• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السعادة في طبق الطعام

السعادة في طبق الطعام

هل يمكن للطعام الذي نأكله أن يُحسّن مزاجنا؟ وهل صحيح أن فنجان القهوة، أو سلطة السبانخ أو طبق الفراولة يمكنه أن ينقذنا من الاكتئاب؟

كلّ من يحاول أن يأكل طعاماً حلواً عندما يكون متوتراً أو منزعجاً، يعرف أنّ الشعور بالارتياح الذي يخلفه لديه يكون سريع الزوال. فالإحساس بالحبور يدوم بضع دقائق فقط، ثمّ يليه هبوط سريع في مستويات سكر الدم، ما يزيد من شدة التوتر والنزق. وكانت الأبحاث قد أظهرت أنّ النظام الغذائي الحديث الغني بالأطعمة المصنعة والمقلية، والكربوهيدرات سريعة الهضم والسكاكر والدهون غير الصحية، يمكن أن يزيد كثيراً من إمكانية معاناتنا الاكتئاب، القلق وتقلبات المزاج.

لكن لحسن الحظ توجد خيارات لذيذة كثيراً تساعدنا على مكافحة الاكتئاب وتحسين المزاج وتعزيز الطاقة والأداء العام. ويقول المتخصص الأميركي الدكتور درو رامزي إن خيارات الطعام التي نتخذها  كلّ يوم تؤثر قي قدرة دماغنا على النمو في شفاء نفسه. ويؤكد أن أساس الصحة الذهنية الجيدة هو الأطعمة الكاملة الجيدة. ونستعرض في ما يلي عدداً من أبرز أنواع الأطعمة والمشروبات، التي أظهرت الأبحاث العلمية أنها تلعب دوراً في تحسين حالتنا النفسية والذهنية:

 

1-    الكافيين:

إذا  كنا نشعر بأن فنجان القهوة صباحاً يريحنا ويبعث فينا إحساساً بالحبور الفعلي، فإن ذلك ليس من نسج خيالنا. ففي دراسة أميركية كبيرة أجريت في كلية الصحة العامة في جامعة هارفرد في العام 2011، تبين أن إمكانية الإصابة بالاكتئاب تنخفض بنسبة 15% لدى النساء اللواتي يشربن بانتظام فنجانين من القهوة على الأقل في اليوم، مقارنة باللواتي لا يشربن القهوة. وتبين أنّ النسبة المذكورة تصل إلى 40% عندما تشرب النساء 4 فناجين أو أكثر من القهوة في اليوم. ويقول الخبراء إن أحد أسباب ذلك قد يتعلق بالكافيين الذي يؤدي تناوله إلى إطلاق مادة كيميائية في الدماغ تُدعى الدوبامين تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز القدرة على التركيز وتحسين نظرتنا العامة إلى الأشياء. ويقول رامزي إنّ القهوة تحتوي أيضاً على عناصر مغذية نباتية تلعب دوراً شبيهاً بذلك الذي تلعبه العقاقير المستخدمة لعلاج الاكتئاب. لكنه يشير إلى أنّ الكافيين لا يؤثر فينا جميعاً بالطريقة نفسها، لذلك علينا أن نخفف من احتساء القهوة أو المشروبات الأخرى الغنية بالكافيين، إذا  كان ذلك يجعلنا عصبيين، ويزيد من صعوبة خلودنا إلى النوم.

