• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأب القدوة

الأب القدوة
اليوم نتحدث عن دور الأب، وما هو المطلوب منه؟ والمطلوب منه ثلاثة أشياء: الأب القدوة، الأب المتفقد أولاده، الأب الصديق. الآباء لهم أدوار كثيرة جدّاً ولكن هناك ثلاثة أدوار أساسية، وغاية في الأهمية، وهي التي تمهد لأي دور آخر يقوم به الأب، وهي: دور الأب القدوة، دور الأب المتفقد أولاده، دور الأب الصديق. وأنت تستطيع أن تسيطر بعطفك أكثر ما تستطيع أن تسيطر بقوتك وقسوتك، فتملك قلوب أولادك بحنانك أكثر مما تملكهم بشدتك وقوتك. ويحتاج الأب إلى ثلاثة أشياء لكي ينفذ هذه الأدوار، وهي: وقت، جهد، وتركيز.   أولاً: الوقت لا تستطيع أن تقول: من أين آتي بالوقت؟ أنت عندما يكون ابنك أو ابنتك في مصيبة أو ورطة ستذهب لإنقاذهما وأنت في غاية التعب والحزن. وتترك كل أعمالك. ولكنك الآن تستطيع أن تقضي وقتاً معهما بشكل منتظم وهادئ، وبشكل إرادي.   ثانياً: الجهد أنت في حاجة إلى جهد عكس دور الأُم، لأن ولدها يكون في رحمها تسعة شهور، فدرجة التعلق بها كبيرة، بسبب أنه جزء من كيانها. ولكن الأب يحتاج إلى جهد لكي يستجيب له ابنه، أي باللعب معه وتقبيله، وما إلى ذلك.   ثالثاً: التركيز وهو أهم عنصر، أنت في حاجة إلى تركيز. ففي كثير من الأحيان نغيب عن أولادنا، ونعود إليهم، ما يجعلنا نحتاج إلى تركيز معهم، أكثر مما يحتاج إليه أب يعيش مع أولاده ويبيت معهم ولكنه لا يلعب أي دور، أي أنّه في عالم آخر. لابدّ أن يركز الأب في فكرة، في شيء يثير به أولاده، في طريقة يتعامل معهم بها، حتى في قصة قبل النوم التي يحكيها لهم، في الكثير من الأحيان أسافر، ولكني عند العودة أكون قد أعددت برنامجاً للأولاد. وعلى الأب أن يضع في ذاكرة ابنه بصمة لن ينساها طيلة حياته. السؤال هو: كيف أترك بصمات في ذهن ابني؟ أرأيتم أننا في حاجة إلى وقت وجهد وتركيز؟   أوّلاً: الأب القدوة هل تريد أن تربي أولادك؟ هل تريد وصفة تجعل من أولادك عظماء؟ هل تريد أن تؤثر تأثيراً غير عادي في أولادك؟ يمكنك أن تبقى ساكتاً، لكن كن قدوة، واترك أولادك ليروا أفعالك، داخل وخارج المنزل، لأنهم لن يتذكروا أقوالك، بل سيتذكرون أفعالك، لأنهم يراقبون كل شيء ويستنسخون تصرفاتك في عقولهم، ومثل ما تفعل يفعلون، وحركاتك وتصرفاتك أقوى من ألف درس دين، وأقوى من ألف موعظة وموعظة، لأنّه مهما نصحنا وقلنا مواعظ، والبيت من الداخل خراب، فلا فائدة في ذلك. ومهما خربت الدنيا من حولنا وكان البيت متماسكاً وقوياً فهناك أمل. ولأنّ الأولاد يراقبون كل حركاتك وسكناتك، ولأن كل شيء يقلّد، فإن كنت تهين زوجتك، ويعلو صوتك عليها وتضربها، فتأكد أن أولادك عندما يكبرون لا يحترمون المرأة. وإذا كنت تدخن، تأكد أن ابنك سيدخن السجائر أيضاً، ثمّ المخدرات، وإذا كنت سريع الغضب ستجد ابنك يقوم بتصرفات لا تليق بسنه كطفل، ولكنه يقلدك في كل شيء، لأنّك أنت بالنسبة إليه المثل الأعلى. إذن.. أيها الأب، هل أنت مثل أعلى لأولادك؟ وما هي القيم التي تريد أن تعطيها لهم؟ وإذا كنت طائعاً لله سبحانه وتعالى، وتعامل زوجتك بما يرضي الله، وعطوفاً، سيكون ابنك كذلك. ولا تطمح إلى أن يكون ابنك صالحاً إلا إن كنت أنت صالحاً. كن صالحاً يكن ابنك صالحاً. هل تريد أن تعلم ابنك العطف؟ زُرْ أمامه ملجأ للأيتام. هل تريد أن تحببه في صلاة الفجر؟ اجعله كي يراك أنت وأمه تصليان الفجر أمامه. هل تريد أن تحببه في العبادة؟ اجعله يراكما وأنتما تصليان في البيت جماعة. هل تريد أن تحببه في الدعاء؟ اجعله يراك أنت وأمه تدعوان الله. أعود مرة أخرى للأب القدوة. الآن أمامك قطعة قماش جاهزة. كل مولود يولد على الفطرة. الخامة هذه هي ابنك، تفعل بها كما تشاء. نريد أن نتسلمها منك بعد عشر سنوات لكي ندخلك بها الجنة. ربِّ ابنك كيف تشاء، ومثل ما تريد أن يكون، أنا مثل أعلى لأولادي وأنت بالنسبة إلى ابنك وابنتك مصدر الرجولة لديهما، وأنت من يأخذان منه القيم. فإذا كنت تدخن فهذا يرسل إليهما رسالة إلى عقلهم الباطن مفادها أنّ الرجولة أن أدخن لأن أبي يدخن. انقش في هذا الخامة كما تحب. ولكن، اعلم أنّ السؤال شديد يوم القيامة، والثواب كبير يوم القيامة، وهذا على حسب ما سوف تنقشه في ابنك. يُحكى أن فتاه كان والدها يقول لها ولأسرته إن لديه سفراً إلى الخارج ويسافر. ولديه عمل في الخارج ويسافر، ولكنهم علموا بعد ذلك أنّه على علاقة غرامية بامرأة، وكان يسافر من أجل ذلك. وحدثت مشكلة كبيرة، وكان عمر الفتاة آنذاك تسع سنوات، وكان قد أغلق على الموضوع وستر عليه. ودارت الأيام، وتزوجت الفتاة، وكان زوجها على خلق، والحياة سعيدة من دون أي شيء. ولكن، إذا بزوجها يطلبون منه في عمله أن يسافر إلى الخارج، ولكنها رفضت، وثارت عندها الفكرة القديمة عن أبيها لأنّها محفورة في ذاكرتها، وكان لا يستطيع أن يأخذها معه في السفر، وتصاعد الأمر لطلب الطلاق. ابنك وابنتك في بداية فترة المراهقة يريدان الشعور بالانتماء، ويقول علماء النفس إنّ الأبناء في بداية فترة المراهقة يريدون أن ينتموا إلى جماعة، أي مجموعة. وابنك يريدك أنت، ولكنه لا يجدك، الخامة التي ذكرناها ستكون مثل اللوحة، كل شخص ينقش عليها شيئاً، فتصبح خامة مهلهلة. تخيل، هذا ينقش عليها بالأسود، والآخر باللون كذا، والكل يعبث لأنك غائب عنه. ولكن، إذا رآك مثلاً أعلى وإذا أخطأت هل تداري على خطئك؟   ثانياً: الأب المتفقد أولاده نحن لدينا في قرآننا مبدأ جميل وهو التفقد كما في قوله تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ...) (النمل/ 20)، وهذه الآية عن سيدنا سليمان يتفقد بها طائراً ضعيفاً، أي هو يتفقد الطير وأنت لا تتفقد ابنك. نعم، إنّه أساساً دور الأُم، ولكنها لا تستطيع أن تتفقد كل الزوايا، لأن هناك زوايا في فترات المراهقة لا يستطيع أن يراها إلا الأب، وليس في الولد فقط، ولكن في الفتاة أيضاً، عندما تتزوج الفتاة زواجاً عرفياً، أو يتعاطى الابن مخدرات، أين تفقّد أبيهم هنا؟ الأب الذي بعينه يفهم ابنه، ويفهم ابنته، والمتفقد صحتهم سيعلم ما إذا كان السبب المخدرات أم لا.

ارسال التعليق

Top