• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المكانة المميزة لشهر الخير والغفران

عمار كاظم

المكانة المميزة لشهر الخير والغفران

لشهر رمضان مكانة خاصة في حياة هذه الأمة، مكانة تاريخية وعقائدية هامة، مكانة تجللها القدسية، وتحيطها أجواء روحية ونفسية خاصة،.. فهو شهر صنعت فيه أمتنا،... وهو شهر نزل فيه القرآن: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...) (البقرة/ 185). القرآن الذي هو مصدر دين المسلمين، ومبعث قوتهم، ومنبع مجدهم وحضارتهم. وشهر رمضان هو شهر سجل فيه المسلمون أروع أحداث التاريخ في حياتهم العقائدية والتاريخية،.. ففي هذا الشهر وقعت معركة بدر الكبرى،.. المعركة الفاصلة التي انتصر فيها الإسلام على خصومه، وسجل مرحلة انتقال خطيرة في وجوده وانتصاره وصار للمسلمين كيان يحترمه الأعداء، ويهابه الكفار، ويبعث في نفوس المؤمنين القوة والأمل. وفي شهر رمضان دك المسلمون أقوى حصون الشرك والفساد، وحطموا أشد قلاع الوثنية والضلال، في مكة المكرمة، وأنهوا مرحلة حاسمة من مراحل صراع الدعوة الإسلامية مع خصومها، فحرروا أقدس بقاع الأرض،.. وأطهر وأشرف بيت وضع للعبادة من أرجاس الكفر والوثنية،.. فعادت مكة مشرقة بوجهها الإيماني المقدس.. كعبة للمسلمين، وقبلة للمصلين. وفي رحاب شهر رمضان تحتل ليلة القدر مكانها... ليلة القدر التي هي خير ليلة مقدسة في حياة هذه الأمة، والتي وصفها القرآن بقوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كلّ أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر) (سورة القدر). فأجواء شهر رمضان ، ومناسباته وأيامه ولياليه ، بما فيها من أحداث ومعان وذكريات ، تصنع كلها فصلاً تاريخياً وروحياً خاصاً في حياة الأمة، وبشكل يشدها إلى تاريخها وعقيدتها، وأسباب التقديس فيها. وفي شعائر شهر رمضان يستشعر الصائم إيحاءات روحية ونفسية كثيرة، .. يستشعر منها الاحترام لمشاعر الأمة المسلمة وشعائرها، والحماية لمقدساتها.. لأن في شعائر شهر رمضان معاني كثيرة تميز شخصية الأمة، وتحدد هويتها، وتسبغ عليها جواً خاصاً من الأحاسيس، والسلوك والوعي،... يدفع بالمسلم إلى مد هذا الجو الرمضاني العبق، ليشمل حياة الصائم كلها،... وعلى امتداد شهور العام وتعاقبها. وقد عظم المسلمون الأوائل قدسية هذا الشهر، وأحاطوه بما يناسب دوره في حياة المسلمين من قدسية، وعناية، واستعداد... فهو شهر الصوم. وهو شهر العبادة والدعاء. وهو شهر العفو والمغفرة. وهو شهر الحب والسلام. وهو شهر العفو والتسامح. وهو ربيع الحياة، وخصب النفوس، ومغتسل الروح والجسد،.. وكان رسول الله (ص) يعظم هذا الشهر، ويقدسه ، ويعد المسلمين ويهيئهم للإستعداد له قبل حلوله، فكان إذا قرب شهر رمضان جمع المسلمين، وخطب فيهم، مصوراً لهم ما ينبغي أن تكون عليه صورة هذا الشهر، وصيغة الحياة  فيه، وكيفية الاستعداد له، والعيش في رحابه،.. فقد روى الإمام علي بن موسى الرضا (ع) عن آبائه عليهم السلام عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) أنه قال: إن رسول الله (ص) خطبنا ذات يوم فقال : (أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده.. يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه. أيها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزانكم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه  قيل: يا رسول الله، فليس كلنا نقدر على ذلك، فقال (ص): "أتقوا النار ولو بشق تمرة ، اتقوا الله ولو بشربة من ماء" . أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازاً على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه، خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره، كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه، قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فرضاً، كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ومن أكثر فيه من الصلاة علي، ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ومن تلا فيه آية من القرآن، كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور. أيها الناس إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عنكم، وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم. قال أمير المؤمنين علي (ع): فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: "يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله". ومن تعظيم رسول الله (ص) لهذا الشهر جعله موسماً للإفراج عن الأسرى، وموعداً لقضاء الحاجات، ليشيع السرور والغبطة في النفوس. فقد روي عنه (ص) أنه (إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كلّ سائل). وعلى مثل هذه السيرة سار أهل البيت، والقدوة الصالحة من أصحاب الرسول محمد (ص) وأتباعه، فقد كان الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) يحرر في كلّ عام عشرين عبداً، من أيدي أسيادهم ، ويطلقهم من ربقة العبودية، تقرباً إلى الله سبحانه، وإدخالاً للسرور على نفوسهم، وتطبيقاً لمنهج الإسلام الداعي إلى تحرير البشرية وإنقاذها.. ويعظم المسلمون شهر رمضان، ويحافظون على حرمته، ويحيونه بالعبادة والدعاء والاستغفار، والتقرب إلى الله بفعل الخيرات، وبالعطف على الفقراء، وبإشاعة الأخوة والمحبة، وبتناسي الأحقاد والخصومات، وبإقامة مجالس التثقيف، والتوجيه والذكر. ولشهر رمضان منزلة خاصة في نفوس المسلمين، ففيه نزلت الكتب المقدسة جميعها، القرآن والتوراة والإنجيل، وفتحت أبواب الوحي على الأنبياء، وتنزلت الرسالات الإلهية،.. فهو شهر الهداية ، وهو مدرسة الإصلاح والتوجيه. وهو سانحة في عمر الشهور، لكل من أراد أن يتلمس طريق الهدى، أو يسلك سبيل الرشاد.

ارسال التعليق

Top