• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حقيقة العواطف وأنواعها

حقيقة العواطف وأنواعها

◄عندما تبدأ رحلة البحث عن شريك العمر وتوأم الروح، ولا تهدأ النفس إلا بعد أن تظفر بحبيب الفؤاد وفارس الأحلام المرتجى، أو حبيبة القلب وزوجة المستقبل المبتغاة.

تستَعِر الأشواق وتتأجج اللهفة، كلا القطبين – الخطيب وخطيبته – ينتظر تلك اللحظة التاريخية التي تجمعهما في بيت واحد، يظلهما سقف واحد ويهون كل شيء في سبيل تحقيق هذا الهدف المرتقب، وذاك الحلم المنتظر، ويسعى كل منهما إلى تذليل أيّة عقبة تعترض تحقيق هذا الهدف.

 

-       بداية حالمة وردية:

في بداية الحياة الزوجية تنساب الكلمات الرقراقة، والتعبيرات اللطيفة، ويشعر كلا الزوجين بأنّه في عالم آخر، إنهما في واحة، هواؤها المستنشق هو الحب، وزينتها الورود بكل أنواعها وأشكالها وألوانها، فهذه وردة حمراء تعبر عن الحب الفياض، وتلك وردة صفراء تعبر عن الغيرة المحمودة، وثمة وردة بيضاء تعكس الصفاء والنقاء بين الحبيبين!! إنها بداية حالمة، تزينها الورود، وتنيرها الشموع.

 

-       حقيقة العاطفة:

العاطفة هي كتلة من المشاعر الإيجابية التي تتصف بالحيوية والتدفق والمصداقية، تنشأ بين طرفين، فتولد بينهما شعوراً بالسعادة والانتعاش والإقبال على الحياة، وإحساس كل منهما بالحنين إلى الآخر، والحاجة إلى لقياه.

وتختلف العواطف باختلاف خصائص طرفيها وطبيعة العلاقة بينهما، لذا صُنفت العواطف حسب هذه العلاقة إلى عدة تصنيفات:

فهناك عاطفة الأمومة، وعاطفة الأبوة؛ وهما عاطفتان بين الوالدين والأولاد، فهي من جهة الآباء نحو الأبناء عاطفة مفعمة بالشفقة والحنان، تقابلها مشاعر التقدير والاحترام من قبل الأولاد تجاه الوالدين.

وثمّة عاطفة الاستلطاف، وهي تضم أنواعاً كثيرة من العواطف، أهمها:

1- عاطفة الصداقة:

وهي عاطفة تقوم على الصدق والتصديق، والمؤازرة والمواساة وقت الشدائد، والمشاركة والمجاملة في الأفراح، والنصح السديد الرشيد، والإخلاص، والوفاء، والإيثار.. إلى غير ذلك من المعاني الراقية العظيمة الجميلة.

وإذا أردنا أن نضرب مثلاً أعلى في هذه العاطفة عاطفة الصداقة.. فحسبنا أن نستشهد بنموذج الصداقة بين النبي (ص) وبين صديقه أبي بكر الصديق (رض)، فلقد كان الصدق قوة تربط هذه العلاقة برباط متين، حيث صدّق أبو بكر نبينا (ص) – وهو صديقه – فيما تجاوز إدراك العقل، إذ جاءه بعض المشركين المشككين في الإسراء والمعراج، ويقولون له: يا أبا بكر، يزعم صاحبك أنّه أسري به وعُرج به إلى ما بعد السماوات ثمّ عاد إلى بيته في سويعات من الليل!! فسألهم أبو بكر: أو قد قالها؟ فظن القومُ أنّه سيكذبه وأجابوا: نعم لقد قالها. فرد أبو بكر قائلاً: إن كان قد قالها فقد صدق!!

2- عاطفة الأخوة:

لقد أكّد الله عزّ وجلّ هذه الأخوة بين المؤمنين، فقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10)، كما أكّدها النبي (ص) في قوله: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره" (رواه مسلم).

