• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام).. مسيرة غنيّة بعطاءها

عمار كاظم

مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام).. مسيرة غنيّة بعطاءها

يصادف ذكرى وفاة الإمام السادس من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)؛ الإمام جعفر بن محمّد الصادق، في الخامس والعشرين من شهر شوّال. الإمام الذي انطلق في أدقِّ الظروف، حاملاً أمانة الإسلام تعليماً وتثقيفاً للواقع كلّه، معتبراً أنّ العلم سلاح يقضي على الجهل، ويدكّ مضاجع المتسلّطين والمضلّلين، ويهزّ عروش الطّغاة والظّالمين، وأنّ العلم قادر على تحريك العقول المنغلقة عن الحقّ في سبيل المواجهة مع الباطل، وإحياء الحقّ ونصرته، وتنشيط الفعل البشري، واستثمار الطاقات كلّها، من أجل تأكيد هُويّة الإنسان في وجوده وكرامته وعزّته، وأبرز وجوه هذه الكرامة، السعي من أجل طلب العلم ونشره. وأن يأخذ الإنسان بأسباب العلم في ما يحتاج إلى علمه في كلّ القضايا التي تتصل بحاجاته، وكان (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله: طلب العلم فريضة على كلّ مسلم»، وكلمة مسلم تشمل الرجل والمرأة.

وقد ورد في الحديث عنه (علیه السلام) مسؤولية العالِم عن تعليم الناس، فليس للعالِم أن ينعزل عن الناس الذين يحتاجون إلى علمه فيرفض أن يعلّمهم أو أن يلبي حاجاتهم في طلب العلم، يقول: «قرأت في كتاب عليّ (علیه السلام): إنّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم، حتى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال، لأنّ العلم كان قبل الجهل»، وكان (علیه السلام) يقول، وهو يريد لأصحابه أن يتفقهوا في الدِّين: «لوددت أن أصحابي ضُربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا».

لقد آمن الأئمّة (علیهم السلام) أنّه بالعلم ينتصر المرء على نفسه الأمّارة بالسوء، ويتغلّب على فورة نزواته، ويسيطر على قدراته، ويوظِّفها في سبيل ممارسة مسؤولياته، بإغناء الحياة بما ينفعها، وزرع كلّ كلام طيِّب وعمل صالح يثمر مزيداً من العطاء والبرّ. لقد كان يحضر في درس الإمام الصادق (علیه السلام) مئات العلماء، ومشايخ الحديث والرواية من كلّ المذاهب، ويشعرون معه بأنّه إمام للمسلمين كلّهم وللإسلام كلّه.

كانت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) هي مدرسة تأكيد الحرّية، فقد كان (عليه السلام) يريد للناس أن يعيشوا أحراراً، وأن لا يخضعوا للضغوط التي تطبق عليهم، وأن لا يتنازلوا للظالمين عن آرائهم بفعل القوّة القاهرة التي يملكها أُولئك. كان (عليه السلام) يقول للإنسان: كنّ حراً في تفكيرك، التزم فكرك وموقفك حتى لو كنت في داخل زنزانة ضيّقة: «إنّ الحرّ حرّ في جميع أحواله ـ سواء كان مقيداً أو طليقاً، مضطهداً أو مختاراً، فإنّه لن يتحوّل إلى عبد، ولن تسقط حرّيته أمام الاضطهاد ـ إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره ولم تقهره وإن أُسر وقهر». ثمّ يستشهد الإمام (علیه السلام) بالنبيّ يوسف (علیه السلام)، بأنّه لم يسقط من خلال ما ناله من الجب، ولم يخضع للعبودية عندما استُعبد؛ ولكنّه صبر وصمد وعاش حرّيته في نفسه، حتى صيّر الله الجبار العاتي عبداً له، فصار له مَالكاً، ورَحِم الله به الأُمّة. كان (علیه السلام) يؤكِّد أن يبقى الإنسان حرّاً، لأنّ الحرّية تنطلق من حرّية فكره، فقد يستطيع الآخرون أن يقيِّدوا جسده؛ ولكنّهم لا يستطيعون أن يقيدوا عقله، لأنّهم لا يسيطرون عليه. وكانت مدرسته (علیه السلام) تؤكِّد مسألة أن يكون المؤمن عزيزاً، جاء في حديثه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون/ 8)، قال: «إنّ الله فوَّض إلى المؤمن أُموره كلّها، ولم يفوِّض إليه أن يذل نفسه». لست حرّاً في أن تكون ذليلاً، كن عزيزاً أمام الكون والعالم كلّه. وقيل له في حديث آخر: كيف يُذل نفسه؟ قال (علیه السلام): «أن يدخل في ما يعتذر منه»، وفي حديث آخر: «أن يتعرَّض في ما لا يطيق».

وهكذا، كان الإمام الصّادق (عليه السلام) إماماً في خطّ الإسلام، أعطاه كلّ حياته ووقته وجهده وحركته ومواقفه، وعمل بكلّ إخلاص أن يبلِّغ رسالة الله بكلّ حكمة، وبما يضع الجميع أمام مسؤولياتهم.

ارسال التعليق

Top