• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصبر والتحمل.. أم الطلاق؟

أسرة البلاغ

الصبر والتحمل.. أم الطلاق؟

◄أنا زوجة مظلومة ولايوجد شخص يأخذ حقي، ماذا أفعل هل أتحمل الضرب والإهانة والسب أمام الجيران أم أطلب الطلاق وماذا أفعل لأولادي؟


الأخت الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحيّة طيِّبة وبعد..
لا يجوز أذى الزوجة بأي نوع من الأذى، من دون ذنب ولا تقصير، فإن ذلك مخالف للدين الحنيف وعصيان لأوامر الله تعالى، وقد قال جلّ شأنه: (وعاشروهنّ بالمعروف) (النساء/ 19).
وقال تعالى: (والَّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) (الأحزاب/ 58).
وربّما أساء البعض فهم الآية الكريمة، من قوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء/ 34).
فيرى هؤلاء أن لهم الحق في ضرب الزوجة وأذاها متى ما شاؤوا وكيفما شاؤوا ولأبسط الأمور... ولكن الآية أولاً محددة بالنشوء، وقد رووا المفسرون أنها في معصية المرأة في المعروف وعدم طاعتها عن أداء حقوقها المفروضة شرعاً عليها، وقد تحدثت الروايات بصيغ مختلفة عن النشوز، كما في تفسير الطبري، من ذلك أن النشوز هو: البغض ومعصية الزوج، وأخرى: معصية وخلافة – في معروف - ومنها: تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره، وعن مجاهد: (إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها، يقول لها: اتق الله وارجعي إلى فراشك فإن أطاعته فلا سبيل عليها)، أي أن النشوز هو أنها لم تعط الزوج حقه في الفراش وامتنعت عنه.
والأمر الآخر هو أن القرآن الكريم تدرّج في معالجة حالة النشوز بمراحل: الأولى الوعظ، فيذكرها بتقوى الله تعالى وحقوقه المفروضة عليها، فإن انتهت، انتهى، وإلّا انتقل إلى المرحلة الثانية من التنبيه والتأديب، وذلك بهجرها في المضجع بأن لا يقاربها ولا يكلمها، أو لا ينام في فراشها أو يبيت في غرفة أخرى، لغرض أن تستفيق من غفوتها وتشعر بأن عملها يؤدي إلى ابتعاده عنها فتستجيب لمطالبه المشروعة.
وإن لم تنفع كل الخطوات السابقة، يحق له أن يضربها، ضرباً خفيفاً غير مبرح ولا يضربها في وجهها لنهي الرسول (ص) عن ذلك، وقد ورد في الروايات أنه بالسواك وأمثاله، لا لغرض أن يؤذيها ويؤلمها وإنّما ليعبر بذلك عن سخطه وعدم رضاه... وربما كان ذلك نوع من التحريك البدني الذي يفيق المرأة من عنادها وغضبها ويثير فيها الشعور برجولة الرجل فتميل إلى طاعته والاستجابة لرغبته.
وقوله تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) (النساء/ 34)، فإذا استجابت المرأة للرجل في أيّة مرحلة من مراحل التنبيه السابقة، فليس له الحق أن يتجنى عليها، فقد ورد في التفسير عن إبن عباس: (إذا أطاعتك فلا تتجن عليها العلل). وعنه أيضاً: (إذا أطاعته فليس له عليه سبيل إذا ضاجعته).
وقال الطبري في تتمة الآية: (إن الله كان علياً كبيراً) (النساء/ 34) (يقول تعالى: إن الله ذو علو على كل شيء، فلا تبغوا أيها الناس على أزواجكم إذا أطعنكم في ما ألزمهن الله لكم من حق سبيلاً لعلّو أيديكم على أيديهن، فإن الله أعلى منكم ومن كل شيء، وأعلى منكم عليهن، وأكبر منكم ومن كل شيء، وأنتم في يده وقبضته فاتقوا الله أن تظلموهنّ وتبغوا عليهنّ سبيلاً وهنّ لكم مطيعات، فينتصر لهن منكم ربكم الذي هو أعلى منكم ومن كل شيء وأكبر منكم ومن كل شيء).
ولكن ماذا لو تجاوز الزوج حدوده فظلم واعتدى، فما هو الحل، وماذا يمكن أن تعمل المرأة بهذا الوضع.
أولاً وقبل كل شيء، فإن على المرأة أن تدرس حالتها لتعرف أسباب الأزمة وما الذي يحرّك في الرجل مشاعر الغضب ويؤجج فيه نارها، فتعمل على معالجة الأزمة من جذورها.
قد يغضب الرجل لسوء معاملته زوجته، خصوصاً إذا كانت تجرحه بلسانها، فيجب أن تعمل الزوجة على كف لسانها ومعاملته بالحسنى، وقد يكون السبب بعض تصرفاتها، فعليها الانتباه لذلك، وتتجنب ما يغضبه.