 

-       آداب الأخوة:

لقد أوجز أحد الصالحين آداب الأخوة وهو يوصي ولده، فقال: "يا بني، إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤنة مانك.. اصحب من إذا مددت يدك بخير مدّها، وإن رأى من حسنة عدّها، وإن رأى سيئة سدّها.. اصحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكتّ ابتداك، وإن نزلت بك نازله واساك.. اصحب من إذا قلت صدّق قولك، وإن حاولتُما أمراً أمرك، وإن تنازعتُما شيئاً آثرك".

وقد أحسن الشاعر حين قال:

إن أخاك الحق من كان معك **** ومن يضرّ نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان صدعك **** شتّت فيه شمله ليجمعك

ولله در القائل:

أتدري أين سكناه **** أخوك وأين مسعاه؟

وهل عيناك تشبه **** إذا فالتتك عيناه

***

أخوك يعيش كالتاريخ **** في جنبيك مسراه

بلا لغة تصافحه **** وتدمعُ حين تلقاه

لئن ضاقت به الدنيا **** فصدرك أنت مأواه

***

وتسمو دونما منٍّ **** تخفف عنه بلواه

وترفع دونه حملاً **** إذا كلّت ذراعاه

لئن ضاقت به الدنيا **** فصدرك أنت مأواه

***

وتُسدل حوله ستراً **** إذا الشيطان أغواه

ترى أخراك مثمرة **** فقد أخصبت دنياه

لئن ضاقت به الدنيا **** فصدرك أنت مأواه

 

-       عاطفة الأخوة نوعان:

عاطفة الأخوة ضربان: عاطفة أخوة النسب، وعاطفة الأخوة في الله، وكلتا العاطفتين تقومان على ثلاث دعامات أساسية، هي:

أ‌-     التعارف:

ويستلزم أن يعرف الأخ اسم أخيه، وأولاده، وأقاربه، وأصحابه، وأحواله، وماذا يحب، وماذا يكره، وأين يسكن، وعلاقاته الاجتماعية والإنسانية، وثقافته، وقراءاته، وفكره، ونمط تفكيره وقدراته العقلية وظروفه الصحية والاقتصادية وسماته العاطفية والانفعالية، مع مراعاة الترفع عن التطفل واستطلاع أموره الشخصية وأسراره التي لا يرغب في الإباحة بها أو يمنعها الشرع.

ب‌-                    التفاهم:

والتفاهم يمثل ركيزة أساسية في عاطفة الأخوة، لأنّه سبب الألفة، وزاد الانسجام وقوة الأخوة، ويستلزم الاستنصاح والنصح من قبل الأخ لأخيه، كما يستلزم استجابة المنصوح للنصيحة، وقبولها بفرح وسرور، كما يجب أن يحذر الأخ الناصح لأخيه أن يتغير قلبه تجاه أخيه المنصوح، وليحذر أن يشعره بانتقاصه، أو بتفضيل نفسه عليه، كما يجب أن يراعي آداب النصح، وليكن أمامه الهدف واضحاً؛ فليس الهدف التجريح وإبراز العيوب، وإنما الهدف إصلاح حال أخيه، فليصبر عليه، وليقدره، وليكن الود بينهما هو الداعم لهذه الأخوة، ويدعو له بصلاح الحال، وليحذر المنصوح كذلك أن يعاند أو أن يتغير قلبه نحو أخيه الناصح، فإن مرتبة الحب في الله أعلى المراتب، والنصيحة ركن الدين، وليس هناك أحد فوق النصيحة، قال (ص): "الدين النصيحة" (ثلاثاً)، ولما سأله أصحابه (رض): لمن يا رسول الله (ص)؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" (رواه مسلم)، و"المؤمن مرآة أخيه" (رواه البخاري).

وليكن الناصح رفيقاً حكيماً، يقدم نصيحته بلطف وليس على الملأ جهاراً، يقول الإمام الشافعي: "من نصح أخاه سراً، فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه".