 

2-    الدهون:

ليس هناك ما يجعلنا نشعر بالراحة وبالرضا مثل تناول وجبة خفيفة غنية بالدهون. فالدهون تمنحنا إحساساً لا يضاهى بالارتياح لأنها تسهم في إبطاء سرعة الهضم، وتساعد على استقرار مستويات سكر الدم الذي يسهم في هدوئنا. لكن الدهون ليست جميعها متساوية. ففي مراجعة للعديد من الدراسات التي قارنت بين حالات اضطرابات المزاج في اليابان، فنلندا، آيسلندا وبلدان أخرى، تبين أن تناول وجبتين أو ثلاث وجبات على الأقل من ثمار البحر الغنية بأحماض أوميغا – 3 الدهنية، في الأسبوع، يرتبط بانخفاض نسبة الإصابة بالاكتئاب وبالاضطرابات الانفعالية الأخرى. وجاءت أبحاث أخرى لتدعم هذه النتائج، فأظهرت أنّ الأشخاص الذين يعانون انخفاضاً في مستويات أحماض أوميغا – 3 يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق. ويقول العلماء إنّ السبب يعود على الأرجح إلى أنّ هذه الدهون تساعد على تعزيز وظائف مناطق دماغية مسؤولة عن تنظيم المزاج والانفعالات.

وتعلق الطبيبة النفسية الأميركية ماري مورييل من كلية الطب في جامعة واين، فتقول إننا شهدنا للأسف خلال العقود الماضية تراجعاً  كبيراً في مستويات هذه الأحماض في نظامنا الغذائي، ما أثر سلباً في حالتنا النفسية والمزاجية. وتنصح رابطة أطباء النفس الأميركية البالغين بتناول حصتين أو ثلاث من الأسماك الدهنية مثل سمك السالمون في الأسبوع. كذلك من المهم عند شراء اللحوم اختيار لحوم الماشية والدواجن التي تقتات على الأعشاب عوضاً عن تلك التي تقتات على الذرة. فالأولى تحتوي على نسبة أعلى من أحماض أوميغا – 3 الدهنية. كذلك علينا أن نأكل الأفوكادو والمكسرات التي تُعتبر مصادر من أحماض أوميغا – 3 الدهنية يومياً، ويمكن الحصول عليها عن طريق تناول 120 غراماً من السالمون أو ربع كوب من الجوز.

 

3-    الكربوهيدرات:

غالباً ما نشعر مع حلول فترة بعد الظهر بتوق شديد إلى تناول الأطعمة غير الصحية، مثل تلك الموجودة في آلات بيع الأطعمة. وتقول البروفيسورة جوديث ورتمان إن سبب ذلك يعود إلى انخفاض في مستويات السيروتونين، وهي مادة دماغية كيميائية طبيعية، يؤدي انخفاضها إلى تعكر المزاج الذي يعانيه البعض في فترة بعد الظهر. وهي تنصح بتناول وجبة خفيفة مؤلفة مما يتراوح بين 24 و30 غراماً من الكربوهيدرات بطيئة الهضم التي تسهم كثيراً في تحسين المزاج، مثل الحمص بالطحينة مع شريحة من خبز القمح الكامل.

 

4-    التريبتوفان:

تقول المتخصصة الأميركية في علوم التغذية سوزان باورمان إنّ المادة التي تجعلنا نشعر بالنعاس بعد تناول الديك الرومي، تساعد أيضاً على إحساسنا بالهدوء وبالسعادة. وهذه المادة هي التريبتوفان، حمض أميني لا يمكن للجسم أن ينتجه بنفسه، ويحتاج إليه في عملية إنتاج السيروتونين، لذلك لابدّ من الحصول عليه من الأطعمة مثل الدواجن، البيض، والمكسرات. وهي تنصح بتناول 320 ملغ من التريبتوفان في اليوم، ويمكن الحصول عليها عن طريق تناول 12 غراماً من الدجاج، أو كوب من فول الصويا. ولتعزيز فاعلية التريبتوفان يمكننا أن نتناوله مع الكربوهيدرات. فقد تبين أن تناول ما يعادل شريحة من خبز الحبوب الكاملة المحمص يؤدي إلى ارتفاع مستويات الأنسولين، الذي يزيد بدوره من كمية التريبتوفان التي تصل إلى الدماغ. وهذا يعني أنّ الوجبة المثالية لتعزيز مستويات السيروتونين الذي يحسن المزاج هي شطيرة ديك رومي بخبز القمح الكامل.