إنّ على المرأة المؤمنة والصالحة أن تضع نصب عينيها أن (جهاد المرأة حسن التبعل) كما ورد في الحديث، وأن ذلك يتطلب منها الصبر والتضحية، حفاظاً على بيتها وأسرتها، فلابدّ منها أن تتغاضى عن بعض أخطاء الزوج، كما وهو مطلوب منه أيضاً ذلك، لأن الحياة فيها مشاكل ومتاعب، والبشر يخطأوون، ولا يمكن أن تكون الأمور دائماً كما نريد، فلا تقع أخطاء، أو لا تكون هناك نواقص، فيتحمل بعضاً بعضاً ويداريه، حتّى تسير دفة الحياة بيسر ومحبّة ووداد.
فإذا أصلحت المرأة حالها وحسنت أوضاع الأسرة وهيأت الأجواء المناسبة، ومع ذلك استمر الزوج في الظلم والعدوان، فإن على الزوجة تذكير الزوج بتقوى الله تعالى وآياته وأحاديث الرسول (ص) وسيرته، وقد قال (ص): "خيركم خيركم لأهله...". وتذكيره بكلامه وعهوده عند الخطبة والزواج، وما كان بينهما من مودة ومحبة... ويكون كل ذلك بأسلوب حسن وباختيار الوقت المناسب، لا وقت الشجار.
فإذا لم ينفع معه كل ذلك، وازدادت الأمور سوءاً فإن القرآن الكريم يطرح حلاً عائلياً، لتصفية الأجواء، فقال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء/ 35).
وهكذا يتم اختيار شخص أو أكثر من أهل الزوج، وكذلك من أهل الزوجة، ممن هم مطلعون على أوضاعهما، فيجتمعان، في جلسة تحكيم عائليه لدراسة المشكلة من جميع جوانبها والبحث عن حل مناسب لها، على أن يكون هدفهما الإصلاح، لا التعارك والجدال والشجار، وذلك لقوله تعالى: (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما...) (النساء/ 35).
ولكن ينبغي عدم اللجوء إلى هذا الحل الّا بعد استنفاذ الحلول الداخلية للإصلاح، سواء كانت بين الزوجين نفسيهما، أو بنصيحة الزوج من خلال أحد أصدقائه أو أقربائه وغير ذلك، لأن بعض الأزواج المتعصبين يزدادون غضباً عند انتقال المشكلة إلى خارج الأسرة ويجدون في ذلك خرقاً لعهد الزوجية، وقد يؤدي بهم الأمر إلى هجر الزوجة أو طلاقها، لا سمح الله، ولكن إذا عين الحلول ووصل الأمر إلى حدٍ يخشى منه على تفكك الأسرة أي إلى (شقاق بينهما)... قال الطبري المفسر الكبير في تفسير الآية: (وإن علمتم أيها الناس شقاق بينهما) وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشقّ عليه من الأمور، فأمّا المرأة النشوز وتركها أداء حق الله عليها الذي ألزمها لزوجها، وأما من الزوج فتركه إمساكه بالمعروف، أو تسريحها بإحسان - كما أمر الله تعالى -.
ومما يجب التذكير به في هذا المقام، هو أن الظلم والإهانة والسب قد تبدأ من أحد الزوجين، وقد يرد الثاني بنفس الأسلوب، فيزداد الوضع سوءاً فينبغي أن يتحمل أحد الطرفين ويواجه الآخر بأسلوب يخجل معه أو يتراجع، من توضيح الأمور بهدوء وبيان الموقف المتلبس على الزوج، والطلب منه أن يهدأ، وأحياناً تلبية طلبه بسرعة حتى يتراجع... وأحياناً بالصمت أو ترك الغرفة حتى يستكين، وقد قيل: (النار لا تطفأ بالنار)، وهكذا لا يواجه الغضب - وهو من نار الشيطان – بالغضب.
كما ينبغي للزوجة أن تعلم أن غضب الزوج وتجاوزه الحدود أمام الغير لا يقلل من شأنها وإنّما يقلل من شأن الزوج، فعليها أن تتحمل ولا ترد.
وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: "مَن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل – ثواب - آسية بنت مزاحم" وهي زوجة فرعون، والتي كانت مؤمنة صابرة.
وأخيراً، لابدّ من السعي لإبعاد الأطفال عن مشاكل الزوجين حتّى لا تؤثر على حالتهما النفسية وصحتهما المستقبلية، وإصابتهما بالأمراض، كالقلق والوسواس و...، والعمل على أن لا يحدث شجار أمامهم، أو ترتيب برنامج دراستهم ونومهم بحيث يكونوا في مأمن من ذلك... ولا تنسِ ذكر الله والاستعانة به على أي حال.
قال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر/ 10).►

ارسال التعليق

Top