• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف نحافظ على نقاء هوائنا؟

كيف نحافظ على نقاء هوائنا؟

الهواء عبارة عن خليط من الغازات أهمها غاز النيتروجين بنسبة 78.1% وغاز الأكسجين بنسبة 20.9% وغاز الأرجون بنسبة 0.9% وغاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 0.03% ونسبُ قليلة جداً من غازي الميثان وأكسيد النيتروس. كذلك يوجد بخار الماء وبعض العوالق مثل الغبار والسخام (وهي ذرات الكربون الناتجة عن الاحتراق الغير كامل للمركبات الهيدروكربونية) والحشرات الميتة بنسب متفاوتة غير ثابتة تعتمد على حالة الطقس المحلية والإقليمية. هذه الغازات وعوالق الجو تحافظ على استقرار درجات الحرارة وعلى بقاء الكائنات الحية، وتدخل بسلسلة من الدورات البيئية التي تضمن الاستمرار والبقاء لتركيبة الهواء بنسبه الثابتة لاستمرار الحياة والتوازن البيئي. أما إذا اختلت نسب الغازات في الجو فيعتبر هذا تلوثاً ويؤثر على التوازن البيئي وعلى الكائنات الحية التي تعتمد عليها.

تبدأ دورة الماء في الطبيعة بتبخر المسطحات المائية على سطح الكرة الأرضية مثل المحيطات والبحار والأنهار بواسطة حرارة الشمس الساقطة على الأرض، فتتبخر المياه لتعطي بخار الماء النقي المتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين. يرتفع هذا البخار الساخن إلى أعلى نظراً لانخفاض كثافته، ولكن كلما ارتفعنا عن سطح البحر تنخفض درجات الحرارة، بمعدل درجة مئوية واحدة تقريباً لكل 150m، عندها تنخفض درجة حرارة بخار الماء مع الارتفاع لتصل إلى الصفر وما دونه، فتزيد كثافة بخار الماء وتتقارب جزيئاته إلى أن يتكثف عند ملامسته أسطح صلبة باردة، هذه الأسطح التي توفرها عوالق الجو المتمثلة في ذرات الغبار أو الكائنات الدقيقة الميتة. بالتالي تمثل حبة الغبار الصغيرة السطح البارد الأوّل الذي تكثف عليه بخار الماء، ثم يكوّن سطح أوّل قطرة ماء سطحاً آخر وأكبر لتكثيف قطرات أخرى من بخار الماء، فتتكون من ذلك السحب. الماء المقطر النقي لا يوصل التيار الكهربائي، وبالتالي عند تحرك السحابة المليئة بقطرات المياه وبخار الماء يفعل الهواء تتولد شحنات كهروستاتيكية على السحابة نتيجة احتكاك الهواء بالسحابة، فإذا اقتربت من سحابة أخرى مشحونة أيضاً تظهر القوة الكهربائية بشكل التفريغ الكهربائي الذي يظهر على شكل ضوء "البرق" ويصاحبه انفجار صوتي بسبب سرعة التفريغ الكهربائي "الرعد"، ويصاحبه هطول المطر أو الثلج حسب درجة الحرارة المحيطة. إذا هطل المطر على جبال شاهقة أو كانت درجات الحرارة صفراً أو أقل على أسطح الهطول يتجمد جزء من المطر على شكل ثلوج على قمم الجبال أو غيرها من الأسطح، ويكوّن مخزوناً لمياه نقية، والجزء الآخر من المطر يسيل على شكل شلالات أو أنهار حتى يصب في البحار، وجزء آخر يتسرب عبر الصخور المسامية إلى باطن الأرض مكوّناً المياه الجوفية. والمياه العذبة في الطبيعة هي السبب الأساسي في نمو النباتات التي تتغذى من خلال عملية البناء الضوئي، فتمتص الماء وثاني أكسيد الكربون في وجود ضوء الشمس وتطلق غاز الأكسجين، فتعمل النباتات من خلال تلك العملية على تنقية الهواء من غاز ثاني أكسيد الكربون، ولهذا تسمى الغابات بـ"رئة الأرض" حيث إنّها تكوّن غاز الحياة للأرض.

