• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العلاقة الإيجابية بين الإنسان وبيئته

عمار كاظم

العلاقة الإيجابية بين الإنسان وبيئته

إنّ البيئة هي من الأُمور المهمّة التي تنعكس آثارها على مستقبل الإنسان وتأثر على حياته في جانبها المادي والمعنوي، وهي من الموازين التي تميز بين الحضارات وتطوّرها، وقد اهتم الإسلام بالبيئة اهتماماً شديداً ووضع تشريعاته وآدابه الخاصّة في هذا المجال. يقول تعالى في كتابه العزيز: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود/ 61) أي طلب إليكم أن تعمروها. إنّ الله تعالى هو الذي أوجد على المواد الأرضية هذه الموجود المسمى بالإنسان، ثمّ كملها بالتربية شيئاً فشيئاً وفطره على أن يتصرّف في الأرض بتحويلها إلى حال ينتفع بها في حياته، أي فطره على أن يسعى في طلب إعمارها فعمارة الأرض هي من فطرة الله في خلقه وعمارة الأرض تقتضي حمايتها. كما أنّ الإنسان أنيط به خلافة الأرض: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/ 30). ومعنى الاستخلاف هو أنّ الإنسان وصيّ على هذه البيئة (الأرض) ومستخلف على إدارتها وإعمارها وأمين عليها، ومقتضى هذه الأمانة أن يتصرّف فيما استخلف فيه تصرّف الأمين عليها من حُسن استغلالها وصيانتها والمحافظة عليها.

والدِّين من خلال اهتمامه بالإنسان باعتباره محور هذا الوجود وكلّ ما فيه مسخّر لأجله، كان لابدّ من أن ينعكس هذا الاهتمام على كلّ ما له علاقة به، ومن ضمنها الطبيعة التي هي المحور الآخر لعلاقة الإنسان بعد علاقته بأخيه الإنسان. وعلى هذا يمكن تعريف البيئة على أنّها الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقوّمات حياته من غذاء وكساء ودواء، أي كلّ ما يحيط بالإنسان ويؤثر فيه ويتأثر به سلباً أو إيجاباً فتشمل جميع الموجودات التي تحيط بالإنسان من يابسة وماء وسماء ومخلوقات حيّة وغير حيّة من حيوان ونبات ومناخ وتربة، كما أنّ مفهوم البيئة اليوم لم يعد قاصراً على الجوانب الطبيعية وإنّما اتّسع ليشمل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي صنعها الإنسان. وقد أشار القرآن الكريم إلى عمق ارتباط الإنسان بيئته في الكثير من آياته الشريفة، ومن هذه الآيات: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم/ 32-34). (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) (الرحمن/ 10).

البيئة خُلِقت بدقة بالغة ومتوازنة من حيث الكم والنوع والخصائص والوظيفة. قال تعالى: (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل/ 88). فكلّ عنصر من عناصر البيئة بهذا القدر وبهذه الصفات كما حدّدها تعالى يكفل لهذه العناصر أن تؤدّي دورها المحدد والمرسوم لها من قبل الخالق القدير، في المشاركة البنّاءة في الحياة في توافقية وانسجامية غاية في الدقة والتوازن: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر/ 49)، (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (الفرقان/ 2). هذا التقدير البالغ الدقة الذي هو من صنع حكيم خبير هو الذي يعطي لكلّ عنصر أو مكوّن من مكوّنات البيئة طبيعته الكمية والنوعية ووظيفته وعلاقته بالمكونات الأُخرى. وخلق الله البيئة وذللها سبحانه وتعالى وسخّرها لخدمة الإنسان: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15). (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان/ 20). فالبيئة وفق هذه الآيات وغيرها، بأرضها وسمائها ومائها وهوائها وجمادها ونباتها وحيواناتها، كلّ ذلك قد خلقه الحقّ تبارك وتعالى مسخّراً مذلّلاً للإنسان. والبيئة التي خلقها تعالى لتفي بكلّ متطلبات الإنسان، قد حفظها الله تعالى وحماها من مخاطر كثيرة كالإشعاعات الكونية الفضائية والشهب والنيازك. قال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (الأنبياء/ 32). فالله تعالى أتقن صنع البيئة وأحاطها بدروع واقية من الأخطار القادمة من الفضاء، هذه البيئة هي نِعمة مهداة من الله تعالى يجب شُكرها ومقتضى شُكرها أن نسعى إلى حمايتها والمحافظة عليها، لذا حذّر تعالى كلّ مَن يُسيئ استخدامها أو يفسدها أو يبدلها بالعقاب الشديد: (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة/ 211).

ارسال التعليق

Top