• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحب والأمن داخل الأسرة

الحب والأمن داخل الأسرة
   إنّ أحد أهداف الزواج هو تحقيق حالة الاستقرار النفسي، والطمأنينة الروحية، وفي ظلال هذه الحياة المشتركة ينبغي على الزوجين العمل على تثبيت هذه الحالة التي تمكِّنهم من التقدُّم والتكامل.

لقد أثبتت التجارب أنّه عندما تزداد أمواج الحياة عنفاً، وحين يهدِّد خطر ما أحد الزوجين فإنّهما يلجآن إلى بعضهما البعض لتوفير حالة من الأمن تمكِّنهما من مواجهة الحياة والمضي قدماً. وعليه فإنّ الزواج ينبغي أن يحقِّق حالة الاستقرار وإلا فإنّ الحياة ستكون جحيماً لا يطاق.

وعندما تُشكَّل الأُسرة فإنّ الإسلام يعتبر أنّ المرأة والرجل شريكان في الحياة، وعلى كلٍّ منهما أن يعامل الآخر بالمحبّة. فلا يحقّ للرجل أن يعامل زوجته بالقوّة، ولا المرأة أن تعامل زوجها بالقوّة.

... الأسرة هي المكان الذي يجب أن تنمو فيها العواطف والأحاسيس، وتجد فيها رونقها، أن يجد الأطفال فيه المحبة والحنان، وحتى الزوج الرجل، إنّ طبيعة الرجل أبسط من المرأة، وأكثر حدّة وحزماً في مجالات خاصة، وليس يداوي جرحه إلا حنان زوجته، لابدّ أن تحنَّ عليه، حيث لا ينفعه حنان أمِّه. فإنّ الزوجة تستطيع أن تفعل بالرجل الكبير ما تفعله الأُم بابنها الصغير، وإنّ النساء على معرفة دقيقة وظريفة بهذا الأمر، وإذا افتقرت هذه العواطف والأحاسيس لمحورها الأساسي في البيت أي إلى المرأة وسيِّدة البيت، فستصبح الأسرة شكلاً لا معنى له.

... وهناك قول رائج بين النساء العاقلات ذوات التجربة، سمعته من كبيرات السِّن، وهو صحيح، إنّهنّ يقلن: الرجل كالطفل، إنّهنّ محقّات في ذلك، فهذا هو الواقع. وهو يعني أنّ الرجل العالم والفاضل وصاحب الشعور والذي لا يعاني من أي نقص ذهني، هو كالطفل في مواجهته ومعاملته للمرأة، والمرأة كأم الطفل! فكما أنّ الطفل يبدو سيء الخلق عندما يجوع، ولابدّ من إقناعه وسدِّ حاجته؛ فإنّ المرأة إذا استطاعت أن تؤدي مهمتها بدراية فسيصبح الرجل بين يديها هادئاً أليفاً.

... انظرن إلى هذه الآية الشريفة التي تشير إلى المرأة والرجل داخل الأسرة، يقول تعالى:

(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الرّوم/ 21).

... لتسكنوا إليها... أي لتجدوا إلى جانب الجنس الآخر داخل الأسرة الطمأنينة والسكينة. الرجل إلى جانب المرأة، والمرأة إلى جانب الرجل. فالرجل يحسُّ بالطمأنينة والسكينة عندما يعود إلى بيته وإلى محيط أسرته الآمن وإلى جانب زوجته الأمينة والعطوفة والمُحبّة. وكذلك المرأة فإنّها تشعر بالسعادة وبحسن الحظ والسكينة عندما تكون إلى جانب زوجها الذي يحبُّها ويشكِّل الحصن المنيع لها حيث أنّه الأقوى جسدياً عادة، الأسرة تؤمن ذلك لكلا الطرفين، فالرجل يحتاج للمرأة في جوّ الأُسرة ليحصل على السكينة، والمرأة تحتاج إلى الرجل في جوِّ الأُسرة لتجد السكينة، لذلك قال: لتسكنوا إليها؛ لأنّ الإثنين بحاجة للسكون والسكينة، إنّ أهمّ شيء يحتاج البشر إليه هي السكينة، فسعادة الإنسان تكون في أمانه من التلاطم والاضطراب الروحي، وحصوله على الطمأنينة والسكينة الروحية. وهذا الأمر تحققه الأسرة للإنسان، تحققه للرجل والمرأة معاً.

