• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مواعظ الإمام محمّد الجواد (عليه السلام)

عمار كاظم

مواعظ الإمام محمّد الجواد (عليه السلام)

نختار بعض كلمات الإمام الجواد (عليه السلام)، سواء في الموعظة أو في الجانب الاجتماعي السلوكي، من خلال بعض كلماته التي قالها وهو يتحدّث (عليه السلام) عن الصفات الأساسية للمؤمن، بقوله: «المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله ـ أن يوفقه الله للحقّ وللخير وللالتزام الديني، وأن يفتح قلبه على ذلك كلّه ـ وواعظ من نفسه ـ بمعنى أنّه لا يحتاج إلى واعظ من الخارج، بل يحاسب نفسه ويعظها بالتأمّل والتدبّر والتفكير، حتى تعرف نفسه من خلال تأمّلاته ومجاهداته، ما ينبغي لها أن تفعله، وما ينبغي لها أن تتركه ـ وقبول ممّن ينصحه»، أن يستمع النصيحة من الناصحين الذين يملكون الخبرة والمعرفة والإخلاص، فيفتح عقله لهم، ليفكّر في ما ينصحونه به، ويتقبّل ذلك عندما يرى الخير في هذه النصيحة، لأنّ الإنسان المؤمن لابدّ له من تجديد نفسه بما يصلحها، وأن يغيّرها فيما إذا كانت تسير في اتجاه ليس من مصلحتها، ولهذا يقول تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11).

وورد في الحديث عنه (عليه السلام) في الجانب الاجتماعي والسياسي: «إنّ المؤمن لا يخون»، وقد وردت هذه الكلمة جواباً عن سؤال شخص، قال له إنّي رجل أُريد أن ألازم مكّة والمدينة وعليَّ دَين، قال له (عليه السلام): «ارجع إلى مؤدّي دَينك وانظر أن تلقى الله وليس عليك دَين فإنّ المؤمن لا يخون». فالمؤمن عليه أن يفي بكلّ التزاماته، والدَّين هو عهد التزام، فإذا كنت تهمل دَينك وتنكره تحت أي تأثير من التأثيرات، فإنّك بذلك تكون خائناً للأمانة، لأنّ الدِّين أمانة. والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال/ 27)، وقد ورد أنّه «لا دين لمن لا أمانة له». لذلك يحاول الإمام (عليه السلام) في هذه الكلمة أن يوضّح فكرة، وهي أنّ المؤمن لا يخون. وفي كلمة للإمام الجواد (عليه السلام) يقول فيها: «كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة»، بمعنى أن يساعد الخونة ويدعمهم، ويغطي خيانتهم، وينفذ مخططاتهم، لأنّ الله لا يريد للإنسان أن يكون خائناً بشكل مباشر أو غير مباشر، لأنّ الذي يساعد الخونة ويدعمهم ويؤيدهم، يتحمّل الجزء الكبير من خيانتهم، سواء كانوا خونة في الدِّين أو في السياسة أو في الاجتماع أو ما إلى ذلك، لأنّه لو لم نساعدهم نحن لما وصلوا إلى هذه المراحل من القوّة.

كما قال (عليه السلام) في حقيقة الإيمان: «لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر هواه وشهوته على دينه». إنّ على المؤمن أن يعيَ حقيقة دينه في طبيعته من حيث انطلاقه من قاعدة الحقيقة التي تحكم الحياة كلّها والوجود كلّه، ومن حيث أثره في تركيز موقف الإنسان على أرض صلبة لا اهتزاز فيها، ومن حيث نتائجه في النجاة من عذاب الله في يوم القيامة.. وعلى هذا الأساس، فلابدّ له من أن يختار السير على الخطّ الديني في العقيدة وفي الشريعة وفي المنهج وفي الحركة، لأنّه الخطّ المستقيم الذي يحصل به الإنسان على رِضا الله والقرب إليه، وأن لا يطيع شهوته في حركة غرائزه في نقاط ضعفها، فإنّ الشهوة لا تخضع لقاعدة ولا تتحرّك في خطة ولا تنسجم مع الاستقامة، بل إنّها تهتز بالإنسان في كلّ مواقعه، ولا تثبت به على أساس متين، وتؤدِّي به في النهاية إلى الهلاك الدنيوي والأخروي عندما تتغلّب عليه وتصادر التزامه الديني وتتحرّك به مع الأهواء ليضيع في متاهات الحياة فيسير على غير هدى، أمّا الثابتون على دينهم الذين ينظرون بعين البصيرة إلى عمق الشهوات في نتائجها السلبية، فهم الناجون عند الله، الكاملون في إيمانهم.

وقال (عليه السلام) في باب مصاحبة الأشرار: «إيّاك ومصاحبة الشرِّير، فإنّه كالسيف المسلول، يَحْسُن منظره ويقبح أثرُه». إنّ مسألة اختيار الصاحب لابدّ أن تخضع لدراسة دقيقة في المواصفات التي يتمتع بها في أخلاقياته الاجتماعية، من حيث إنّه يحب الخير أو يتبنّى الشرّ، أو أنّه يرتكز على قاعدة الحقّ أو يتحرّك في خطّ الباطل، أو أنّه ينفتح على العدل أو ينطلق في مواقع الظلم، ليختار الخيّر لا الشرير، والمحق لا المبطل، والعادل لا الظالم، لأنّ للصاحب تأثيراً نفسياً وروحياً وأخلاقياً على صاحبه بفعل العلاقة الحميمة التي تجعله ينجذب إليه فيتأثر به لا شعورياً، لأنّ للعاطفة دورها في المؤثرات الذاتية على الإنسان الآخر الذي يرتبط به الإنسان ارتباطاً وثيقاً.. لذلك، فلابدّ أن لا ينظر إلى جمال صورته وحسن هندامه وعراقة نسبه وموقعه في المجتمع، بل أن ينظر إلى أخلاقيته في تعامله مع نفسه ومع الناس من حوله ومع الحياة، فيجتنب الشرير الذي قد يعجبك مظهره ويزعجك مخبره ويقبح أثره، كما هو السيف في لمعانه الذي يجذب النظر ولكنّه يقتلك بحدّه عندما يضربك.

ارسال التعليق

Top