• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السيرة العطرة لرسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)

عمار كاظم

السيرة العطرة لرسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)

كلَّما فهمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر، فهمنا الإسلام أكثر، ومن هنا تأتي أهمّية معرفة السيرة النبويّة الشريفة، وربّما كانت أفضل سيرة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هي سيرته في القرآن، لأنّ الله حدَّثنا عن حركة الرسالة في الرسول، وعن صفات الرسول، بالأسلوب الذي يتجسَّد في كلّ ما يتحرّك فيه.

نحاول أن نستوحي من القرآن ما هي المهمّة الأساس للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حركة الرسالة.. فنحن نقرأ في القرآن: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 151). فالدَّور الذي يقوم به أوّلاً: هو أن يتلو على الناس آيات الله كما نزلت، لا يزيد فيها ولا ينقص: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) (الحاقة/ 44-46). وقد حدَّثنا الله على لسان رسوله أنّه قال: (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) (النمل/ 92)، فالقرآن هو مهمّة الرسول الأساس، بأن يتلوه ليسمعه الناس ويفكّروا فيه تلقائياً، ويعيشوا معه، وهذا ما تحدَّثنا عنه سيرته، في أنّه كان يتلو القرآن في مكّة، والقوم يأتون متخفِّين يستمعون إليه، كأبي سفيان وأبي جهل وغيرهما، وكانوا يحاولون أن لا يفتضح سرّهم، إلّا أنّهم كشفوا بعضهم بعضاً في نهاية المطاف، وكانوا يتأثَّرون به وينفعلون. وهنا نستوحي أنّ تلاوة القرآن لابدّ من أن تكون برنامجاً تربوياً في كلّ الواقع الإسلامي، وذلك بأن نعيش القرآن في أنفُسنا، ويعيشه الناس من حولنا، وأن نجعل الجوَّ من حولنا قرآنياً، ولذلك، فلابدّ من أن نتابع التعليم الإلهيّ الذي يريدنا أن نقرأ القرآن، وأن ننقله من جيلٍ إلى جيل، ليبقى كتاب الله حيّاً في كلماته، ولا يكفي أن يبقى حيّاً في عيوننا عندما تحدِّق فيه، أو في أسماعنا عندما تستمع إليه.. اقرأه واسمعه وتدبّره.. فهذا هو عمق القرآن.

(يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ)، وهذه هي المهمّة الثانية، وهي مهمّة «التزكية»، التي تمثِّل معنى التربية والتطهير والتنمية، فدور النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أن ينمّي النفس الإنسانية على أساس الطُّهر والنقاء، بحيث يجعل الإنسان الذي يعيش معه، أو الذي ينطلق من خلاله إلى الحقّ، إنساناً نامياً في عقله وقلبه وروحه وكلّ طاقاته على أساس النقاء والطهارة. (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، وتعليم الكتاب هو بأن يجعله عقلاً، من خلال ما يطلق فيه عقله النبويّ الذي يمنح الإنسان عقلاً قرآنياً، ويعلِّم القلب كيف ينفتح على القرآن، ليضمّ القيمة العاطفية القرآنية، فلا يحبّ القلب إلّا من أحبَّه الله وما أحبّه الله، ولا يبغض إلّا مَن أبغضه الله وما أبغضه الله.. فالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلِّمنا الكتاب كفكرٍ وبرنامجٍ ومنهجٍ وخطّ في الحياة، سواء الخطّ العامّ أو التفصيلي، والله تعالى يريد أن نتعلَّم علم الكتاب وعلم الواقع، وكيف نوفِّق بين الكتاب والواقع.. ويبقى من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفكره الكثير: (وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)، فهو المعلِّم للحياة من خلال ما يلهمه الله من معرفةٍ للحياة، ومن هنا كانت سنَّته فيما لم يفصِّله الكتاب، هي ما ألهمه الله من معرفة حاجة الحياة إلى الشريعة. وهناك مهمّة أُخرى، وهي مهمّة الحكم بين الناس، (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ) (النِّساء/ 105)، فدوره هو أن يحكم بين الناس في منازعاتهم وخصوماتهم، إن في الفكر أو في الواقع، بما أراه من الحقِّ وأراد من خلال تأديبه له.

قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (المائدة/ 15) ممّا يوحي بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء يحمل الكتاب كلّه، لأنّه جاء مصدِّقاً لما بين يديه، فهو يملك ثقافة الكتاب كلّه، فإذا أخفوا ما يرثونه منه، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرف ذلك ويعلمه.

ارسال التعليق

Top