• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مزاياه الدعاء الروحيّة

مزاياه الدعاء  الروحيّة

الدعاء من مستلزمات العبادة إذ هو الصلة التي تربط بين الإنسان وخالقه. والدعاء فطري في الإنسان فهو يشعر بحنين إلى الله يفزع إليه عند الشدائد، ويتضرع إليه في كشف السوء عنه، فهو ضعيف أمام أحداث الحياة لا يجد سنداً لضعفه غير الدعاء، لذلك أمر الله المؤمنين بالدعاء بقوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60). ففي هذه الآية وصف الله الدعاء بأنّه عبادة يستحق من يستكبر عنها غضب الله.

الدعاء علاج نفسي: والدعاء علاج نفسي لكثير من أمراض النفس، فالإنسان بطبيعته محتاج في حل مشكلاته لأن يفضي بدخيلة نفسه إلى صديق حميم يخفف عنه بعض ما يشعر به من الهم والحزن، وقد أجمع الأطباء النفسيون على أنّ علاج التوتر العصبي والآلام النفسية إنما يتوقف إلى حدٍّ كبير على الإفضاء بسبب التوتر ومنشأ القلق إلى صديق مخلص، لأنّ كتمانه مما يزيد في المرض.

فإذا أفضى الإنسان المحزون إلى ربّه ما يعانيه، وطلب منه ما يبتغيه فإنّه يشعر بطمأنينة ونفحة روحية تنشله مما هو فيه من الهم والضيق، وذلك لأنّ الإيمان يقتضي الاعتقاد التام بأنّ الله قريب منه مجيب دعوته كما أخبر بذلك القرآن: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186).

الدعاء في السراء والضراء: والدعاء الذي يطلبه الإسلام هو أن يكون في السراء كما يكون في الضراء، لأنّ ذلك أدعى للإنسان أن يكون على الدوام متذكراً ربّه، مستجيباً لأوامره؛ محققاً معنى العبودية له، فإنّ الإنسان بطبيعته يلجأ إلى ربّه عند الشدة ولكن ما أن يكشف الله عنه ما به من ضر حتى ينسى الله ويغيّر بقوته فيؤدي به إلى الإعراض عن أوامر الله والإفساد في الأرض. وقد وصف الله هذه الحالات التي تنتاب كثيراً من الناس ليحذر المؤمنين من الوقوع في الجحود والنكران له. قال سبحانه: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) (فصّلت/ 51).

وقال أيضاً: (وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (يونس/ 12).

وقال سبحانه ممتناً على بعض خلقه الذين يتعرضون لخطر الغرق ثمّ ينجيهم من فضله: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يونس/ 22-23).

لهذا يجمل بالإنسان أن لا يعصي الله بعد أن أنقذه من الهلاك، بل ينبغي أن يجعل من ذلك الخطر الذي وقع فيه حافزاً دائماً لعبادة الله وطاعته.

الدعاء للسمو الروحي: وقد شرع الإسلام الدعاء أيضاً الروحي والترفع عن شهوات الجسد الضارة والعروج به في معارج الكمالات، بجانب ما يطلبه الداعي من فضل الله وتسير أموره وكشف الضر عنه، ولهذا يعلم الله المؤمنين كيف يدعونه بما ذكره على لسان أنبيائه والصالحين.

(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم/ 40).

(رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) (الأحقاف/ 15).

(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران/ 8).

(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 286).

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف/ 23).

(رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (المؤمنون/ 94).

(رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (يونس/ 85).

(رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) (الكهف/ 10).

(رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (طه/ 25-26).

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً) (البقرة/ 201).

هذه بعض الأدعية قصّها الله علينا لندعو بها وبمثلها في فترات الزمن القاسية طلباً للترقي الروحي.

فضل الدعاء: تضافرت الأدلة على فضل الدعاء، وتأييداً لذلك ننقل ما جاء في مجلة المختار من ريدرز دايجست تحت عنوان: (ألا تؤمن بالصلاة والدعاء). ".. وكان أحد العلماء النفسانيين يتكلم في "معجزات" الحرب التي كثرت الكتابة عنها، فصور الأمر على النحو الآتي، قال: "يمكن أن نشبه رحمة الله بمولد كهربائي وفي وسعنا أن نستمد قوة من هذا المولد إذا وصلنا أنفسنا به بدعاء الله، أو نستطيع أن نثبت أنّه لا أثر له في حياتنا بأن نرفض أن نصل أنفسنا به بالدعاء فنحن وما نختار".

"... واليوم تتدفق الأدلة، التي لا تنقض من كلّ ناحية، على فضل الدعاء فقد حدث أنّه لما اضطر الماجور (الن لندبرج) وهو يقود إحدى القلاع الطائرة إلى النزول في البحر في طريقه إلى استراليا، أن ساد الاعتقاد بأنّه هو والتسعة الذين معه قد فقدوا.

وفي هذا يقول (الماجور لندبرج): "تمكنا من الخروج على طوقين من المطاط وكدنا لا نفعل، ولم تكن معنا كسرة من خبز أو قطرة من ماء، وكان رجال الطائرة كلّهم قلقين إلّا الشاويش (ألبرت هرناندز) المدفعي الخلفي، وقد عكف من فوره على الدعاء والابتهال، وسرعان ما راعنا بقوله: أنّه يعرف أنّ الله قد استمع إليه وأنّه سيساعدنا".

وظلوا يهيمون تحت شمس محرقة، وقد تشققت شفاههم وورمت ألسنتهم فعجزوا عن مجاراة هرناندز في التهليل والتسبيح، ولكنهم كانوا يددعون الله مع ذلك وبعد ثلاثة أيّام، وقبل دخول الليل لمحوا معالم جزيرة صغيرة، وما لبثوا أن شاهدوا ما لم يكن يجري لهم في خلد، فأقبلت عليهم ثلاثة زوارق فيها رجال عراة الأجساد، واتضح أنّ منقذيهم من أهل استراليا الأصليين وهم صيادون سود الأجسام منفوشو الرؤوس، وقد جاءوا من داخل البلاد على مسافات مئات الأميال، وقالوا للندبرج انّهم كانوا يهمّون في اليوم السابق بالرجوع بصيدهم إلى محلتهم، ولكنهم أحسوا بدافع غريب إلى تغيير اتجاههم فجاءوا بزوارقهم إلى هذا الشاطئ المرجاني المهجور الذي لا قيمة له، وهناك لمحوا لندبرج وزملاءه... .

هذه هي فائدة الدعاء الذي فيه الفرج للنفوس التي أشرفت على الهلاك والذي يمحو الخوف ويهب الطمأنينة للنفس، وما أصدق ما قاله (كاريل): "انّ الصلاة والدعاء وهما أعمق موارد قوتنا وكمالنا، قد أهمل صلاحهما إهمالاً شائناً".

 

المصدر: كتاب رُوح الدين الإسلامي

ارسال التعليق

Top