• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

غير الكلمة يتغير الموقف لصالحك

أسرة

غير الكلمة يتغير الموقف لصالحك
 القاعدة الكليّة لمجموع سلبيات فن التعامل الإجتماعي، هو أنّ تغيير الكلمة أحياناً يُغيِّر الموقف.. يُخفِّف من احتقانه.. يُلطِّفه، إنّ كلمة: (لا أفرض عليك رأيي ولكنّني أرى ذلك)، أرفق بكثير من كلمات فيها رائحة الفرض أو الإملاء. وعتاب رقيق من قبيل: كنتَ أتمنّى لو كنتَ أكثر تفهّماً، قد يساعد على اندمال جرح بعكس كلمة من قبيل: أنتَ دائماً تُسيء الظنّ بي. واعتراف من قبيل: هذا هو حدّ تصوّري، هذا هو مقدار معرفتي، أبرد على الخاطر من كلمة: أنا أفهم منك.. وهكذا. وحتى تكتمل الصورة سنضع بين يديك عدداً من المُنفِّرات عسى أن نحرص على تحاشيها كجزء من إجادتنا لفنِّ التعامل: 1- في كتاب الله الكريم أكثر من لفتة قرآنية لما اصطلحنا عليه بالمنفِّرات، ومنها: أ- السخرية: وهي الإستهزاء بالآخرين ظنّاً منّا أنّنا أفضل منهم، ناسين قد يفوقوننا في أشياء كثيرة، وأنّ ما قد نسخر منه قد يكون ابتلاءً لا دخل للمصاب فيه؛ كالأعرج أو الأعور أو الأصمّ أو الأبكم. يقول تعالى: (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) (الحجرات/ 11). ب- اللّمز: وهو الوخز والطعن بالعيب، وهو من أسرة المنفِّرات المزعجات، وهو أن تطّلع على عيب في أخيك فتعيِّره به، أو تهزأ به أمام الآخرين ممّا يسبِّب له جرحاً عميقاً، في حين أنّ الإسلام يحبّ الستر ويدعونا إلى أن نستر ما نراه من عيوب الآخرين. يقول تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (الحجرات/ 11). ج- التنابز: وهو التنادي بما يسيء لإخواننا ويكرهونه، فالألقاب الساخرة والأسماء اللاذعة، وأدوات التخاطب المخدشة تعبِّر عن هبوط في الشخصية، ولقد مرّ معنا أنّ الإسلام يُطالبنا بأن ننادي إخواننا بأحبّ الأسماء إليهم. يقول تعالى: (وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) (الحجرات/ 11). د- سوء الظنّ: وهو أن تُفسِّر كلّ حركةٍ وسكنةٍ من أخيكَ تفسيراً سيِّئاً، وهو كذلك كاشف عن نفس تنطوي على خبث وسوداويّة فلا ترى من أفعال الناس وأقوالهم إلّا المشين. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات/ 12). وقد ورد عن النبي (ص) قوله: "إيّاكم والظنّ، فإنّ الظنّ أكذَب الحديث". هـ- التجسّس: فكما عدم الثِّقة يقودك إلى سوء الظنّ وهو عمل باطني، فكذلك يقودك إلى عملٍ ظاهري وهو التجسّس والتقاط العثرات وتتبّبع الأخطاء وترصّد الهفوات، فالتجسّس هو تتبّع عورات وعثرات المؤمن. يقول تعالى: (وَلا تَجَسَّسُوا) (الحجرات/ 12). و- الغيبة: وهي ذكرك أخاك بما يكره، فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه. وهي جهد العاجز الجبان الذي لا يقوى على مواجهة الآخرين بالصراحة فينال منهم في غيابهم، فهو كَمَنْ يطعن في الظهر.. وأخطر ما فيها أنّها توسِّع من دائرة المطّلعين على العيب ممّا يسبِّب هتك حرمة المؤمن، ولنتأمل في هذه الصورة المقزِّزة والنابية عن كلّ ذوق، يقول تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات/ 12). ز- النّميمة: وهي نقل