• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أطفالنا وقوّة الاختيار

أطفالنا وقوّة الاختيار

عندما تقول لطفلك الذي يلعب مع أصدقائه: "إصعد إلى البيت الآن"، فهناك احتمال كبير أن يقول لك: "لا أريد ذلك، أنا لم ألعب بعدُ، اتركني وقتاً أطول"، والأفضل في مثل هذه الحالة أن تتعامل مع طفلك بطريقة الاختيار المحدد، فتقول لطفلك: يا كابتن عمر، هل تريد الصعود الآن أم بعد عشر دقائق؟ وهنا سيضعف احتمال أن يرفض طفلك الصعود، لأنّه سينشغل بعملية صنع القرار وطبعاً سيختار بعد عشر دقائق، وسيشعر حينها بأنّك أب حنون وأنّه يتمتع بالقوّة ويتحكم في صنع القرار، وطريقة الاختيار (المحدد) تصلح مع الصغار والكبار، فالصغير سينشغل في الاختيار باحثاً عن المكسب، والكبير سيسعده الاختيار لأنّه سيشعر أنّه مشارك في الطريقة التي تسير بها حياته...

 

لا تقدم اختيارات زائفة:

عندما نتحدث عن موضوع تقديم الخيارات للطفل؛ يقول الآباء والأُمّهات: هذا موضوع نعرفه ونمارسه هيا ننتقل إلى موضوع آخر، إنّهم لا يدركون أنّهم قد استخدموا الخيارات بصورة فاشلة، لقد استخدموا خيارات زائفة عند قولهم: "يمكنك أن ترمي القمامة أو تتم معاقبتك"، أو "يمكنك أن تغلق التلفزيون أو ستُحرم من العشاء"، أو "إصعد إلى البيت أو سأغلق الباب عليك"، هذه جميعاً اختيارات زائفة لأنّ الآباء والأُمّهات يقومون بتقديم خيار واحد (جيِّد)، ويقدمون اختياراً آخر (سيِّئاً)، وهذا بقصد إرغام الطفل الذي لا يجد أمامه مفرّاً... أما عندما تقدم لطفلك اختيارين جيدين، فأنت تمنحه الفوز في كلتا الحالتين، ومع أي الخيارين سيكون رابحاً...

 

اجعله صاحب الاختيار:

إنّ الاختيار المحدد يعني تقديم خيارين لطفلك (وكلّها جيدة ومناسبة)، ويجب عليه أن يختار أحدهما، ويساعد تقديم الخيارات على فتح قنوات التواصل بينك وبين طفلك، والاختيار يعطي طفلك قليلاً من التحكم في حياته اليومية، وفي الوقت نفسه تكون أنت من يحدد اختياراته، إليك بعض الأمثلة:

·      عندما تريد من طفلك أن يرتدي البيجاما لينام، فتقول: أي البيجامتين تختار الحمراء أم المخططة؟ وذلك بدلاً من قولك: لقد حان الوقت لارتداء البيجاما.

·      عندما تريد من طفلك أن يفرّغ محتويات سلة القمامة، فتقول له: هل ستفرغ سلة القمامة الآن أم بعد تناول الإفطار؟ بدلاً من قولك: هيا لتفرغ سلة القمامة.

·      عندما تريد من طفلك أن يرتدي حذاءه ليذهب إلى المدرسة، فتقول له: هل تريد أن ترتدي حذاءك بمفردك أم تريدني أن أساعدك؟ وذلك بدلاً من قولك: هيا ارتدِ الحذاء.

·      لكي تجعل طفلك يذهب للفراش مبكراً قل له: إذا ذهبت للفراش الآن سيكون عندنا وقت للحدوتة والحوار، أما لو ذهبت بعد نصف ساعة فستنام وفقط، فماذا تختار؟ وفي البداية قد يختبرك طفلك فيؤجل الذهاب للفراش أملاً في أن يذهب متأخراً نصف ساعة، وبعد التحايل سيجعلك تحكي له الحدوتة، وهنا يجب عليك أن تصمم على ما اختاره وتنفذه حسب اتفاقكما، وهكذا سيعلم أنّ بابا (أو ماما) عند وعده تماماً...