 

5-    السبانخ:

يمكننا أن نحول غداءنا إلى وجبة صديقة للدماغ إذا استعضنا عن الخس بالسبانخ في طبق السلطة. فالسبانخ يوفر لنا كمية أكبر من الفيتامين B وحمض الفولات، مقارنة بالكمية نفسها من الخس. ويقول الدكتور رامزي إنّه كلما ارتفع تركيز الفولات في الدم تراجعت إمكانية معاناة المزاج السيئ والاكتئاب والتفكير المشوش. وبما أن حمض الفولات يذوب في الماء، فإنّ الجسم لا يتمكن من تخزينه ونحتاج إلى تناوله بانتظام عن طريق الطعام. وفي إحدى الدراسات الحديثة التي أجريت في جامعة أولستر الإيرلندية، تبين أنّ المشاركين الذين كانت تحوي كريات الدم الحمراء في دمائهم أكبر نسبة من الفولات، كانوا يعانون أقل قدر من حالات تعكر المزاج خلال أسبوع.

ويُعتبر السبانخ ملك الخضار الورقية الخضراء، فمقدار نصف كوب من أوراقه المطبوخة، أو كوبين من أوراقه الخضراء النيئة يوفر لنا 131 ميكروغراماً من الفولات، أي 33$ من الكمية التي يوصي الخبراء بتناولها، وهي 400 ميكروغرام في اليوم بالنسبة إلى المرأة التي يتراوح عمرها بين 19 و50 سنة. ومن المفيد إضافة القليل من حبوب الحمص المطبوخ إلى طبق السلطة، فمقدار كوب منه يمدنا بنحو 280 ميكروغراماً من الفولات، أي أكثر من 70% من الكمية التي يُنصح بتناولها.

 

6-    البهارات:

يسهم معظم البهارات، وخاصة الكركم في تحسين المزاج. وتشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات، أنّ الكركم الذي يُستخدم بكثرة في إعداد أطباق المطبخ الهندي مثل الكاري، يتمتع بخصائص مضادة للاكتئاب ويحمي الخلايا العصبية من تأثيرات التوتر المزمن الضارة. وكانت دراسات أخرى أجريت على الحيوانات قد ربطت بين الكركم وزيادة مستويات السيروتونين والدوبامين في الدماغ، وكلاهما يلعبان دوراً بارزاً في تحسين المزاج. ومن المفيد إضافة الكركم إلى أطباق اليخنة والحساء والدجاج، وهو يمنحها لوناً أصفر مشرقاً.  كذلك لا يجب أن نتردد في إضافة الفلفل إلى أطباقنا، فمادة البيبيرين، وهي المكون الأوّل للفلفل الأسود، يمكن أن تساعد الجسم على امتصاص الكركم بشكل أفضل، كما تعزز خصائصه المضادة للاكتئاب. كذلك ينصح الخبراء بإضافة الفلفل الأحمر الحار إلى الأطباق فهو يحتوي على مادة الكابسايسين التي تمنحه مذاقه اللاذع. ويقول البروفيسور بول بوزلاند إنّ هذه المادة اللاذعة تستثير وحدات الاستقبال في الفم، التي تبعث بدورها برسائل إلى الدماغ تحثه فيها على إطلاق الأندورفينات التي تجعلنا نشعر بالحبور. ويشبه بوزلاند هذا الحبور بذلك الذي نشعر به بعد ممارسة الرياضة.

·      ماذا يأكل المتخصصون لمكافحة هبوط المعنويات الذي يعانونه في فترة بعد الظهر؟

-         الدكتور درو رامزي: يشرب الشاي الأخضر الذي يحتوي على نسبة من الكافيين أقل من تلك الموجودة في القهوة، لكنه مثل القهوة يساعد على تعزيز مستويات الدوبامين في الدماغ. وهو يتناول مع فنجان الشاي حفنة من الجوز النيء الغني بالعناصر المغذية وأحماض أوميغا – الدهنية.