ما يسمعه أحدنا من شخص إلى آخر ليوقع بينهما، وهذا من سوء الطّبع والسريرة، فبدلاً من أن نعمل على إصلاح ذات البين ونقل الصور الطيِّبة عن كلِّ صديق، نعمد إلى تشويه صورته في نظر الآخر، ولذلك قال تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم/ 10-11). وجاء في الحديث: "مَن نمّ لك نمّ عليك". وقال رسول الله (ص): "ألا أنبِّئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشّاؤون بالنميمة، المفرِّقون بين الأحبّة". ح- هتك الحُرمة: إنّ كلّ ما سبق من منفِّرات تُشكِّل هتكاً لحُرمة المؤمن التي توصَف – حسب الروايات – بأنّها أعظم من حرمة الكعبة، ولكن يُضاف إليها كلّ ما من شأنه أن يسيء أو يشوِّه سمعة المؤمن بحيث يُسقطه اجتماعياً. يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) (النور/ 19). وفي الحديث: "لا تُذهِب بالحِشمَةِ بينكَ وبين أخيك.. أبقِ منها فإنّ ذهابها ذهاب الحَياء". وفي المحصِّلة يحرم إيذاء المؤمن وتحزينه وإهانته وخذلانه واحتقاره وإسخاطه. يقول الرسول الكريم (ص): "مَن آذى مؤمناً فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله". ط- الشّحناء والمُعاداة: ومن المعاول التي تهدم الأخوّة وتخرِّب بيت الصداقة: (الشحناء) وهي البغضاء، و(المعاداة) وهي اعتبار أخيك عدوّاً لك، و(الملاحاة) وهي أشدّ الخصومة، حتى أن رسول الله (ص) قال: "مَن لاحى الرجال، سقطت مروءته وذهبت كرامته". و(المشارّة) وهي التسبّب في الشر للآخر، و(المشاجرة) والشجار أوّل الخصومة ونوع من أنواعها، و(القيل والقال) وهو من النميمة والغيبة والتسقيط، و(التباغض) الذي يقطع جسور الوصل، حتى جاء في الحديث: "إنّ في التباغض الحالقة – ولا أعني حالقة الشعر – ولكن حالقة الدِّين"، (المراء) وهو الأسلوب الملتوي في التعامل. ويقول علي (ع): "مَن بالغ في الخصومةِ أثِم، ومَن قصّرَ فيها ظُلم، ولا يستطيع أن يتّقي الله مَن خاصم". ي- إحصاء العثرات: وهي عمليّة تنمّ عن خبث واستعداد نفسي للإطاحة بالآخر من خلال احصاء عثراته وزلاته، وهي أشبه بما تقوم به قوى المخابرات من الاستدراج للإيقاع بالضحيّة. يقول جعفر الصادق (ع): "مَن أحصى على أخيه المؤمن عيباً ليشينه يه ويهدم مروءته، فقد تبوّأ مقعده من النار". وقد وصفته أحاديث أخرى بأنّه من الغدر. ك- الهَجْر: قد تصل العلاقة بيني وبين أخي وصديقي إلى درجة المقاطعة المؤقتة، وذلك أمر طبيعي في حال تعصّب كلّ منّا لموقفه، ولكن إذا حصل وانتهى الأمر بالقطيعة، فلا ينبغي أن يصل إلى درجة الهجران الكلي أو الدائم، فذلك ممّا ينافي إسلام المسلم وإيمان المؤمن. يقول الرسول الكريم (ص): "أيّما مسلِمَيْنِ تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام، ولم يكن بينهما ولاية، فأيّهما سبق إلى كلامِ أخيه، كان السابق إلى الجنّة يوم الحساب". وفي قواعد السلوك وآدابه: "لا تنفعل ولا تجادل ولا تضغط ولا تُصعِّد الموقف.. إكسب الجدال بأن تتجنّبه.. إنّ كلمة (أنتَ مُخطئ) هي أقصر طريق لجلب العداوة.. سلِّم بالخطأ حين تُخطئ.. ولا تنتقِد نقداً عقيماً يكسر القلب ويذلّ النفس، فذلك أساس النّكد".

ارسال التعليق

Top