• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مفهوم ثقافة الإبداع

أ.د. فاروق السيد عثمان*

مفهوم ثقافة الإبداع

◄ظهر مفهوم ثقافة الإبداع كرد فعل لتنوع العلاقات بين الأفراد وقد ابتكر البشر على مدى مسار وجودهم سُبلاً جديدة للتفكير والعمل والتأثير، سواء للتأثير على أنفسهم أو في الطبيعة المحيطة بهم. ومن أنتجوا الثقافة وخلقوا التاريخ والمنطق الذي يفسر حركة التاريخ والجغرافيا صنعت البشر، والبشر صنعوا التاريخ والإبداع.

وثقافة الإبداع غنية بالمعاني وهذا ما يؤكده "شوبنهور"[1] في كتابه الشهير "الفرد في فلسفة شوبنهور" (1991). حيث يرى "شوبنهور" أنّ المبدع يهمل معرفة العلاقات التي تقوم على مبدأ العلة وهو لا يبحث ولا يرى في الأشياء الا مثلها وهو يحاول أن يدرك ماهيتها بحيث يكفي شيء لكي يمثل النوع بأسره، وهو لا يحترم المعرفة التي تقوم على الارتباط الصارم المحكم. والحاضر الذي يتأمله في ضوء باهر متصل بالحلقات الأخرى من السلسلة التي تحترق في الظلام لكي تنير للآخرين.

والإبداع عبارة عن العملية الممتدة عبر فترة من الوقت تتميز بالأصالة والملائمة والتحقيق، فقد تستغرق فترة وجيزة كالتي تتطلبها عملية الارتجال الموسيقي أو تستغرق فترة طويلة من الوقت كالتي استغرقها "أينشتاين" في تقديم النظرية النسبية.

ويرى "حنورة"[2] (1977) إنّ الإبداع عبارة عن خلق على غير مثال أو افراز انتاج يتصف بعدة صفات من أهمها الندرة والجدة والملائمة. والإبداع يمكن أن يسهم في تكوينه الخيال وتوظيف الاحلام ومروحية المفاهيم.

وثقافة الإبداع بالمفهوم الواسع لا تخلو من أي ثقافة، فالشعور بالجمال مثلاً مرتبط بقيمة الجمال كما يحدده المجتمع. وتقسّم المعاجم ودوائر المعارف الفن إلى فنون علمية وفنون جميلة. إذ تشير الفنون العلمية إلى الحرفة أو الصناعة أو النشاط الإنتاجي، أما الفنون الجميلة فهي كل إنتاج للجمال يحقق أعمال محددة مثل الرسومات والأشكال ولابدّ أن تتصف تلك الأعمال بالجمال وفق القواعد التي يحددها المجتمع بتلك القيمة، ويرتبط الإعجاب بالعمل الفني بالمشاعر وكذلك يعبر الفنان عن عواطفه واحساساته المرهفة وخيالاته على طريق الأعمال الفنية، التي في النهاية تمثل رموزاً عن تلك العواطف والاحساسات والأفكار.

والمجتمع بوصفه تجمعاً من الأفراد لا يخلق الإبداع بل يسهم في اكتشاف المبدعون وخلق المناخ المساعد والمناسب لتنمية الإبداع، ومن هنا نجد ان هناك مجتمعاً يساعد على ظهور الإبداع وهو مجتمع نطلق عليه مجتمع ثقافة الإبداع ومجتمع آخر يقوم بكف الابداع وهو مجتمع نمطي ينتمي إلى ثقافة الذاكرة. وعندما يهتم المجتمع برموز الإبداع من فنانين وشعراء وكتاب وعلماء ومنتجين ومصدرين للأفكار يكون للإبداع سوق يتداول فيه هؤلاء أفكارهم بحرية دون اعتداء معنوي أو مادي تكون فيه ثقافة الإبداع جزءاً من ثقافة المجتمع ككل.

 

ما واقع الإبداع في مجتمعنا؟

إنّ الإجابة عن هذا السؤال يضعنا أمام أمر شاق لعدة أسباب منها انّ الإبداع جزء من الثقافة وجزء من الواقع، حيث يشخص "أبو المجد" (1983) وضع الثقافة العربية بقوله "بدون الإبداع في مجالات الحياة والثقافة سيظل مكاننا في أحسن الأحوال مكان التابع والمقلد، فالإبداع عطاء خيال حر، وعقل تتفتح له الآفاق، وإرادة تملك حق الاختيار، وواقع الثقافة العربية أنها لا توفر الكثير من ذلك، صحيح ان حياتنا العملية والثقافية لم تخل من مبدعين، ولكنهم فلتات تشق حركتها وسط ركام هائل من أنظمة قاهرة وقامعة تفرق الإبداع والمبدعين. وفي دراسة قام بها "عبادة" (1992) وجد أنّ العديد من العوائق التي يقوم بها المعلم لإعاقة الإبداع منها: رفض أفكار التلاميذ الجديدة، وهو يقوم بدور الملقن للمعلومات، وهو يتناول الدرس بشكل مباشر يشجع التلاميذ على حل أسئلة الدروس بطريقة واحدة، يميل إلى اخبار التلاميذ بالحلول الجاهزة، يستخدم الطرق التقليدية في حل المشكلات، يوجه تلاميذه للاهتمام بالكتب المدرسية يدرب التلاميذ على الفكرة الواحدة، يتسم بالتسلطية والانفراد برأيه، يشعر التلاميذ بالخجل والحياء في مواجهة المواقف الاجتماعية.

كما انّ الإبداع في الفنون والعلوم تتميز في الغالب بالبحث عن تأليف جديد بين الأفكار التي كانت تبدو من قبل مختلفة أو منفصلة إلى حد كبير، فالعلوم والفنون تشترك في أن هدفها هو البحث عن النظام في التعقيد والوحدة في التنوع.►

 

*عميد كلية التربية النوعية- جامعة المنوفية سابقاً، أستاذ علم النفس- جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية

 

المصدر: كتاب سيكولوجية الإبداع

 

[1]فيلسوف ألماني

[2] عملاق الفن التشكيلي

 

ارسال التعليق

Top