• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

معنى الصّوم الحقيقي

معنى الصّوم الحقيقي

يمكن تصوّر الصّوم على أشكال معيّنة؛ هناك الصّوم الماديّ، وهو أن تمتنع عن الأكل وعن الشّرب وعن اللّذات الجنسيّة، وما إلى ذلك ممّا يحيط بهذه الأمور الأساسيّة، هذا الصّوم المادّيّ الذي إذا فعلته فقد امتثلت الأمر بالصّوم وسقط عنك الواجب.

لكنْ هناك نوع آخر من الصّوم، وهو أن تصوم عن الكذب، وأن تصوم عن الغيبة، وأن تصوم عن النَّميمة، وأن تصوم عن الشَّتم، وأن تصوم عن إيذاء النّاس، وأن تصوم عن ظلم النّاس، وأن تصوم عن الاعتداء على أرواح النّاس وأحوالهم وأعراضهم.. هذا نوعٌ آخر من الصّوم؛ أن تصوم صوماً أخلاقياً يجعلك تراقب نفسك في ما تريد أن تتكلَّم، كما تراقب نفسك في ما تريد أن تأكل أو تشرب، وهكذا تراقب نفسك في ما حرَّمه الله عليك من الأفعال والأعمال الأخرى، لأنَّ الله جعل للإنسان صومين؛ صوماً صغيراً، وصوماً كبيراً. أمّا الصّوم الصغير، فهو صومك في شهر رمضان عمّا أرادك الله أن تمسك عنه، وأمّا الصوم الكبير، فهو صوم العمر كلّه عن كلّ ما حرَّم الله عليك ممّا تقول وممّا تفعل وممّا تتحرَّك فيه من مواقف ومن علاقات على كلّ المستويات، والصَّوم الصّغير مقدّمة للصّوم الكبير، المعركة الصّغيرة مع النفس في شهر رمضان هي مقدّمة للمعركة الكبيرة مع النّفس ومع الآخرين في غير شهر رمضان.

ولهذا، لابدّ أن نعيش هذا الصّوم من خلال ما نتحرّك فيه في حياتنا اليوميّة، وقد ورد أنّ الإنسان الذي يمارس الغيبة والكذب وأمثال ذلك، لا صوم له، يعني أنّه يفقد معنى الصّوم وروحيّته، لأنّه لم يستفد من الصّوم في ذلك كلّه، وهكذا نريد للإنسان عندما يعيش الصّوم في نفسه، أن يمنع نفسه من الأفكار السيّئة والنّيات السيّئة والدّوافع السيّئة، لأنَّ مشكلة كلّ واحدٍ منّا هي في أفكاره وفي نيَّاته وفي دوافعه، لأنَّ أفكارنا هي الّتي تصنع لنا مواقفنا، ولأنّ نياتنا هي التي تتحرّك في خطّ علاقاتنا.

 ولهذا، إذا أردت أن تكون الصّائم التقيّ المنفتح على الله، فإنَّ الله يريد أن يقول لكَ ليست المشكلة أن تكون أعضاؤك صائمة عن الشرّ وعن الجريمة وعن الحرام، ولكنّ المفروض أن تكون أفكارك صائمة ومشاعرك صائمة وأن تكون نيّاتك صائمة، لأنَّ للفكر صوماً، فإنَّ الإنسان إذا أراد أن يفكِّر، فقد يفكِّر بعض الناس تفكير الخير الّذي يبني للحياة سلامتها، ويبني للحياة قوّتها، ويبني للنّاس قوّتهم، وأنّ للفكر أيضاً طريقاً شرّيراً يخطّط فيه الإنسان للشرّ، عندما يفكّر في إيذاء النّاس وفي العدوان عليهم وفي ظلمهم وفي انتهاب أموالهم وفي الاعتداء على أعراضهم وحياتهم، هذا فكرٌ شرّير، الذين يفكّرون بهذه الطّريقة، الله يقول لهم ليصم فكركم عن كلّ فكر الشرّ، وليبقَ الفكر متحرِّكاً من خلال غذاء الخير كلّه، ومن خلال حركة الخير كلّه، والله يقول لكم أيضاً، إنَّ لأفكاركم كفراً وإيماناً، وإنَّ لأفكاركم عدلاً وظلماً، فلا تظلموا الناس في أفكاركم عندما تحقّقون الانطباع في أنفسكم عنهم من خلال قضايا غير دقيقة، ومن خلال مصادر غير موثوقة.

ارسال التعليق

Top