• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصوم.. مزايا خيرة وفضائل عظيمة

عمار كاظم

الصوم.. مزايا خيرة وفضائل عظيمة

خص الله عزّ وجلّ شهر رمضان بمزايا خيرة، وفضائل عظيمة، فجعله شهر الإيمان والتقوى، وشهر الفرقان والهدى، وضاعف فيه ثواب الأعمال ورفع فيه الدرجات. قال تعالى في (الآية 185 من سورة البقرة): (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...) (البقرة/ 185). فطوبى لمن صامه إيماناً وإحتساباً لثواب الله، وإجتنب به النار إجتناباً، فكان في نهاره من الذاكرين، وعلى جوعه وعطشه من الصابرين، وكان في ليله من العابدين الشاكرين، فإنّ الله تعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه، قال رسول الله (ص): "مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". فالصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره من الأعمال، فهو سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه غيره، لأنّ الإنسان يكون مع الناس، يذهب ويأتي، ويدخل ويخرج، ولا يعرف حقيقة صيامه ونيته إلا الله تعالى، فلذلك كان الإنسان في صومه أعظم إخلاصاً فيصل بذلك إلى مرتبة الإحسان، حيث يعبد الله كأنه يراه. فالصوم، حضانة ربانية، إذ إن جميع العبادات تُوفى منها مظالم العباد إلا الصيام. فقد جعل الله سبحانه وتعالى الصوم له، وعمل ابن آدم الآخر، أي غير الصوم، لابن آدم. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنّه لي" ومعناه إذا كان يوم القيامة وكان على الإنسان مظالم للعباد، فإنّه يؤخذ للعباد من حسناته إلا الصيام، فإنّه لا يؤخذ منه شيء. لأنّه لله عزّ وجلّ وليس للإنسان، وهذا معنى جيِّد أنّ الصيام يتوفر أجره لصاحبه ولا يؤخذ منه لمظالم الخلق شيء. إنّ الصوم إشتمل على أنواع الصبر الثلاثة، ففيه صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله. أمّا الصبر على طاعة الله، فلأن الإنسان يحمل نفسه على الصيام مع كراهته له أحياناً، يكرهه لمشقته، لا لأنّ الله تعالى فرضه، إذ لو كره الإنسان الصوم لأنّ الله تعالى فرضه لحبط عمله، لكنه كرهه لمشقته، ومع ذلك يحمل نفسه عليه، فيصبر على ترك الطعام والشراب والجماع، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".  وأما الصبر على المعصية، وهذا حاصل للصائم، فإنّه يصبر نفسه عن معصية الله عزّ وجلّ، فيتجنب اللغو والرفث والزور وغير ذلك من محارم الله تعالى.    وأما الصبر على أقدار الله، وذلك أنّ الإنسان يصيبه في أيام الصوم – ولا سيما في أيام الصيف الحارة والطويلة – من الكسل والملل والعطش ما يتألم ويتأذى به، ولكنه صابر لأن ذلك في مرضاة الله. فلما إشتمل الصوم على أنواع الصبر الثلاثة كان أجره بغير حساب، قال الله تعالى: (.. إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (سورة الزمر/ 10). فإذا إستشعر الصائم هذا المعنى العظيم إنبعث إلى مراقبة الله – عزّ وجلّ في شؤونه، فالذي يطلع عليه في صيامه مطلع عليه في جميع أحواله. وهذا سر بديع، ودرس عظيم تفيد منه الأمة بعامة، ويفيد منه الأفراد بخاصة، فإذا ألف المرء أن ربه يراقبه، وإستحضر شهوده وإطلاعه، فإنّ المجتمع يأمن بواقعه لا محالة، ويستريح من كثير من شروره. وإذا راقب الإنسان ربه، واحترمه في خلواته، ثبته الله وأظهر فضله بين العباد. لذلك على المسلم مع حرصه على أداء الصوم على الوجه المطلوب، ومحاولاته تحصيل تقوى القلوب والنفوس وصحته، أن يحرص أشد الحرص على كسب الإخلاص ظاهراً وباطناً، واستحضاره في سائر أعماله وأحواله وأقوالهم، ودوام المراقبة لله عزّ وجلّ في ذلك، وحسن المعاملة معه ومع الخلق في الظاهر والباطن، إذ المسلم بحاجة دائمة إلى مراقبة نفسه وتنقيتها من الشوائب، وتنزيهها عن كل ما يقعدها عن الالتحاق بركب عباد الله الصالحين، فالمراقبة والمحاسبة ضرورة في تقدم العبد نحو النجاح والفلاح، وسموه الروحي، وهي أحب ما تكون في أربعة مواطن كما قال أهل العلم والتزكية، في ما بين الإيمان والكفر، وبين التوحيد والشرك، وبين الإخلاص والرياء، وفي ما بين الصدق والكذب. فعلى المسلم أن يصحح باطنه بالمراقبة والإخلاص والمجاهدة، ليزين الله ظاهره وباطنه بالهداية والإحسان.

اللهم هذا شهر رمضان قد أظلنا فأكرمنا فيه بطاعتك، واختمه لنا بمغفرتك ورضوانك، وارزقنا فيه حسنة تقبلها منا، وزكها وضاعفها لنا، وما عملنا من سيئات فاغفره لنا، إنك غفور رحيم ودود كريم.

ارسال التعليق

Top