• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العقل بين القرآن واللغة

العقل بين القرآن واللغة
لجأ اللغويون إلى القرآن الكريم ليجمعوا من آياته المعاني المقصودة بالعقل، وكذلك المرادفات اللغوية التي تشير إليه وتتفرع منه. وفي القرآن الكريم (واللغة) يطلق التعقل ويراد به معانٍ كثيرة منها: التثبت في الأمر، والإمساك والاستمساك، والامتناع. يقال: عَقَلْتُ الناقة، إذا منعتها من السير. ومن هذه المعاني الشد، يقال عَقَلَ الرجل، إذا كف نفسه وشدها عن المعاصي. وكل ما ذُكر من معانٍ غير ما طرحنا يندرج تحت ما سبق ولا تزيد عليه. ولعل هذه المعاني أو الوظائف تتحدد بصورة أدق في الألفاظ الأخرى التي وردت في القرآن الكريم عن العقل، ومنها: الحِجْر: ورد مرة واحدة، وقد قيل للعقل حِجْر لكون الإنسان في مَنَعَة به ما تدعو إليه نفسه. النُّهيْة: وردت مرتين بصيغة الجمع (النُّهى)، وهو العقل الناهي عن القبائح. الأحلام: يقال فيها ما قيل في الحِجر والنُهى. اللب: ورد بصيغة الجمع (أولو الألباب)، وهو العقل الخالص من الشوائب، واللب نوع راق من العقل البشري، يمتاز بالرفعة والخصوصية. الفؤاد والقلب: قد يراد بـ"الفؤاد" و"القلب" العقل والإدراك والتفهم والاعتبار، وقد يراد بكل منهما معنى خاص به. وقد ورد القلب في القرآن الكريم أكثر من مائة وثلاثين مرة، وورد كل من الفؤاد واللب ست عشرة مرة.

 

وبالنظر في الآيات الوارد فيها ما سبق من الاصطلاحات، يمكن أن نقول، إنّ العقل يطلق في اللغة العربية ويراد به جانبان؛ جانب سلوكي أخلاقي، وهو الجانب العملي، وهذا الجانب يطلق عليه "الحِجْر" و"النُّهية" و"الحلم". وجانب إدراكي نظري، وهو ما يراد بـ"اللب" و"القلب" و"الفؤاد".

ويمكننا من سياق الآيات أن نعتبر أنّ القلب واللب والفؤاد مستويات إدراكية يختلف بعضها عن بعض. فالفؤاد هو غشاء القلب، واللب سويداؤه وحبته. ويمكن الإشارة إلى ما اُختص به القلب وهو الفقه، وما اُختص به اللب وهو التذكر، وما انفرد به الفؤاد وهو الرؤية. من الجولة اللغوية السابقة، يتضح أنّ القرآن الكريم يتبنى مفهوماً يعتبر أنّ الإنسان قد زُوِّد بجهاز إدراكي معرفي بالغ التعقيد، يقوم بوظيفتين رئيسيتين هما؛ الإدراك والمعرفة والعلم، والإيمان وما يتصل به من عاطفة ووجدان وإرادة، وأن جوهر هذا الجهاز هو العمليات العقلية.   المصدر: كتاب (صارَ المخُّ عقلاً)

ارسال التعليق

Top