 

الأمطار الحمضية:

الماء مركب تساهمي قطبي، أي لكلّ جزيء شحنات مختلفة على أطرافه بسبب تركيبه الكيميائي وشكله الهندسي، هذه الخاصية تجعله مذيباً جيداً للمركبات القطبية أو المركبات الأيونية "كالأملاح" في رحلته من فوق الجبال وعلى الصخور ومن خلالها، يذيب الأملاح المعدنية، فيسمى ماء معدنياً صالحاً للشرب ومستساغ المذاق، في حين أنّ الماء النقي أو المقطر غير مستساغ. ويذيب المطر أثناء هطوله من طبقات الجو العليا بعض الغازات مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت، الموجودة في الجو بتركيز عالٍ نسبياً نتيجة للطفرة الصناعية وزيادة السيارات وإحراق الوقود الاحفوري، أي البترول ومشتقاته، فيتحول المطر النقي المتعادل إلى حمضي مشكلاً الأمطار الحمضية. هذه الأمطار الحمضية ضارة جداً، فهي تذيب كمية أكبر من الأملاح فيصبح الماء العذب أكثر ملوحة، مثال ذلك الماء الصليبي، وأيضاً يسقط على المنشآت الحديثة والمباني الأثرية فيزيد التآكل الكيميائي بها، مثل تآكل الأهرامات، ويتفاعل مع الأصباغ والطلاء، مثل طلاء السيارات أو طلاء المنشآت والأساسات الصلبة المصنوعة من الحديد، مثل الجسور والطرق المعلقة، فتتآكل وتنهار.

النباتات هي الكائنات الوحيدة التي تصنع غذاءها من خلال عملية البناء الضوئي بوجود أشعة الشمس، ومن خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء وامتصاص الماء وبعض العناصر والمعادن من التربة لتكوين غذاءها، وهو السكر البسيط "الجلوكوز"، ومن ثم بناء خلاياها التي يكونها النبات من امتصاص العناصر والأملاح "مثل النيتروجين والفسفور والمغنيسيوم والحديد" وإطلاق الأكسجين الذي بدوره يدخل بشكل رئيسي في عملية التنفس وإنتاج الطاقة لدى باقي كائنات المملكة الحيوانية. لكنّ النباتات لا تستطيع صنع غذائها بدون عنصر النيتروجين "أحد مكونات الكلوروفيل: الصبغة الخضراء في النبات التي تمتص ضوء الشمس". ورغم أنّ الهواء يحتوي على النيتروجين بنسبة 78%، إلّا أنّ النباتات لا تستطيع امتصاص النيتروجين من الهواء مباشرة، وإنّما من خلال تحويل النيتروجين إلى نيترات أو نيتريت، وهذا يحصل بعدة طرق منها إنزال النيتروجين إلى الأرض بواسطة المطر ومن ثم إذابته في التربة، أو عن طريق فضلات الكائنات الحية بواسطة البكتيريا "المتواجدة في التربة أو بعُقيدات جذور النباتات" التي تعمل على تثبيت النيتروجين في التربة بواسطة تحويل الأمونيا إلى نيترات ونيتريت. فالتغذية لدى الكائنات الحية هي عملية تحويل المركبات الغذائية المعقدة مثل البروتينات والسكريات والدهون إلى مركبات أبسط منها تستطيع الخلايا امتصاصها عن طريق تكسير روابطها الكيميائية بالأكسدة وبمساعدة بعض الأنزيمات "عملية الأيض" لتنتج الطاقة الضرورية لنشاط الكائن الحي، ثم من خلال إخراج الفضلات "أو موت الكائنات الحية" تعود تلك المواد العضوية المحتوية على الأمونيا إلى الأرض. من ثم تعمل البكتريا على تحويل الأمونيا إلى نيترات مطلقة عنصر النيتروجين إلى الجو مرة أخرى. هذه باختصار دورة النيتروجين في الطبيعة.

