• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الشعر تراث المستقبل

الشعر تراث المستقبل
ترى هل يمكننا اعتبار الشعر عِلمَنا العربي الذي نسهم به ونضيفه إلى المشهد الثقافي الكوني؟ وهل هو، كما قيل قديماً: "علمُ قومٍ لم يكن لهم علمٌ غيره"؟ هل ثمة رسالة يمكن أن يحملها شعرنا إلى العالم فيما نعمل على وضع هذا الشعر في المشهد الكوني بواسطة أكثر الوسائط حداثة؟   - في اللغة: عندما كان العربي يُرجع معنى كلمة "ثقافة" إلى فعل "ثقَّفَ" الرمحَ؛ أي شذبه وشحذه، فإنّه كان يستعين بفقه آلية الحرب لتفسير موهبة الإبداع. يصدر مثل هذا السلوك "الثقافي" عن اللاوعي الجمعي الذي يرى الثقافة بوصفها فعلَ قتالٍ وصراع، أو استعداد لهما؛ ما يضعنا في حدود تراث كثيف، جزءٌ كبيرٌ منه يعتقد أنّ الثقافة فضاء مواجهة وتصادم. التحدي الكوني الآن هو تفهمنا المعنى الجوهري للثقافة بوصفها فعل حب لا فعل قتال؛ كي نتأهل لحوار الحضارات لا لصراعها؛ فنحن لا نستطيع الذهاب غلى العالم يوهم تلقينه الدروس، بينما لا نزال نتعثر في أبجدية إنتاج المعنى الإنساني للتقنية وثقافتها في ذواتنا وبيوتنا ومجتمعنا. يبقى الشعر سؤالنا الكوني، يضعنا في مهبّ التحولات من خلال أشكال الاتصال الأكثر حداثة، وبوسائط تستدعي سلوكاً حضارياً بالغ الشفافية؛ مما يقتضي الكف عن مزاعم الحداثة، والمبادرة إلى استيعابها وممارستها.   - في الخيال: تبدو هذه التجربة في حقلي الأدب والشعر أكثر تشويقاً واستجابة للمخيلة الإبداعية؛ فقد بدأت تطرح علينا مبكراً ضرورة إعادة النظر في مفاهيم كثيرة تتصل بالكتابة والتعبير والقارئ والجمهور، والمعنى، والنص. بعض منظورات فلسفة الأدب المتداولة "بلا تبصر" مثل: موت المؤلف وموت النص وموت القارئ، هي الآن في مواجهة اختبار البحث عن أجوبة جديدة للسؤال الذي يتصل بالدالوالمدلول بوصفهما من مصادر النص ومذاهبه؛ فقد أصبح النص مرسلاً إلى قارئ كوني، هو الواحد واللانهائي في اللحظة نفسها. التوقف مثلاً أمام إحدى التقنيات في النشر الإلكتروني المسماة Hypertext يؤكد لنا أنّ الآفاق التي يذهب إليها الكاتب، وتالياً الثقافة برمتها، ليست فقط نائية عن طبيعة الكتابة والتأليف والنص القديمين، لكنها فعلياً تمثل انتقالة نوعية من عصر النشر الورقي في الصحيفة والكتاب بشروطهما التقليدية، إلى عصر النشر المتعدد الوسائط، المتنوع الأبعاد، الغني الاحتمالات، الفائق الجماليات، والفرق بين هذا وذاك يضاهي المسافة بين النوم والحلم. هذا ما يجعل تجربة الشعر العربي في شبكة الإنترنت أحد مظاهر ارتباكاتنا في حضرة تسارع الوسائط.

ارسال التعليق

Top