-         البروفيسورة جوديث ورتمان: تؤكد أن تناول القليل من الكافيين مع الكربوهيدرات هو أفضل طريقة لتحسين المزاج ورفع مستويات الطاقة، وهي تفهم جيداً لماذا يصر البريطانيون على تناول الشاي بعد الظهر. وهي تشرب فنجاناً من الشاي بالحليب مع كعكة أرز.

-         المتخصصة في التغذية سوزان باورمان: تقول إننا عندما نشعر بالتوتر، فإن المضغ يساعد على تبديد التوتر. والجزر النيء يقرمش ويحتاج إلى مضغ وهو يلبي أيضاً رغبتنا في تناول طعام حلو المذاق. وهي تأكله مع القليل من الحمص بالطحينة الذي يمدها بالكربوهيدرات ويرفع معنوياتها.

-         المتخصصة في التغذية فيكي هاكين: تشدد على ضرورة الماء وتقول إنّ انخفاض مستويات الرطوبة في الجسم، ولو قليلاً يجعلنا نشعر بالخمول. وتتألف وجبتها الخفيفة عصراً من كوب كبير من الماء مع تفاحة تمدها بالفيتامينات والألياف الغذائية التي تساعد على إطالة إحساسها بالشبع، إضافة إلى القليل من زبدة الفستق الذي يمدها بالبروتين ويحول دون الارتفاع الكبير في مستويات سكر الدم، ما يساعد على استقرار المزاج، وتهدئة الأعصاب.

·      ماذا بشأن الحلويات؟

تقول باورمان، إن توقنا الشديد إلى تناول الحلويات عندما نعاني هبوطاً في المعنويات ينبع من الروابط القديمة التي نقيمها بين الحلويات والسعادة. فمن منا لا ذكريات لديه من طفولته عندما  كان يتلقى البسكويت أو الشوكولاتة أو الآيس كريم لمواساته في حالات حزنه، أو لمكافأته على عمل جيد قام به؟ وتضيف أنّ النكهات والروائح والألوان التي تعيد إلينا هذه الذكريات الإيجابية الشخصية كلها تتمتع بقدرة على جعلنا نبتسم. وتتربع الشوكولاتة على عرش الأطعمة التي تخلق لدينا إحساساً بالسعادة.

غير أن هناك جانباً سلبياً للانغماس في تناول مثل هذه الأطعمة. فقد أظهرت دراسة حديثة أجريت في كلية الطب في جامعة هارفرد أن تناول أطعمة ذات مؤشر تحلون مرتفع، أي التي يؤدي تناولها إلى ارتفاع كبير في مستويات سكر الدم – مثل الحلويات المذكورة – يمكن أن يتسبب في إحساسنا بحالات توق شديد أخرى إلى تناول كميات أكبر منها، بعد مرور ساعات قليلة على انتهائنا من أكلها. ويقول البحاثة في جامعة يال إن حالات التوق هذه تكون شديدة جدّاً لدرجة يصعب علينا مقاومتها.

لذلك، إذا أردنا أن نلبي رغبتنا في تذوق الأطعمة الحلوة من دون أن نقع في فخ الإفراط في تناولها، علينا أن نختار الأنواع ذات الروائح والنكهات المميزة التي تحتوي على نسبة قليلة من السكر، إضافة إلى الألياف الغذائية أو البروتين للمساعدة على إبطاء عملية الهضم، وإطالة فترة التمتع بالطاقة. وتقترح باورمان تناول طبق صغير من الفراولة المغمسة في مقدار مربعين من الشوكولاتة السوداء المذابة، كوب من اللبن خفيف الدسم مع ملعقة صغيرة من العسل، أو كوب من الشاي مع الحليب الخالي من الدسم ورشّة من القرفة.

ارسال التعليق

Top