• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الطريقة المثلى للإمتناع عن الإجابة

أسرة

الطريقة المثلى للإمتناع عن الإجابة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد منكم أن تعطوني حل لمسألتي لأنني تعبت من كثر التفكير فيها. وهي أنني فتاه عمري 19 سنة وأريد معرفة الحدود الشخصية التي ليس لأحد أن يسأل فيها وإن سأل فمن حقي ألا أرد على هذا السؤال وكيف تكون الطريقة المثلى للإمتناع عن الإجابة؟
وللإيضاح أنا أدرس اللغة الإنجليزية في مكان مختلط ومرات تجري حورات بيننا وبين الشباب وتكون هناك أسئلة مثلاً عن العائلة، كم عددكم؟ ماذا يعمل والدك؟ كم عمرك؟...إلخ وتكون من أصل المنهج الذي ندرسه فأنا دائما أرد على هذه الأسئلة بثقة وبعد مدة أقول هل ما فعلته كان خطأ وأشعر بتأنيب الضمير وأريد التخلص من هذا الشعور إن كان لا فائدة منه وإن كنت على صواب من أمري فلماذا هذا التأنيب. أن ثقتي بالله أولا من ثم فيكم للعثور على حل لمسألتي ولهدوء ضميري وجزاكم الله خيراً كثيراً.