 

البناء الضوئي:

أما الغاز الآخر الحيوي للحياة فهو غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تطلقه جميع الحيوانات والنباتات من خلال عملية التنفس لاكتساب الطاقة وكذلك يُطلق هذا الغاز من عمليات الاحتراق التي تتم في المصانع ومحطات توليد الكهرباء وبواسطة وسائل المواصلات الحديثة وغيرها من الآلات الميكانيكية والتكنولوجية الضرورية للحياة العصرية. معظم هذه الآلات الحديثة تطلق ثاني أكسيد الكربون الذي تقوم النباتات بامتصاصه من خلال عملية البناء الضوئي. كذلك يدخل عنصر الكربون بشكل أساسي في سلسلة الغذاء للكائنات الحية، فعندما تموت تتحلل أجسادها فتعمل البكتريا وبعض الكائنات الدقيقة على تبسيط وتحليل الخلايا إلى مكوناتها الأساسية وإطلاق الكربون الذي كان مخزوناً بها "وقود عضوي" تتحرر منه الطاقة عند الاحتراق.

أما إذا اختل التوازن بين معدل إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء وامتصاصه من قِبَل النباتات وإطلاق غاز الأكسجين بالمقابل لسبب ما، مثل تدمير الإنسان للغابات وبناء مدن عليها، أو لزيادة المصانع ووسائل المواصلات المطلقة لهذا الغاز، حينها ستكون الحياة على الأرض في خطر لأنّ ثاني أكسيد الكربون أحد الغازات المسؤولة عن الاحتباس الحراري، فهو يمتص الأشعة تحت الحمراء التي بدورها ترفع درجة حرارة الأرض وتذيب المسطحات الجليدية عند القطبين، مما يسبب ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات. فيؤدي إلى طغيان المياه على الشواطئ واختفاء الجزر وحضارات وشعوب وبعض الكائنات الحية. كذلك يؤدي ذوبان القطبين الجليديين إلى اختلال نسبة ملوحة مياه البحار والمحيطات، مما يشكل خطراً عظيماً على الكائنات الدقيقة التي تعيش في البحار مثل البلانكتونات (SnotKnalp) التي تحتاج إلى محيط خاص للنمو والتكاثر، فإذا انخفضت نسبة هذه الكائنات البحرية الدقيقة ينهار الهرم الغذائي للحياة البحرية.

لقد شهدت السنوات الأخيرة – للأسف – ارتفاعاً مطّردا في نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون مما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بنصف درجة مئوية تقريباً، ومن ثم إذابة جزء كبير من القطب الشمالي المتجمد مما هدد الحيوانات القطبية. لقد فرضت المنظمات البيئية العالمية، قوانين عالمية ملزمة للدول، للحد من ثاني أكسيد الكربون، وذلك من خلال الحد من الصناعات الملوثة للبيئة، وتشجيع استخدام تكنولوجيا صديقة للبيئة للحد من الانبعاثات الضارة التي تعمل على تسخين الجو. وبالفعل فقد أقرت كثير من الدول، وخاصة المتقدمة منها، حوافز مشجعة للمصانع للحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وتشجيع استخدام وسائل المواصلات الصديقة للبيئة، مثل السيارات التي تعمل بالبطاريات والهجينة، واستخدام الدراجات بقدر المستطاع للحفاظ على الصحة ونقاوة الجو.

 

مواد مسرطنة:

السخام هو المواد الهيدروكربونية غير تامة الاحتراق. إذا نتجت هذه المواد من المشتقات البترولية بواسطة السيارات والمكائن والمصانع فإنّها غالباً ما تكون ذات طبيعة مسرطنة، وذلك لأنّ المشتقات البترولية "الوقود" مثل الكيروسين والجازولين والديزل هي مركبات هيدروكربونية مسرطنة، وزيادة نسبتها بالهواء يعتبر ملوثاً صناعياً ومسرطناً، وأما إذا نتج عنه غاز أوّل أكسيد الكربون، فهو ذو طبيعة سامة. لتقليل انبعاث هذه المواد يجب أن يكون احتراق هذه المواد تاماً لينتج غاز ثاني أكسيد الكربون – بدلاً من أول أكسيد الكربون – وبخار الماء والطاقة.

 

الكاتب: د. طارق محمّد عقيل

المصدر: مجلة كويت/ العدد 381 لسنة 2015م

ارسال التعليق

Top