• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شبابنا.. رُوّاد الغد الإسلامي

شبابنا.. رُوّاد الغد الإسلامي

◄تعتبر مسألة تربية الناشئين واليافعين والصبيان أخلاقياً مسألة ذات أهمية لجميع الدول والمجتمعات، وتتضاعف هذه الأهمية في المجتمع الإسلامي؛ لأنّ المجتمع الإسلامي – أي المجتمع الذي يُراد بناؤه طبقاً للأفكار والأحكام الإسلامية – قد أعدّ نفسه لكفاح أسمى وأشق من الكفاح الاعتيادي لسائر المجتمعات، وتحمَّله قهراً، فجميع المجتمعات تخوض كفاحاً، ولا يمكن تحقّق الصلاح في المجتمع دون كفاح، والكفاح يعني السعي والمجاهدة ضد القوى المعارضة.

ففي كلّ مكان هناك عناصر تعلّم الصغار – كلّ حسب ثقافته – على الرذائل مثل السرقة والفساد والكسل والانحراف، والصغار بدورهم يتلقّون هذه التعاليم. فكم هي نسبة الصبيان الذين يتعلّمون هذه الأمور المرفوضة والمنبوذة مع أنها تختلف من مكان إلى آخر؟ فعلى كلّ دولة محاربة بعض الأمور؛ ليمكنها تربية شبابها تربية سليمة ليكونوا في المستقبل خبراء نشطين ومفيدين ومواطنين صالحين في خدمة بلدهم، ولا يتحقّق هذا العمل دون الكفاح. فعلى جميع الشرائح ولاسيّما الشباب أن يكافحوا؛ ليعيش المجتمع حياة طيّبة ويسلك طريق الصلاح. وهذا الأمر لا يعني المجتمعات الإسلامية فقط، بل يلزم على كلّ المجتمعات القيام بهذا الكفاح، وبدونه تفسد كلّ الأجيال، ولهذا يلاحظ غلبة الفساد في بعض الدول؛ بسبب فتور وضعف هذا الكفاح، الناشئ من فساد مؤسسات تلك الدول وأجهزتها. وعلى سبيل المثال صدرت مؤخراً إحصائيات تذكر أنّه يقتل في كلّ شهر عدد من الشباب أو الصبيان في المدارس الأميركية بواسطة زملائهم، وهي مسألة خطيرة أن يقتل الصبيان بعضهم بعضاً في بلد ما باستمرار؛ وذلك نتيجة لإهمال العاملين ومفاسد أخرى هناك، أو نتيجة الهجوم العنيف لتيار الفساد.

وهناك عامل آخر يجعل الكفاح أكثر صعوبة، وهو وجود أياد – إضافة إلى عوامل الفساد والشر الموجودة في كلّ مجتمع بشكل قهري – تعدّ البرامج لترويج الشرّ والفساد في أوساط الشباب والناشئين.

كذلك قد تكون طبيعة حركة المجتمع أو حياة الناس أحياناً بشكل تبعث على الفساد؛ لأنّ الطبيعة الإنسانية تميل إلى الأدنى والأسفل، وهذا موجود في كلّ مجتمع، لكن تشاهد عناصر في المجتمع قد شدّت أحزمتها لتروّج الفساد وبالخصوص في أوساط الجيل الناشئ بصورة مستمرة، لهذا يجب أن يكون الكفاح أكثر وعياً.

حيث إنّ المجتمع والنظام الإسلامي يرغب في تقديم شيئين:

الأوّل: الراحة والأمان لحياة الإنسان المادية، فلا معنى للحياة المادية دون الراحة والأمن، والراحة والأمن أقل مستلزمات الحياة والرفاه حتماً.