·      عندما يكون طفلك عند زيارة أحد الأقارب كجده أو عمه، ويكون مستمتعاً باللعب مع الصغار، فلا تخبره فجأة أنّنا يجب أن ننصرف، فهنا سيبكي ويطلب منك البقاء وتحدث المعركة، وبدلاً من ذلك قل له قبل موعد انصرافك الذي تريده بربع ساعة: ما رأيك يا هشام ننصرف الآن أم بعد ربع ساعة، وبالطبع سيقول بعد ربع ساعة، فقل: وماذا لو بكيت حينها؟ فسيقول: خذني رغماً عني، فقل له: اتفقنا، وفي الموعد المحدد قل: هيا يا هشام لقد استمتعت ربع ساعة إضافية، فإن سار بهدوء امدحه وقل له: أنت رجل عند كلمتك، وكافئه، أما إن رفض فانصرف رغماً عنه وخذه معك مهما بكى...

·      عندما تريد من طفلك أن يأخذ حماماً تقول له: هل تريد أن تأخذ حماماً الآن أم بعد ربع ساعة (15 دقيقة)؟

·      وفي حالة الواجبات المدرسية يمكنك منح الخيارات التالية: هل تريد أن تكمل ورقة النشاط بالقلم الرصاص أم بالقلم الجاف؟ هل تريد أن تقوم بحل المسائل الزوجية أم الفردية أوّلاً؟

·      وعندما تكون في الشارع ويرفض طفلك الصعود لأنّه يريد اللعب مع أقرانه، فيمكنك أن تقول له: هل تريد أن تصعد للبيت سيراً أم نعمل سباقاً بيننا في صعود السلالم؟

·      عند عبور الشارع تقول لطفلك: عليك أن تمسك بيدي عند عبور الشارع فهل تمسك بيدي اليمنى أم بيدي اليسرى، أيهما تختار؟ وعندما يختار ويمسك بيدك قل له: لقد اخترت يدي اليمنى، وأنا أحب الإمساك بيدك، داعبه بإصبعك في ظهر كف يده.

يشعر الكثير من الأطفال بارتياح عند امتثالهم لطلبك إذا ما كان لديهم مساحة من التدخل والاختيار، وعندما يقرر طفلك اختياره أثن عليه بعبارة بسيطة مثل: "اختيار جيد، بارك الله فيك"، وعندما ينفذ ما اختاره امدحه وشجعه... وقد يقترح طفلك خياراً ثالثاً، وعليك أن تفكر فيه فإن كان جيداً وافق عليه، وإذا لم يكن خياراً جيداً فاعرض عليه خياراتك مرة أخرى... وقد يتحداك طفلك بأن يرد قائلاً: إنّني لا أريد أن أفعل كلا الأمرين اللذين تعرضهما عليَّ، فإذا فعل ذلك؛ ينبغي عليك أن تعيد عليه العرض مرة أخرى، فإذا استمر في رفض الاختيار، عليك أن تقول له: هل تحب أن تختار أم أختار لك؟ فإذا استمر في رفض الاختيار، فربما تكون مضطرّاً لأن تقول له: "إذاً فإنني سوف أختار نيابة عنك"، حافظ على هدوئك وقدم الثناء عندما تتوصل في النهاية إلى اتفاق... لاحظ معنا المثال التالي:

الأب: خالد؛ إنّ الطقس بارد إلى حد ما الليلة، فهل تريد أن ترتدي معطفك أم الجاكيت الخاص بك؟

خالد: لا أريد أن أرتدي أيّاً منهما.

الأب: المعطف أم الجاكيت؟

خالد: إنّني أريد أن أرتدي أيّاً منهما، فأنا لا أشعر بالبرد.

الأب: إذا كنت لا تستطيع أن تختار، فسوف أختار نيابة عنك.

خالد: حسناً، ماذا عن القميص الصوف؟

الأب: جميل أن ترتدي هذا القميص فهو سوف يدفئك يا خالد، بارك الله فيك...

وهناك مشكلة مألوفة في طرح الاختيارات على الطفل، وهي أن يقوم الطفل بطرح خيار مختلف عما تحدده له، على سبيل المثال: تقول لابنك يحيى: هل تريد أن ترتدي ملابس النوم أن تغسل أسنانك أوّلاً؟ فيرد يحيى قائلاً: أريد مشاهدة التلفاز، حينئذٍ يمكنك أن تبتسم وتقول: لم يكن هذا ضمن الخيارات، ثم ابتسم مرة أخرى وكرر كلامك: هل تريد أن ترتدي رداء النوم أوّلاً أم تغسل أسنانك بالفرشاة؟

