيلة من الفضائل الإسلامية وهو مصدر قوّة للإنسان وليس ضعفاً ووهناً وبه الأمر في الكتاب الكريم: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء/ 215)، وقد أشاد أهل البيت (ع) بشرف هذا الخلق واعتبروه من خصال المؤمن وسبباً في رفعته كما جاء عن الإمام الصادق (ع): «إنّ في السماء مَلكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومَن تكبّر وضعاه»، والذي يرتبط بمقامنا هو دور التواضع في عملية الإصلاح والعلاقة مع الآخرين فإنّه ليس هناك شكّ في أنّ بعض الناس يقومون بخدمة الآخرين أو إجابتهم لكنّ مع روح مستعلية وتكبّر زائف من خلال ثقافة الطبقات والميّزات العرفية أو العائلية أو غيرها ممّا لا يقيم له الإسلام وزناً في واجب احترام الآخر وإنّما المدار على التقوى في الأفضلية، فمن هنا لابدّ من إيضاح هذا الجانب من خلال الآثار التي يتركها في نجاح العلاقات الإنسانية أو فشلها والواقع أنّه لا يمكن التصديق أنّ التواصل والارتباط الوثيق بين أفراد أو مجتمعات هو قابل للاستمرار والديمومة طالما أنّ أحد الطرفين في إصرار وتصميم على استحقار الآخر وتقزيمه والاستعلاء والتكبّر عليه، فكيف يكتب ذلك في سجل محاولات الإصلاح مع كونه دعوة عملية لسيادة منهج الاستكبار الذي يبغضه الله عزّوجلّ كلّ البغض حيث يقول سبحانه: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ (الزّمر/ 60).

وفي الحديث: «فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، واستعيذوا بالله من لواقح الكبر كما تستعيذون من طوارق الدهر، فلو رخصّ الله في الكبر لأحد من عباده، لرخص فيه لخاصّة أنبيائه ورسله، ولكنّه سبحانه كرّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع».

وهناك جوانب أساسية في معاشرة الناس أكّد عليها القرآن الكريم وما هي إلّا مصاديق ومفردات للتواضع الذي هو ركيزة النجاح في المعاملة معهم أو إصلاح أُمورهم أو مدّ يد العون لهم كما في سورة لقمان: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (لقمان/ 18) ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (لقمان/ 19).

د- صفتان مذمومتان:

فالمطلوب هو عدم الميل بالوجه عن الناس، والإقبال عليهم واستماع حديثهم والاهتمام بهم ولو صغر موقعهم في المجتمع وقد كان رسول الله (ص) يقبل على مَن يحدّثه ولا يرفع يده من يد صاحبه حتى يكون هو الذي يرفعها.

والذي يشير إليه لقمان في وصيته لولده، صفتان مذمومتان جدّاً وهما أساس تضعيف وقطع الروابط، الاجتماعية الصميمية:

الأولى: التكبر وعدم الاهتمام بالآخرين والاستعلاء.

والثانية: الغرور والعجب بالنفس.

وهما مشتركتان من جهة دفع الإنسان إلى عالم من التوهم والخيال ونظرة التفوق على الآخرين وإسقاطه في هذه الهاوية، وبالتالي تقطعان علاقته بالآخرين وتعزلانه عنهم، وهو نوع من الانحراف في التشخيص والتفكير. فعلى ضوء ما تقدم نعرف الدور البناء للتواضع في شتّى جوانب العلاقة الإنسانية القائمة على أساس التعاون والإصلاح والمودة في الله تعالى ولنا في رسول الله (ص) أُسوة حسنة حيث كان (ص) يكرم مَن يدخل عليه وربّما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته، ولا يقطع على أحد الحديث، وإذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل.►

ارسال التعليق

Top