• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف يطمئن القلب؟

كيف يطمئن القلب؟
◄وأعرض هنا جوابين:
الجواب الأوّل: جواب الفطرة
لقد أجاب البعض بجواب ينطلق من أمر داخلي غرسه الله تعالى في كلّ إنسان وفطره عليه، ألا وهو حبُّه للكمال الذي ينتج منه سعيٌ دائم باتجاهه، ويرى هذا البعض أنّ الوصول إلى الكمال المنشود هو الذي يؤدي إلى السعادة الحقيقية.
وحبُّه للكمال هذا يظهر على الإنسان منذ نعومة أظفاره حيث نجده في تلك المرحلة الطفولية يسعى نحو هدف يعتقده كماله. ففي ذلك العمر، وحينما يكون الطفل لا يقدر على الحركة مستقلاً فيعتقد أنّ كماله يتحقّق حينما يحبو. لكنه حينما يحبو يعرف أنّ الحبو لا يحقق كماله، فيسعى نحو المشي، فيمشي على قدمين بعد أن كان يتحرك على أربع. لكنه يدرك حينها أنّه لم يصل إلى كماله وسعادته المنشودين، لذا ينشد أمراً آخر قد يظنه النطق والتكلم، فيسعى جاهداً لينطق، فينطق ويتكلّم وقد يصبح فصيحاً بليغاً. لكنه يشعر أنّ نار عشق الكمال والسعادة ما زالت تلتهب في داخله قد يظن بعد تلك المرحلة أن كماله يتحقق من خلال الوصول إلى منزلة ومكانة من يعتقده قدوة في حياته، فيصل، بل قد يعلو على تلك المنزلة. لكنه يشعر ببقاء ذلك الظمأ في داخله، ولا يجد الاطمئنان الذي هو علامة للسعادة في قلبه.
فيستمر ساعياً نحو الكمال. وقد يتوجه نحو الأسباب التي مرَّت من مال وجاه وشهرة وسلطة بدون أن يجد ريَّ الطمأنينة في قلبه، وشبع الكمال في نفسه.
ولو كُبِس على زرّ نُطق الفطرة الإنسانية لهؤلاء الناس لسمعناهم يصرخون: "إنّنا عاشقون للكمال، فأين نجده؟".
فيا أيّها الهائمون في وادي الحَيْرة، والضائعون في صحارى الضّلالات، بل أيّتها الفراشات الهائمة حول شمعة جمال الجميل المطلق، ويا عشّاق الحبيب الخالي من العيوب، والدائم الأزليّ، عودوا قليلاً إلى كتاب الفطرة، وتصفّحوا كتاب ذاتكم، لتروا أنّ الفطرة الإلهيّة قد كتبت فيها بقلم القدرة (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ) (الأنعام/ 79).
أجل، إنّ الإنسان حينما يرجع إلى فطرته يتعرّف إلى أنّ سعيه كان نحو الكمال المطلق الخالي من كلّ عيب ونقيصة، وأن كلّ ما ظنه كمالاً كان خداعاً.
فالكمال المطلق متحقّق في واحد أحد، ألا وهو الله ربُّ العالمين، وأن كمال الإنسان وسعادته لا يتحقّقان إلا حينما يرتبطان بالكمال المطلق.
الجواب الثاني: جواب القرآن
لقد حدَّد الله تعالى في كتابه السبب الحقيقي لاطمئنان القلب بقوله تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).
واستفادة من رواية تحكي قصة باحث عن الكمال بعنوان القوّة، صوَّر البعض رحلة بحثه عن القوة الحقيقية لتكون هذه الآية الجواب الشافي عن تساؤل رحلته التي رواها بقوله:
بحثتُ عن أقوى الأشياء فوجدتهُ الحديد.
نظرتُ إلى الحديد فوجدت أنّ النار تمدِّده، فعلمتُ أنّ النار أقوى من الحديد.
نظرتُ إلى النار فوجدت أنّ الماء يطفئها، فعلمت أنّ الماء أقوى من النار.
نظرتُ إلى الماء فوجدتُ السحاب ينزله، فعلمتُ أنّ السحاب أقوى من الماء نظرتُ إلى السحاب، فوجدتُ أنّ الرياح تجرُّه فعلمتُ أنّ الرياح أقوى من السحاب.
نظرتُ إلى الرياح، فوجدتُ أنّ الجبال تصدُّها فعلمتُ أنّ الجبال أقوى من الرياح.
نظرتُ إلى الجبال، فوجدتُ أنّ الإنسان يعلوها، فعلمتُ أنّ الإنسان أقوى من الجبال.
نظرتُ إلى الإنسان، فوجدتُ أنّ النوم يسكتُه، فعلمتُ أنّ النوم أقوى من الإنسان.
نظرتُ إلى النوم، فوجدتُ أنّ القلق يذهبُه، فعلمتُ أنّ القلق أقوى من النوم.
نظرتُ إلى القلق، فوجدتُ أنّ الاطمئنان يعدمه، فعلمتُ أنّ الاطمئنان أقوى من القلق.
عندها علمتُ معنى قول ربّي: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).
واللافت في هذا المقطع القرآني هو تقديم "بذكر الله" على الفعل الذي تعلّق به "تطمئنّ"، وهو ما يفيد حصراً اطمئنان القلب بذكر الله تعالى فلا يطمئنّ بغيره.►

المصدر: كتاب (هكذا تكون سعيداً)

ارسال التعليق

Top