ثمّ تأتي الجملة التالية وهي جميلة جدّاً وجذّابة حين يقول تعالى:

(وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً).

إذاً فالعلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة هي علاقة المودّة والرحمة، علاقة المحبة والعطف، أن يحب كلّ واحد منهما الآخر، أن يعشق كلّ واحد منهما الآخر، أن يحنّ كلّ منهما إلى الآخر. ولا تجتمع المحبة والاحترام مع العنف، ولا يقبل وجود حنان دون محبّة.

إنّ الطبيعة الإلهية للرجل والمرأة في جوّ الأسرة هي طبيعة علاقة الحب والحنان بين الرجل والمرأة: مودّة ورحمة فإذا تغيّرت هذه العلاقة، وإذا أحسَّ الرجل في البيت أنّه المالك، وإذا نظر إلى زوجته نظرة المستخدمة ونظرة استغلال، فذلك ظلم، ومع الأسف فإنّ الكثيرين يرتكبون ذلك الظلم.

... البعض يظن أنّ مشكلة المرأة في عدم تصدّيها للأعمال الكبيرة والخوض في الضجيج، ليست تلك هي مشكلة المرأة، فحتى المرأة التي تتولّى عملاً كبيراً فهي تحتاج إلى جوّ آمن داخل أسرتها، وتحتاج لزوج حنون ومحب، وتحتاج إلى زوج يمثل لها الركن الذي تطمئن إليه عاطفياً وروحياً، فتلك هي طبيعة المرأة، وتلك هي حاجاتها العاطفية والروحية، ولابدّ من تأمينها.

 

ضرورة إحساسها بالأمن:

إذا استطعتن أن تساهمن في وضع قوانين وقرارات تجعل المرأة تحسُّ بالأمن في بيت زوجها فهو أمر حسن جدّاً.

فالإنسان يربِّي ابنته بمشقّة كبيرة وبمحبة وعطف من الوالدين، فتصبح شابّة، لكنها تعدُّ في بيت والدتها طفلة، ثمّ تذهب إلى بيت زوجها، فيتوقع منها أن تكون سيدة، تفهم كلَّ شيء، وتقوم بكلِّ شيء، وتعرف كلَّ شيء، حتى إذا بدر منها أي خطأ، تعرَّض لها! يجب أن لا يحصل ذلك.

اسعين إلى أن تحسَّ الفتاة بالأمن عندما تذهب إلى بيت زوجها مهما كان سنُّها. وأن تحسَّ بأنها لن تتعرَّض للقسوة، إن استطعتنَّ تأمين ذلك وتحقيقه فإني اعتبر ذلك أهم خطوة تخطونها، أن لا يتعرضن لسماع الكلام القاسي، وإذا سمعت ذلك يمكنها أن تدافع عن حقِّها، فإذا تحقق ذلك فإنّ عملاً مهماً يكون قد أنجز. إنّ جلّ همتي وأكثر قلقي منصرف لتأمين ذلك، وأرى أنّه غير مؤمَّن حالياً، حتى داخل الأسرة المؤمنة والمتقية، وليس داخل السر العصرية. قبل عدّة سنوات جاءتني طبيبة تشكو لي زوجها غير المثقّف لأنّه يعنِّفها، وقد عجزت عن الدفاع عن نفسها. وتوجد نماذج كهذه الآف مع الأسف.

استعنَّ لمعالجة الأمر بالقوانين والقرارات إن استطعتن ذلك. وقد ذكرت آنفاً أنّ سبب ذلك التعنيف هو ضعف المرأة جسدياً في مقابل الرجل، ولابدّ من معالجة الأمر بالمعرفة والثقافة من جهة، وبالقانون من جهة أخرى، أي يجب أن توضع وسائل القوّة بيد المرأة، تلك الوسائل من جهة تشكِّل المعرفة والثقافة اللذين يمنعان تعرُّض المرأة للظلم، ومن الجهة الأخرى القانون. فإذا تمّ تأمين الأمرين كان خيراً.

ارسال التعليق

Top