أيها المربي الكريم؛ إنّ منحك الاختيارات للطفل يعني أن تسمح له بأن يقوم بمعظم التفكير، وأنّك تعطيه مفتاح عربة السيطرة، وهذا شيء يرغبه كلّ طفل، وإعطاء الطفل بعض السيطرة غالباً ما يخدم هدفاً آخر وهو أنّك تعطيه نموذجاً في المرونة واحترام الآخر لكي يقتدي بك ويفعل مثلك، إنّنا غالباً ما نفشل في إعطاء اختيارات لأنّنا نقع تحت ضغط الوقت والإجهاد وننسى أنّ كلّ اختيار بسيط نمنحه للطفل يمكن أن يجعله مطيعاً ومتفاهماً إلى حد كبير مما يوفر علينا الكثير من الوقت والجهد، وهناك قانون تربوي رائع يقول: كلما كثرت الخيارات كلما قلت الصراعات...

كيف تقدم الخيارات لطفلك؟

هناك خطوات لكي تنجح في تقديم الخيارات لطفلك وهي:

1-  حدّد موقفاً يعاندك فيه طفلك يرفض تنفيذ أمرك وينتهي الأمر بصراخ وضرب ومعركة.

2-  حدد الخيارات المناسبة التي يمكن تقديمها لطفلك في هذا الموقف، واختر منها اثنين فقط...

3-  تخيل الموقف وتدرب على الكمالات التي ستقولها لطفلك جيداً، وتوقع كلّ ردود أفعاله، وفكر كيف يتتصرف مع كلّ منها...

4-  عند حدوث الموقف، سمِّ الله وتوكل عليه واستعن به، وابدأ بإخبار طفلك "إنّ لديك اختياراً" بصوت متفائل، فأسلوبك الجيد سيخفف من حدة الموقف.

5-  اذكر الاختيارين اللذين ابتكرتهما لكي تحقق هدفك، فقل "يمكنك أن ...... أو ......".

6-  اختم العملية بأن تطلب من طفلك تحديد اختياره، فيمكنك أن تسأله ما هو اختيارك؟ وإذا تردد طفلك كرر له عرضك وقل ببساطة ...... أم ......، القميص الأخضر أم الأبيض؟ فإذا لم يختر الطفل وتهرب قائلاً: أريد اللعب مثلاً، فعليك بتكرار الاختيارين مرة ثانية بهدوء وبكلّ ثقة: الأخضر أم الأبيض؟ وإذا رفض كرر الاختيارات بهدوء مرة بعد مرة...

7-  إذا اختار الطفل فامدح اختياره وأثنِ عليه، وإذا رفض فقل له: أمامك فرصة أخيرة، وعليك أن تختار أنت أو سأختار أنا نيابة عنك...

الطفل المتردد "موقف للنقاش":

طلبت والدة "سمية" منها وهي في المطبخ أن تختار بين تناول الحليب أو العصير، فاختارت سمية الحليب، وعلى الطعام عندما أحضرت أُمّها الحليب، قامت سمية بدفعه بعيداً وقالت: "لا، بل أرغب في تناول العصير"، وكان من الطبيعي أن تشعر الأُمّ بالغضب وكانت مستعدة لأن تسكب المشروبين فوق رأسها.. فماذا تفعل الأُمّ في تلك الحالة؟ وما العمل مع الطفل المتردد الذي تقدم له اختيارين "أ" و"ب"، فتارة يختار "أ"، ثم يعود ليختار "ب"، وهكذا...

الطفل المتمرد "موقف للنقاش":

طلب والد "خالد" منه أن يختار بين الصعود إلى البيت سيراً أم يحمله، فما كان من خالد إلّا أن قال: لن أصعد سأبقى للعب عند جدي، فكرر أبوه طلبه وقدم له الخيارين: هل تريد أن تصعد للبيت سيراً أم حملاً؟ فرد خالد: سأبقى هنا، فكرر الوالد كلامه: سيراً أم حملاً؟ فرد خالد: سأبقى هنا، وتأزم الموقف وتمنى الوالد أن يصفع ابنه على وجهه لكنه قاوم نفسه واختار ماذا يفعل، فبماذا تنصح هنا والد خالد؟ وماذا تفعل مع الطفل الذي تقدم له خيارين "أ" و"ب" ليختار منهما، فتجده يختار خياراً ثالثاً وهو "ج"؟

 

الخبير تربوي عبدالله محمّد عبد المعطي

المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟

ارسال التعليق

Top