• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

علاج إضطرابات الغدة الدرقية

علاج إضطرابات الغدة الدرقية
للغدة الدرقية دور حساس في تنظيم الأيض. لكن، حين ترتفع إفرازاتها أو بالعكس تضمحل، يتخلخل الأيض، وأيضاً المنظومة الهرمونية، ما يؤثر في المزاج والطباع. ويصبح النشاط مفرطاً في حال ارتفاع الإفرازات، بينما يؤدي هبوط الإفراز إلى الخمول والكسل. ربما شعرتِ يوماً بحالة غضب واحتداد لم يعهدها منك مقربوك. وربما أحسست بخمول لا يقاوم، لم تعهده من قبل. في الحالة الأولى، يكمن السبب في تزايد نشاط الغدة الدرقية، وفي الحالة الثانية تناقص ذلك النشاط. والغدة الدرقية غدة صماء (ما يعني أن إفرازاتها تنتشر مباشرة في الدم)، تشبه الفراشة من حيث الشكل، ومقرها في العنق، بجوار الحنجرة والقصبة الهوائية العليا. وعلى إفرازاتها، تتوقف بشكل كبير عملية الأيض، أي مجموع التحولات والتبادلات اللازمة لبناء الخلايا وهدمها، بالتالي تجديد النسيج الحيوي. وأي اختلال في إفرازات الغدة الدرقية، زيادة أو نقصاناً، يؤدي إلى اضطرابات بدنية، وأيضاً نفسية. فأحياناً، تعمل الغدة الدرقية بوتيرة عالية، وأحياناً أخرى تضمر. وللحالتين تداعيات مزعجة. وفي ما يخص المرأة، لوحظ أن اختلال عمل الغدة الدرقية، زيادة أو نقصاناً، قد يحصل أثناء الحمل وبعد الولادة وقبل بلوغ سن انقطاع الطمث، وعقب تجاوزه.   - متلازمة "بيزدو": تؤدي زيادة الإفراز الدرقي إلى حدة المزاج والتوتر والقلق والتهور، بينما يؤدي نقصها إلى الخمول والكسل والتراخي، وعدم الرغبة في عمل شيء. فما أسباب مثل تلك الزيادة؟ يشير الأخصائيون إلى أن أهم مسببات الإفراط الدرقي يتمثل في داء "بيزدو Basedow"، نسبة إلى الطبيب الألماني كارل فون بيزدو، الذي اكتشف الداء. ويسمى أيضاً مرض "غراف بيزدو Graves-Basedow"، نظراً إلى إسهام الطبيب الفرنسي غوستاف غراف في تشخيص المرض وإجراء بحوث عنه. والداء ينجم على الأكثر عن عوامل نفسية واجتماعية، مثل صدمة عاطفية، أو انهيار عصبي، أو مشاكل شخصية، وحالة قلق مستدامة، وما شابه. لكن، هناك أيضاً عوامل فيزيولوجية بدنية حقيقية، وليست نفسية أو اجتماعية، قد تفضي إلى "مرض بيزدو". ومنها: - بروز "سلعة" (أو "تورم درقي"، goiter بالإنجليزية). - ظهور "عُقيدة" (أو "عُجيرة") سامة في الغدة الدرقية. - وجود ورم غير خبيث في الغدة الدرقية. - عجز في كمية عنصر اليود في الجسم. فهو ضروري لموازنة عمل الغدة الدرقية. ومعظم أنواع ملح الطعام التجاري تضم نسبة يود ضئيلة، إن لم نقل معدومة (مثلاً في المعلبات والمأكولات الجاهزة). لذا، ينبغي سدُّ العجز بشكل دائم، مثلاً من خلال تناول أغذية البحر والألبان ومنتجات الحليب وشراء أنواع من ملح الطعام تحتوي حقاً على نسبة كافية من اليود. إلى ذلك، في حال إفراط نشاط الغدة الدرقية، قد تظهر أعراض أخرى، عدا عن الاحتداد العصبي والـ"ستريس"، ومنها: 1- الإحساس بحرارة في الجسم وعطش شديد. 2- خفقان القلب، وعدم انتظام نبضاته. 3- تصبب العرق بشكل غير مألوف. 4- انخفاض الوزن (في بعض الأحيان) انخفاضاً غير صحي. 5- جحوظ العينين بشكل ملحوظ، بحيث يخيل إلى الناظر كأنهما تخرجان من حجريهما. 6- الأرق أو صعوبة النوم، والإكثار من النهوض ليلاً. 7- تكرر حالات الإسهال. 8- زيادة نشاط الأفعال الحيوية بشكل غير مبرر، ما يؤدي إلى إتعاب الأعضاء الحيوية.   - العمر الأكثر عرضة: لوحظ أنّ الفئة العمرية من 40 إلى 60 عاماً هي الأكثر عرضة. إلى ذلك، يصيب الداء النساء عشرة أضعاف الرجال. وهذا ما يفسر أن اختلال إفرازات الغدة الدرقية مرض نسائي بنسبة 90 في المئة. هكذا، بحسب الأطباء، فإنّ النساء هن من يراجعنهم في هذا الشأن، على الأكثر، ويندر أن يراجعهم رجال شاكين من اضطرابات التدرقن. إلى ذلك، لوحظ أن فترات الحمل وما بعد الولادة وانقطاع الطمث، أو قيله وبعده، هي الفترات الأكثر عرضة لاضطراب وظيفة الغدة الدرقية. وتلك ملاحظات إحصائية، إذ لم يجد الباحثون تفسيراً دقيقاً بالمعنى العلمي المضبوط، لتلك النتائج الحسابية. على الرغم من ذلك، يجمعون على أنها جزء من الاضطرابات الهرمونية العامة التي تتسم بها تلك الفترات من عمر المرأة. لذا، ينبغي إبداء التفهم وروح التسامح حين تنمّ امرأة ما من الوسط المحيط، العائلي أو المهني أو الاجتماعي، نوعاً من حدة المزاج وهي تمرُّ بإحدى تلك المراحل. فاضطراب المزاج الناجم عن اختلال عمل الغدة الدرقية، واضطراب النظام الهرموني بأسره، أمور خارج إرادتها، ولا تقوى على شيء إزاءها. وطبعاً، ثمة علاجات هرمونية، تنصبُّ على إعادة التوازن الهرموني، قدر الإمكان. لكنها علاجات عسيرة، وتتطلب فحوصاً وحسابات دقيقة لكل حالة فردية، إذ ثمّة حالات متباينة بقدر ما هناك من نساء معنيات. واختلال التوازن الهرموني قد يطال هذا الهرمون دون ذاك. هكذا، على سبيل المثال، يشمل الفحص ما يسمّى هُرمون "ثيروتروبين" (المسمّى TSH، أي Thyroid Stimulating Hormone)، وهو "هرمون تحفيز الغدة الدرقية". وهذا الهرمون، الذي تفرزه غدة أخرى صغيرة، تقع تحت الغدة النخامية، يتحكم في نشاط الغدة الدرقية، ويضم مادة بروتينية، تحتوي على 96 وحدة ثانوية من أحماض أمينية من نوع "بيتا". وإفرازه، في حد ذاته، يخضع لتحكم إفراز آخر، تقوم به غدة أخرى، تدعى "TRH" (مختصر Thyreotropin Releasing Hormone). وكل ذلك يعطي دليلاً على تعقيد فحوصات الإفرازات الدرقية. فهذه تشمل هرمونات عديدة، أهمها "تي3" (أو "تراي آيدو ثيرونين")، و"تي4" (أو "ثايروكسين"). وهما عنصران مهمان، أو تؤدي زيادتهما إلى الإصابة بـ"داء بيزدو". وتلك مجرد أمثلة نشير إليها لتوضيح تعقيد آلية عمل الغدة الدرقية، وتداخلها مع غدد أخرى، وعسر إجراء حسابات مختبرية دقيقة.   - العلاج: 1- تناول أدوية مضادة لتضخم التدرقن، مثل "كاربيمازول" و"بروبيلثيوراسيل". 2- استخدام اليود المشع، أ "يود 131". فهو يقضي بشكل انتقائي على قسم من خلال الغدة الدرقية، بحيث تستعيد نشاطاً متوازناً. وهذه هي الوسيلة المفضلة في أميركا، بينما يميل الأوروبيون إلى العلاج بالدواء. 3- استئصال الغدة الدرقية. وهي عملية عسيرة، لا ينبغي اللجوء إليها سوى بعد إخفاق السبل الأخرى. والاستئصال قد يكون تاماً، لكنه جزئي في أغلب الأحيان، يشمل أحد نصفي الغدة، الأيمن أو الأيسر. في أي حال، قد يؤدي إلى الحالة المعاكسة: ضمور نشاط الغدة الدرقية.   - ضمور نشاط الغدة الدرقية: طبعاً، يؤدي انخفاض إفرازات الغدة الدرقية إلى نتائج معاكسة لحالة تضخم إفرازات تلك الغدة. فمثلاً، عوضاً عن الأرق وصعوبة النعاس والنهوض مرات ليلاً، مثلما هي الحال عند زيادة الإفرازات الدرقية، يفضي انخفاضها إلى الشعور الدائم بالنعاس، والنوم الزائد، حتى أثناء النهار. لكن هبوط نبضات القلب يشكل أخطر تداعيات انخفاض نشاط الغدة الدرقية. ومن الأعراض الأخرى الناجمة عن هبوط التدرقن، نشير إلى: - انهيار المعنويات وثبوط العزيمة. - تعب وإرهاق وخمول من دون سبب ظاهر. - تشتت الفكر، وعدم القدرة على التركيز. - فقدان ذاكرة جزئي (أحياناً). - شعور بالإحباط. - في حالات قصوى، قد يحصل تلعثم في الكلام، وتفوه بعبارات غامضة، غير مفهومة. - تصبح البشرة سميكة ومتشققة. - تشقق الأظافر. - زيادة وزن غير سليمة. - حالات إمساك متكررة. - إحساس بالبرد من دون داعٍ. - تباطؤ عملية الأيض. - تدني المقدرات الفكرية والذهنية. - اضمحلال الرغبة الجنسية. لكن، لحسن الحظ، يعدُّ علاج نقص التدرقن هيناً نسبياً، على عكس علاج زيادة التدرقن. إذ يكفي إمداد الجسم بتركيبة هرمونات صناعية، تُسمّى "تيترا يودو تيروينين"، تفي إلى حد بعيد بغرض الهرمونات الطبيعية.

ارسال التعليق

Top