الأخت الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحيّة طيِّبة وبعد..
تختلف الأوضاع الاجتماعية وطريقة التعامل من مجتمع لآخر، ففي بعض المجتمعات تعتبر الأمور العائلية من المسائل الشخصية والعائلية التي لا يسأل عنها عادة، أو يحق للفرد أن لا يجيب عنها، ولا يعتبر ذلك من سوء الأدب، بل على العكس من ذلك يعتبر من يلح في السؤال عنها فضولياً ومتطفلاً.
ولكن في مجتمعات أخرى، ومنها مجتمعاتنا الشرقية، تعتبر المسائل العائلية أمراً عادياً، قد يسألك عنها حتّى بعض المارة في الشارع أو الجالس بجنبك في الباص، ويرغب كثيرون في التعرف، بل التدخل في شؤون الآخرين الشخصية- وللأسف الشديد- وفرض الرأي وابداء النصائح، من دون طلب مشورة أو حتّى رغبة من الطرف الآخر في سماعها.
ولذلك يمكنك اعتبار هذه الأسئلة والإجابة عنها أمراً طبيعياً خصوصاً في مجال التعارف أو التمرين الدراسي، وعليك تفهم الطرف الآخر، فهو يعتبر هذه المسائل عادية ويسألها عادة من دون غرض سيئ، ولا داعي لأن تشعري بالذنب، فربما تفكرين في أنك أفشيت سراً أو ارتكبت خطأً، ولكن كما قلنا ونقول: (لكل مقام مقال)، والأمر يختلف من مجتمع لآخر.
وعليك أن تتقبّلي أمراً، وهو أن الإنسان خطّاء، وإذا ما أخطأ، فلا داعي لتقريع النفس وتعذيبها، خصوصاً إذا كان الخطأ، ليس خطأً شرعياً، وإنّما يدرس الإنسان الموقف ويعتبر به، لكي يتجنب الخطأ في المستقبل.
وربما كان المبالغة في لوم النفس وتأنيب الضمير ينتج عن حالة البحث عن الكمال المطلق، وهي حالة طبيعية من حيث سعي الإنسان لذلك، ولكنها غير طبيعية عندما يكون الإنسان مثالياً ولا يقبل الخطأ، الذي يقع، مهما سعى الإنسان، سواءً من عنده أو من الآخرين، وقد قيل: يجب أن لا نحاسب أنفسنا عن خطأ الآخرين.
وقيل أيضاً:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً*******صديقك لا تلقى الذي لا تعاتبه
وقد تزداد هذه الحالة فتكون وسواساً شيطانياً يعمل لتخريب النفس لتفقد ودّها وصفاءها، فيجب الاستعاذة بالله تعالى، ومن المأثور: قراءة المعوذتين (سورة الفلق وسورة الناس) والتسامح مع النفس والآخرين، بتفهم حقيقة الحياة الواقعية، وأنها مهما تطورت، فلن تكون كاملة، إلا في الجنّة، وأن الناس يخطؤون، ويستغفرون.
وقد نقل: أنه لو لم يكن الإنسان يخطأ ويستغفر، لخلق الله بشراً آخرين، يخطؤون ويستغفرون. (إن الله يحب التّوابين ويحب المتطهّرين) (البقرة/ 222).
وقد تنتج حالة لوم النفس الزائدة وتأنيب الضمير المبالغ فيها عن ظروف تربية بيتية قاسية في المحاسبة والمراقبة، وهكذا يضرّ الآباء أولادهم، من حيث لا يشعرون، فالاعتدال مطلوب في كل شيء، و(كل مازاد عن حدّه إنقلب إلى ضدّه) وعلى الإنسان أن يقوّي شخصيته بأن تكون له أوقاته وأوضاعه الخاصة، ويتجنب قدر الإمكان التعرض لللوم الشديد من قبل أشخاص قريبين، حتّى لو تطلب ذلك تقليل الاحتكاك بهم أو عدم إخبارهم بكل ما يقوم به الإنسان من أعمال، فإن البعض يلوم الآخرين وينتقدهم حتّى بأبسط الأمور، وحتّى لو كانت صواباً.
ويمكن للانسان أن لا يجيب عن بعض الأسئلة، ويتهرب من ذلك بلباقة دون المسّ بكرامة الآخرين أو مواجهتهم بالسلب، وذلك بالإجابة بأجوبة عامة أو إجابات هامشية، أو الاعتذار عن الاجابة، بشكل أو آخر.
مثلاً، إذا سأل شخص ما: كم هو راتب والدك؟ أو كم هو ايراده المالي؟
فبدلاً من إجابته: بأن هذه مسألة شخصية ولا يحق لأحد السؤال عنها، وربما ينزعج ويسخط لذلك.
يمكن اجابته بما يلي:
-إن الوالد لم يخبرنا بذلك.
-لم أسأل الوالد عن ذلك.
-الحمدلله، وضع بخير، ولكن لا أعلم كم هو وارده.
-هو يعمل بجد، ولكني لا أعلم كم هو راتبه.
-الحمد لله، وضعه المالي جيد.
إن السائل سيشعر أنك قد أجبت عن سؤاله، فيشعر بالرضا، مع أنه لم يحصل على الاجابة المطلوبة.
وأخيراً، فإن بعض الأسئلة تتطلب الاجابة بها بـ"لا"، وأن يتدرب الإنسان، حفاظاً على شخصيتة وأسراره، وأحياناً: دينه وإيمانه، أن يقول: (لا)، خصوصاً لمن يدعوه إلى منكر أو إثم، بل حتّى لمن يدعوه إلى ما يسرّه أو لا يملك الرغبة لذلك، ولكن كما أشرنا يمكن التعبير بـ"لا" بأشكال مختلفة، بحسب الموقف، مثلاً:
-آسف، ليس لي وقت لذلك الآن.
-آسف، عليّ أن أرجع للمنزل الآن.
-آسف، والديّ ينتظراني في المنزل.
-آسف، لديّ واجبات دراسية عليّ انجازها.
-آسف، لا أرغب في ذلك الآن.
-آسف، ربما في فرصة أخرى.
-آسف، فأنا متعبة الآن، إن شاء الله، في فرصة أخرى.
وإذا كان الأمر منكراً، تكون الإجابة:
-لا ، لست من أهل هذه الأمور.
-لا، أنا لا أقبل ذلك.
-لا، لست ممن يعملون ذلك.
-لا، هذا العمل مضر وخاطئ.
-كلا، هذا العمل حرام ويغضب الرب.
-كلا.
وهكذا تكون الإجابة، بحسب الطلب والسؤال، وبحسب الظرف والطرف السائل، فإذا كان السائل أحد الأبوين، ينبغي الإجابة برفق ولطف، ولكن لا يعني ذلك الاستجابة لكل طلب، فربما كان لديك امتحان، أو تعب، أو مرض، أو عدم الرغبة، فيمكن الاعتذار بطريقة أخرى، ولكن دون جرح مشاعرهما.
وعموماً، ينبغي المحافظة على مسافة بين الإنسان والآخر، مهما كان قريباً، لكي تبقى الحدود محفوظة، ولا يسبّب القرب الاحتكاك والشجار، وقد أخطأ من فهم القول الشائع: (عند الأحباب تسقط الآداب) بأن ذلك تجاوزاً للحدود وتخطياً للآداب، وإنما معنى ذلك رفع الكلفة والتكلف، فيمكن أن يطلب الإنسان من قريبه طلباً لا يطلبه من غيره، ولكن يبقي على احترامه وحدود الأدب بينهما، وقد قيل: (احتَرم تحُترم) والحدود والآداب مطلوبة، حتّى بين الوالد وولده، والزوج وزوجه، بل حتّى بين الإنسان ونفسه، فلا يهين نفسه ولا يضعها في مواضع الذل والاثم، بل يتعامل مع نفسه كصديق يعزه، وحبيب يكرمها، فيختار لنفسه المعالي وفضائل الأخلاق وصالح الأعمال وأحسن الأصدقاء ولا يوردها موارد الهلكة والضلال، وقال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (الإسراء/ 70)، قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين) (البقرة/ 195)، وقال تعالى: (يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون) (التحريم/ 6).
ومن الله التوفيق.

ارسال التعليق

Top