• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الجانب المعرفي في حياة الإمام الباقر (عليه السلام)

عمار كاظم

الجانب المعرفي في حياة الإمام الباقر (عليه السلام)

الإمام الباقر (عليه السلام) هو الإمام الخامس من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد تعلّم في مدرسته علماء كثيرون، وكانت مرحلته من أشدّ المراحل التي مرّت على العالم الإسلامي آنذاك، وهي مرحلة انتقال الخلافة من الأمويين إلى العباسيين، والتي عاش فيها المسلمون صراعاً عنيفاً انتهى بسقوط العهد الأموي وبداية العهد العباسي. في تلك الفترة، كان الإمام الباقر (عليه السلام)، ومعه ولده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، يتحرّكان في مدرسة مفتوحة على الواقع الإسلامي كلّه، فبالرغم من أنّهما كانا يمثّلان في موقعهما المميّز عنواناً مذهبياً فيما يعتقده الكثير من المسلمين بأنّهما إمامان في موقع الوصاية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنّهما في مدرستهما الواسعة التي بدأها الإمام الباقر (عليه السلام)، كانا منفتحين على الواقع الإسلامي كلّه.

ولقد كانت مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) مدرسة منفتحة على المسلمين كلّهم، فلا تضيق بفكر يختلف عن فكرها، ولا تتعقّد من أي سؤال، ولا تحجب أحداً عن أي موقع من المواقع، ونحن عندما ندرس تلك المرحلة، فإنّنا نأخذ الدرس الإسلامي الوحدوي في المسألة الثقافية، بحيث يمكننا أن نوسّع الساحة الإسلامية بعيداً عن حساسياتها وعن تعقيداتها وعن اختلافاتها، لينطلق المسلمون مع اختلاف أفكارهم، ليلتقوا في مدرسة واحدة، يطرح فيها كلّ واحد فكره من دون أيّ تعقيد.. كانت قيمة مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) أنّها ضمّت مختلف المذاهب والاتجاهات الإسلامية، لأنّ المذهبية لم تكن قد برزت للواقع آنذاك، كما أنّ الإمام كان منفتحاً في المسألة الثقافية حتى في الجانب التاريخي.

في حديثٍ، يعرّفنا الإمام الباقر (عليه السلام) كيف نستوعب العلم عندما نستمع إليه في أيّ خطٍّ من خطوطه، كيف نستوعبه، وكيف نهضمه، وكيف نحوّله إلى فكر يحكم تطوّراتنا الثقافية كلّها، والتزاماتنا العلمية كلّها، وانتماءاتنا الحركية كلّها. يقول أحد الرواة، عن أبيه، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ـ وهذه كنية الإمام الباقر (عليه السلام) ـ يقول: «إذا سمعتم العلم فاستعملوه»، يعني حوّلوه إلى واقع عملي حركي، بحيث لا يبقى مجرّد فكرة في العقل، بل لابدّ من أن يتحوّل إلى حركة في الواقع، «ولتتّسع قلوبكم»، يعني اجعلوا قلوبكم واسعة، والمراد بقلوبكم هنا هي المنطقة الداخلية للفكر وللإحساس، «فإنّ العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله»، يعني يعجز عن احتماله واحتمال ما يتبعه من العمل، «قدر الشيطان عليه»، لأنّه عندما لا ينضج العلم في قلبك، ولا يتحوّل إلى فكرة ثابتة في الذات، فإنّ من الطبيعي أن يبقى في السطح، وإذا بقي في السطح وابتعد عن العمق، سيطر الشيطان عليه. «فإذا خاصمكم الشيطان»، يعني أراد أن يدخل إليكم بوسوسته وبشبهاته، «فاقبلوا عليه بما تعرفون»، يعني حاول أن تكون لديك المعرفة بكلّ ما يثيره الشيطان أمامك، ممّا يريد أن يوسوس لك لتهتزّ عقيدتك، أو يريد أن يزيّن لك لينحرف طريقك، «فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً»، يعني لا تعتبر الشيطان قوياً عندما يقتحم عليك عقلك فيما يحمل من فكر، وقلبك فيما يحمل من مشاعر وأحاسيس، وخطّك فيما تستقيم به خطواتك، لا تتصوّر أنّ الشيطان قويّ، ذلك أنّ مشكلتنا مع الشيطان هي أنّه يستغلّ ضعفنا، ويبعدنا عمّا نعرف، ليقودنا إلى ما نهوى.

كان الإمام الباقر (عليه السلام) في كلماته التي كان يثيرها أمام الناس في مختلف جوانب المعرفة مثال للمعرفة الغير منقطعة، لأنّنا نرى أنّ الارتباط بنبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأئمّتنا (عليهم السلام)، لابدّ من أن يكون ارتباطاً ثقافياً روحياً، ولا يكفي أن يكون ارتباطاً عاطفياً ولائياً، لأنّ الارتباط العاطفي يجعلك تعيش مع هذه الشخصيات المقدّسة في نبضات قلبك، أمّا الارتباط الثقافي الروحي، فإنّه يجعلك تعيش مع هؤلاء في حركة عقلك، وفي تخطيط طريقك، وفي كلّ حيوية نشاطك في الواقع.

ارسال التعليق

Top