• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العقل.. السبيل لإحياء الفطرة

العقل.. السبيل لإحياء الفطرة

◄العقل والتعقل.. هناك فرق بين كلاًّ منهما فالعقل ذلك الجزء من الدماغ الذي يقوم بتخزين المعلومات التي يتلقاها من الخارج فهي مجرد معلومات جامدة اكتسبها عن طريق الحواس أما التعقل فهو عملية تحريك وتنظيم لتلك المعلومات وفق أصول ثابتة لا توقعها في الخطأ ويشير الإمام الكاظم (ع) الى ذلك في وصيته لهشام بن الحكم "يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم فقال :( فَبَشِّرْ عِبَادِي (١٧)الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ) (الزمر/ آية (18)).
فالآية المباركة تبشر العباد الذين (يستمعون) ولم يقل (يسمعون) لأن السماع للقول يكون بدون توجه والتفات أما الإستماع للقول فيكون بتوجه وإصغاء وإرادة منهم للإستماع ثم يتبع أحسن ما قيل (فيتبعون أحسنه) أي أنه يقوم بتمييز الكلام وتحليله والتفكر فيه فيتبع ما إستحسنه العقل ويترك ما إستقبحه فيكون بذلك قد اهتدى بهدى الله (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (الأنعام/ آية (90)). أي أن الله سبحانه وتعالى يبشر ويثني على من أخذ براي العقل بعد النقد والتمحيص والتحليل ويؤكد على أن ما يصل إليه العقل يكون بهداية إلهية منه تعالى وهي الفطرة السليمة أما الذي يأخذ بما في العقل من معلومات دون تمييز أو نقد ويقوم بطرحها ونقلها دون تعقل فهو لايملك من العلم شيئاً يقل رسول الله (ص) :"كفى بالمرء جهلاً أن يحدث بكل ما يسمع".

وبعد ذكر هذه النعمة الإلهية العظيمة نقول إن كل ما تتعرض له الفطرة من تأثيرات سلبية تؤثر على مسارها من تربية إجتماعية أو أسرية أو دينية الى غير ذلط من المؤثران والتي من شأنها إخفاء الفطرة ودسها في التراب.. كل تلك العوامل وما تتركه من آثار على الفطرة لا سبيل لعلاجها إلا بالعقل فما أفسدته التربية الأسرية في الفطرة سوف تزول آثاره عند نمو القدرة على التفكير عند الطفل وتمكنه من التمييز بين الصحيح والسقيم مما يكون له دور في إرجاع تلك الفكرة الى عملها بعد أن أخمدت عناصرها من صديق أو معلم أو مجلس أو جماعة أو معهد أو جامعة أو إعلام..
كل التغيرات التي تحدثها تلك الأمور في الفطرة لا سبيل لعلاجها سوى طرق باب العقل وإستنطاقه عندها فقط ستتنبه الأصول الفطرية من غفلتها وسباتها وتبدأ بممارسة دورها، أما دور الأنبياء في علاج فساد الفطرة فيبدأ أيضاً عن طريق العقل ودعوته الى التفكير والتدبر (يثيروا لهم دفائن العقول) حتى تظهر تلك الفطرة الموجودة في أعماقه وتزدهر مبادئها وأصولها .
يقول الإمام الكاظم (ع) (مابعث الله أنبياءه ورسله الى عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم إستجابة أحسنهم معرفة بالله...)

فالعقل كله في الدين الذي تدعو إليه الفطرة ولولا أن تعاليم ذلك الدين وأحكامه جاءت لما تهدي إليه الفطرة ولولا أن تعاليم ذلك الدين وأحكامه جاءت لما تهدي إليه العقول السوية ذات الفطرة السلمية لم يكن ليؤمن به أحد لذلك يقول الإمام علي (ع) :"لادين لمن لاعقل له) ومنه أيضاً ندرك معنى كون العقل حجة على جميع العباد حجة لايمكن إنكارها ولا التغاضي عنها ومن أنكر ذلك لايقال له سوى (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل/ آية (14)).
إذن البدء بالعقل وإستنظاقه هو الباب الوحيد لإيقاظ جميع المبادىء والقيم والأصول الفطرية وبه يمكن تدارك كل ما تعرضت له تلك الفطرة من تخريب أدى الى اختفاؤها وإن كان هناك تفاوت وإختلاف في سرعة الإستجابة لتلك الأصول على إعتبار ركودها بعوامل مختلفة فمثلاً إحياء فطرة الدينين والذين يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون يكون أسرع وأيسر من إحياء فطرة اللاديني أي الذي يقول بالمصادفة وعدم وجود إله للكون لكن الطريق الى الإحياء يبقى واحداً وهو العقل.►

المصدر: كتاب (الفطرة الإنسانية)

ارسال التعليق

Top