الثاني: يحثّ الإنسان على العروج المعنوي، فالراحة والأمان مطلوبان في هذه الدنيا ونافعان حتى لحظة الاحتضار، لكن لا نفع بهما بعد الموت، عندها يلزم شيء آخر وهو التكامل والعروج والفتح الروحي والتقرب إلى الله، فالتخلّق بأخلاق الله هو الباقي هناك، ويبلى جسم الإنسان لكن شكل الروح باق ونافع هناك.

لكن لا أثر لهذا ولا ذاك في الحضارة البشرية الحالية، بل الموجود هو الشهوات واللذات والتحرر الجنسي وتعاطي المشروبات الروحية، التي تأخذ الإنسان إلى عالم الأوهام بعيداً عن المشاكل فترة ثمّ تعود عليه المشاكل نفسها بصورة أشد. قد يمتلك البعض الثروة أحياناً، لكن الثروة لا تعني الحياة والراحة والأمان، فالنظام الإسلامي يودّ توفير هذه الأمور، والوصول إلى مجتمع تتوفر فيه الراحة أي السكينة: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة/ 26)، والأمن (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش/ 4)، وعندما دعا النّبيّ إبراهيم (ع) لمكّة لم يقل رب اجعل هذا البلد مخضراً، بل قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِن) (إبراهيم/ 35).

أمّا التحول الأخلاقي فمعناه ازاحة كلّ رذيلة أخلاقية، وكلّ خلق قبيح، وكلّ سلوك مستهجن قد يكون سبباً في إيذاء الآخرين، أو يكون عاملاً في تخلف الشخص ذاته، والتحلي بدلاً منها بالفضائل ومحاسن الأخلاق.

المجتمع الخالي من الحسد والبغض والحقد، هو ذلك المجتمع الذي لا يستخدم فيه الأذكياء في الكيد للآخرين وخداعهم، ولا يكرّس فيه أصحاب المعرفة والعلم معرفتهم وعلمهم في الإساءة لأبناء جلدتهم ومساعدة أعداء شعبهم، بل يضمر جميع أبناء المجتمع الخير بعضهم للبعض الآخر بعيداً عن الحسد والحقد، ولا يبتغون رغد العيش على حساب الحط من الآخرين وألغائهم، ولا يطمعون في نيل كلّ ما تشتهي أنفسهم، كلّ هذا يعتبر تحولاً أخلاقياً، إلّا أنّه الحد الأدنى من القضية، فإذا لم يقترن في مجتمع ما العمل والنشاط الاقتصادي بتخزين الذهب والثروة، أو الرغبة في مكاثرة الآخرين والإساءة للمحرومين واهمال شأنهم، وإذا سادت في هذا المجتمع محاسن الأخلاق التي عدّها الإسلام فضيلة، وعبّرت عنها الأحاديث بأنّها جنود العقل، وتمسّك الناس بالصبر والاستقامة، والتوكّل، والتواضع والحلم، من غير سوء ظن بالآخرين، أو عدم مبالاة بأحوالهم، مع الشعور بالمسؤولية حيال مصير المجتمع، وإذا سادت القناعة بين أبنائه بلا إسراف أو تبذير وما شابه ذلك، بعيداً عن الحرص والطمع، تحولت حياة ذلك المجتمع إلى جنّة وعيش رغيد، فالرذائل المذكورة هذه هي من أسباب البلاء في المجتمعات المعاصرة حتى في البلدان الغنية والمتقدمة، وإن ما يقلق الإنسانية اليوم هو هذا الخواء الأخلاقي.

إنّ الشباب يميل بشكل طبيعي إلى التنافس، ولكن التنافس الذي نطمح إليه ونأمل أن يتمرس عليه الشباب هو أن يكون لتربية النفس الأمارة بالسوء الداعية إلى الانحطاط والرذيلة والمانعة عن السمو والتكامل، وكبح جماحها، والشباب مدعوون لمقاومة نوازع الشهوة والنزوات وجميع الحوافز التي تدفعهم إلى مثل هذه الرذائل.►

ارسال التعليق

Top