• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قيم التسامح والمحبّة في الدِّين الإسلامي والمسيحي

عمار كاظم

قيم التسامح والمحبّة في الدِّين الإسلامي والمسيحي

المسيحية دين محبّة والإسلام دين رحمة وهنا التكامل محبّة ورحمة، قال الله تعالى في محكم كتابه: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ) (البقرة/ 256). كلّ الأديان تبشّر بالقيم الإنسانية، وهذا شيء ليس جبرياً وإنّما اختيارياً، وهي حرّية اعتناق الأديان، فقد جاء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).

ولادة السيِّد المسيح (عليه السلام) من المحطّات الهامّة في تاريخ الرُّسُل والرسالات، فولادته كانت معجزةً وآيةً من آيات الله الخالدة، فيجب قرأتها كما هي بتعقّل وتدبّر، لنتعرَّف إلى قدرة الله في خلقه، وما يريده من حكمة في إظهار المعجزات على البشر. وكانت في تاريخ الرسالات دعوة مفتوحة للناس كي يقرأوا بتمعّن هذه التجربة التي كانت مدرسة رائدة في نشر قيم الفضائل والتسامح والمحبّة، وإعادة تحفيز العقول على الإفادة من دعوة الرُّسُل. فهي دعوة رحبة بمعناها وجوهرها الأصيل التي تجمع كلّ قيم المحبّة والتسامح التي هي شعار كلّ الأديان.

جاءت رسالة السيِّد المسيح (عليه السلام) بعد فترةٍ طويلةٍ استغرق فيها الناس بالأساطير والخرافات والسطحية والزخارف من القول، وذلك بعد ابتعادهم عن شريعة النبيّ موسى (عليه السلام)، إذ انحرفوا وتجمَّدت عقولهم وتصحَّرت نفوسهم، وعاشوا الانحراف السلوكي والعقيدي. فكان أن بعث الله تعالى رسولاً من عنده، معجزةً في خلقه، إذ وُلِد بلا أب، ومن أُمٍّ طاهرة نقيّة عفيفة؛ إنّها إرادة الله الواضحة، لجهة إلقاء الحجّة على الناس، بما في هذه المعجزة من خيرٍ لهم وفلاح، وأنّ عليهم أن يقابلوا هذه التجربة بمسؤولية، ويكونوا على قدر المهمّة في استلهامها، وإعادة تصويب مسارهم ومسيرتهم.

في ذكرى مولد نبيّ المحبّة والتسامح سيِّدنا عيسى بن مريم (عليهما السلام)، نتعلّم معنى الحبّ الحقيقي في السعي إلى حفظ النفس من الضَّياع والانحراف، وتحصينها بالمحبّة التي تقرِّب بين القلوب، ونتعلَّم معنى التسامح والحوار، حيث الحوار أداة معرفية منتجة لا تبغي تسجيل النقاط، بل مقاربة الحقيقة والأفكار خدمةً للإنسان وحركته. ونتعلّم من السيِّد المسيح (عليه السلام) كيف نمارس الأخلاق العملية في حياتنا، وكيف ندفع بالتي هي أحسن السيِّئة، وكيف نسامح بعضنا البعض، وكيف نترفّع فوق الأنانيات والرغبات والعصبيات. قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (المؤمنون/ 96). وقد نُقل عن السيِّد المسيح (عليه السلام) قوله: «لا يجتمع حبّ الله مع كره الإنسان»، فكيف تريد أيّها الإنسان أن تحبّ الله الذي هو الخير المطلق والعدل المطلق، وأن تتقرَّب إليه وأنت تحمل الكره في صدرك، فالحبّ لا يجتمع مع الكره بتاتاً؟ قال رسول الله محمّد (صلى الله عليه آله وسلم): «والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا».

لقد علّمنا السيِّد المسيح (عليه السلام) أنّ الدِّين ليس مجرّد أحكام وطقوس تعزل الناس عن الحرام فقط، بل جوهر الدِّين هو دفع النفس كي تقتحم ساحة التحدّيات وتواجه الضغوطات، بحيث تسمو وترتفع إلى الله، وليست الدعوة إلى الله مهمّة سهلة. قال الله سبحانه: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105). كما أطلق المسيح (عليه السلام) نفسه في فضاء التبليغ والدعوة إلى الله، وكابد وعانى وضحّى من أجل نشر رسالة الله وتبليغ دعوته، بالأسلوب الذي يخاطب القلوب والعقول بلا حواجز وموانع. وكذلك كان نبيّ الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو نبيّ الرحمة على الرغم من كلّ العثرات في نشر الرسالة إلّا أنّه كان نبيّ ربّاني مُرسل.. فتحمّل أعباء الرسالة وكان خير قدوة لذلك، كما في قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).

ارسال التعليق

Top