• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحسين (عليه السلام).. شخصية رسالية فكراً وعملاً

عمار كاظم

الحسين (عليه السلام).. شخصية رسالية فكراً وعملاً

عاش الإمام الحسين (عليه السلام)، مرحلة الإعداد الإلهي ومرحلة تحمّل أعباء الرسالة الإسلامية العظيمة مع جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكلّ ما لهذه الكلمة من معنى، فقد خضع إلى لون خاصّ من التربية والتوجيه والإنشاء الروحي والفكري بإشراف جدّه الرسول الأعظم، وأبويه العظيمين عليّ وفاطمة (عليهما السلام)، فجاءت شخصيته تجسيداً لرسالة الإسلام فكراً وعملاً وسلوكاً.

إنّ للحسين (عليه السلام)، سيرة مُثلى في الحياة، وبُعد نظر، وسعة إيمان، واندفاع عظيم في العقيدة والمبدأ، تمثّل مركز الريادة في الفكر الإسلامي الأصيل، متبصّراً في كيفية حمل رسالة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مجدّداً مسيره، عالماً بما يجب عليه، عاملاً بما توجبه عقيدته.

لقد امتاز الحسين (عليه السلام) بمزايا وصفات قلّما تجدها في ثائر، أو أيّة نهضة على مرّ التاريخ. فقد اتصفت ثورته بإخلاصها في الدفاع عن العقيدة والإسلام، وكان إخلاص تلك الثورة في الدفاع عن الحقّ بعيداً عن أي اعتبار آخر، وكانت تحتل بحقّ من أثمن الدروس في الوفاء والتضحية.

دروس في يوم عاشوراء تعتبر الإمام الحسين (عليه السلام) ولادة جديدة للأُمّة، وظروفه الموضوعية، ومواقف الأُمّة تجاه تلك الألغاز، ومنهجية تلك النهضة، تدلّل على عظمة يوم عاشوراء موعد الانتفاضة، ضدّ الجبت، وداخل النفس.

إنّه موسمٌ للنزال مع الطاغوت، في سوح الجهاد، وكربلاء شهادة أرضٍ لم تتطهّر بعدُ بدماء الشهداء، من أجل دحض الباطل وإحياء الحقّ، وعاشوراء ليس كتاب الماضي، بل هو كتاب المستقبل، وأيّ شعبٍ يستلهم منها روح التصدّي والتحدّي، وبسالة المقاومة والمناصرة، وشجاعة الجهاد والفداء، لهو شعبٌ مكتوبٌ على جبينه الفلاح والنجاح.

إنّنا أمام حادثة عاشوراء بمناسبتها وسلسلتها وكلّ تفاصيلها، ولسنا أمام حدث تاريخي، بل أمام مشاعل تبثّ النور على طريق الخلاص من ظلمات الجهل والتخلّف والظلم والتقاعس.

ومن هنا لا يمرّ عام إلّا ويتجدّد الحسين (عليه السلام) في صورة شعلة من نار تحترق جفون ظالمٍ هنا وطاغوتٍ هناك، حتى كان كلّ يومٍ عاشوراء، وكلّ أرضٍ كربلاء.

إنّ بعض الدروس التي نستخلصها من حياة الإمام الحسين (عليه السلام) هي أنّه لا يجوز الانخداع بالمظاهر، بل لابدّ من تقييم المواقف بحقائقها وجواهرها. وأيضاً أنّ الانتصار لا يعني الحصول على السلطة والمشاركة في الحكم، بل الانتصار قد يكون بالموت أو الشهادة، فإنّ الحسين (عليه السلام) لم ينتصر على يزيد بانتزاع السلطة منه، وإنّما انتصر عليه بالدم وبالشهادة، وأنّ الانتصار بالشهادة هو بحدّ ذاته أعظم أنواع الانتصار، لأنّ الشهادة وسيلة للنصر، يقول تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران/ 169).

الحسين (عليه السلام)، كان ولا زال شعار مدرسة، وتيار كفاح، وجهاد رسالي وسياسي فريد في تاريخ الإسلام، ولهذا كان ولا يزال دوره كبيراً، وأثره عظيماً، فهو قوّة دافعة محرّكة في أحداث التاريخ الإسلامي، وخصوصاً الجهادي منه، على مدى أجيال وقرون عديدة، ولم تزل نهضته وآثار ثورته ومبادئه تتفاعل وتؤثّر في ضمير الأُمّة ووعيها. فالحسين (عليه السلام) من العظماء الذين حقّقوا المعجزات على مسرح الحياة، وبقي صداه يسمع التاريخ وعلى مرّ العصور، لأنّه (عليه السلام) قاد المسيرة الإنسانية نحو أهدافها وآمالها، وحقّق أهداف الرسالة التي تسلَّم زمام تنفيذها.

لذلك كانت نهضته (عليه السلام)، تحمل النور والهدى للبشرية جمعاء، تتفاعل ثورته (عليه السلام) مع أرواح الناس، فتمتزج بعواطفهم ومشاعرهم، وسوف تبقى نديّة عطرة، تتخلّد في صفحات تاريخ العظماء والمصلحين، تتدفّق بالعزّة والكرامة، والشموخ والرفعة، والعلوّ والمنزلة، فهي بحقّ ثورة عملاقة، يشعّ سنى نورها أرجاء التاريخ وستبقى أبداً تشعّ في سماء الأيام.

إنّ الواقع ليشهد بأنّ نهضة الحسين (عليه السلام) بقيت تمثِّل بحقّ مدرسة للأجيال التي تفيض بالخير والعطاء، تغذّي روّادها بالوفاء والصبر، وتدفعهم إلى الإيمان بالله، وتعمل على توجيههم الوجهة الصالحة، المتّسمة بالكرامة وحُسن السلوك وتعمل على تهذيب الضمائر وتقريب العواطف.

ارسال التعليق

Top