• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإيمان في القرآن.. ممارسة حياتية

الإيمان في القرآن.. ممارسة حياتية

الإيمان في القرآن ليس عملاً غيبياً لا مظهر له في الواقع الإنساني، بل هو ممارسة حياتية لا يجد القرآن تعبيراً أكثر تركيزاً ودقة عن هذه الممارسة من كلمة العمل الصالح. ولذلك يتكرر في غير ما آية وفي غير ما موضوع اقترانُ الإيمان بالعمل الصالح تأكيداً لفكرة أساسية في القرآن وهي أنّ الإيمان لا يكون إيماناً حقاً إلا إذا تجلى فعلاً في العمل الصالح. عشرات الآيات تقرن الإيمان بالعمل الصالح، وبعضها يكمل بعضاً فكأنّ العمل الصالح يوضح معنى الإيمان في كلِّ منها. وهذه نماذج منها:

·      (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأنعام/ 48).

·      (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام/ 82).

·      (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (هود/ 23).

·      (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97).

·      (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا) (الكهف/ 1-3).

·      (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) (مريم/ 59-60).

·      (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا) (طه/ 112)، ومثلها آية الأنبياء:

·      (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) (الأنبياء/ 94).

·      (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) (الحج/ 14).

·      (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا...) (النور/ 55).

·      (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) (القصص/ 67).

·      (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ) (القصص/ 80).

·      (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) (العنكبوت/ 7)، ومثلها آيات 9 و58 من نفس السورة و15 و45 من سورة الروم و8 من لقمان و8 من فصلت و30 من الجاثية و29 من الفتح و25 من الانشقاق و11 من البروج و6 من التين و7 من البيِّنة.

·      (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...) (ص/ 24)

·      (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص/ 28).

·      (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد/ 17).

·      (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).

وهكذا نرى أنّ القرآن جعل الإيمان مقروناً في الغالب بالعمل الصالح: يُجمِله أحياناً لأنّ السلوك الطيب الصالح كلّه في جميع صور الحياة يكمل فكرة الإيمان. ويفصله أحياناً اتباعاً لسياق الآية وموضوعها، فيخصص عملاً صالحاً بعينه كالتواصي بالصبر والحقِّ والمرحمة في آيات البلد والعصر، وكالبعد عن الظلم في آية الأنعام والبعد عن البغي في آية ص.

ثمّ هناك صور متعددة للعمل الصالح الذي يكمل الإيمان: هناك العمل الصالح المقترن بالإخْبَات والاطمئنان إلى الله، وهناك العمل الصالح الذي يأتي بعد توبة أو بعد ارتكاب السيئات.

والتقديم والتأخير بين الإيمان والعمل الصالح في الآيات المختلفة لا يستهدف التنويع البلاغي بمقدار ما يستهدف تصوير النماذج المختلفة من البشر الذين يأتي العمل الصالح تكميلاً لإيمانهم، أو يأتي الإيمان تكميلاً لعملهم الصالح. أغلب الآيات كما رأينا تقدم الإيمان على العمل الصالح، ولكن بعضها (آية مريم مثلاً) تقدم التوبة على الإيمان وبعضها تقدم العمل الصالح كآية الأنبياء مثلاً. وهدف القرآن من تقديم الإيمان مثلاً التأكيدُ على أنّ الإيمان النظري أو القلبي وحده لا يكفي بل لا يعتبر إيماناً، فلابدّ إذن، لتكمل الصورة، من العمل الصالح. وهدفه من تقديم العمل الصالح – في أي صورة كان هذا العمل – التأكيدُ على أنّ السلوك المستقيم وحده لا يكفي، بل لابدّ من الإيمان حتى تكمل صورة النموذج.

وتكمل الصورة أيضاً بالمقابلة من المفسدين مثلاً في آية ص وبالجزاء بالجنة أو الأجر أو التكفير عن السيئات أو الصلاحية للاستخلاف في الأرض.

 

المصدر: كتاب صراع المذهب والعقيدة في القرآن

ارسال التعليق

Top