وفي مقام النصح من الحكمة أن يتغاضى الأخ من هفوات أخيه ويصبر عليه ويتسامح معه، يقول أبو الدرداء (رض): "إذا تغير أخوك وحال عما كمان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى".

لك أن تستشعر – عزيزي القارئ – وتتصور هذا المعنى العظيم للتكافل في قوله (ص): "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" (رواه الشيخان).

جـ- التكافل:

ويقصد بالتكافل هنا أن يحمل الأخ عبء أخيه، فالتكافل لُبّ الأخوة، فليتعهد الأخ أخاه بالسؤال والبر، وليبادر بمساعدته ما وجد إلى ذلك سبيلاً، مؤثراً إياه على نفسه، فما أعظم قول الشاعر:

وما المرء إلا بإخوانه **** كما تقبض الكف بالمعصم

ولا خير في الكف مقطوعة **** ولا خير في الساعد الأجذم

روى أن رجلاً قال لأبي هريرة (رض): إني أريد أن أؤاخيك في الله، فقال له: أتدري ما حق الإخاء؟ قال: عرفني. قال: لا تكون أحق بدينارك ودرهمك مني. قال: لم أبلغ هذه المنزلة بعد. قال: فاذهب عني.

 

3- عاطفة الزوجية:

الزواج يقوم على علاقة الحب والمودة والرحمة، وقد أكّد القرآن الكريم هذا المعنى في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/ 21).

والزواج علاقة بين طرفين؛ هما: الزوج والزوجة، وهذه العلاقة قامت على أساس الإستقرار والإستمرار والإتصال، ولها متطلبات تبادلية بين الطرفين، ومن أهم جوانب هذا التواصل الإشباع الوجداني العاطفي، وهذا الإشباع يتطلب إتصالاً روحياً وجسدياً لتحقيق مشاعر إيجابية تفضي إلى إنعاش العلاقة، وإحساس كل طرف بالسعادة والرضا، والسكينة والطمأنينة وإيجاد بيئة زوجية أسرية دافئة، تنأى بذاتها عن التوترات والمشكلات التي قد تصل بالأمر إلى حد الانفصال، وما يترتب عليه من تبعات موجعة ومؤلمة تتجاوز طرفي العلاقة (الزواج والزوجة) إلى الأبرياء من الأولاد، وغيرهم ممن يتواجدون في البيئة الأسرية مع الزوجين.

 

-       العاطفة زاد السعادة الزوجية:

لا شكّ أنّ السعادة الزوجية تحتاج إلى زاد يغذيها، وإلى ري يسقيها؛ لتنمو وتترعرع وتؤتي حصادها وثمارها كل حين بإذن ربها، فلا يمكن تحقيق الانسجام بين الزوجين والتوافق والتكيف بينهما إلا بالعاطفة، وهذه العاطفة يجب أن تكون متبادلة بين الطرفين؛ فإن تحققت من طرف واحد دون الطرف الثاني ذبلت وانكمشت، وصارت هشيماً تذروه الرياح، لا طعم لها ولا رائحة ولا لون، بل تجلب على طرفيها الكآبة والنكد، والحزن والألم.

 

-       خطأ شائع:

يخطئ كثير من الأزواج عندما يظنون أنّ العاطفة لا تتحقق إلا بكلمات الغزل والإشباع الجسدي والجنسي، وإشباع الغرائز والشهوات ويغفلون – أو يتغافلون – عن جوانب لا يمكن – من دونها – تحقيق العاطفة الحميمية بين الزوجين؛ مما يؤدي في النهاية إلى وقوع بيوتنا في أزمات عاطفية، وخاصة بين الزوجين، أخطرها الآن الفتور العاطفي بين الزوجين، الذي أصبح يهدد الحياة الزوجية في معظم البيوت!!►

 

·      أستاذ المناهج وأساليب التربية الإسلامية المساعد

ارسال التعليق

Top