• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيفية التنعم بـ«نوم عميق»

كيفية التنعم بـ«نوم عميق»

الأدوية والعقاقير والأقراص المنومة لم تكن يوماً الحل الأفضل لمن يعاني الأرق. فتأثيراتها الجانبية السلبية كثيرة وخطيرة، وهي تؤدي إلى الإدمان، وتؤثر مع الوقت في الذاكرة وفي كيمياء الدماغ الحساسة.

الأرق ليس مزعجاً ومضنياً فحسب، بل يشكّل عندما يتحوّل إلى ظاهرة مزمنة، خطراً فعلياً على الصحّة. وغالباً ما ينصحنا الخبراء باستشارة الطبيب إذا دامت حالة الأرق أكثر من أسبوعين. ومن المعروف أنّ الافتقار إلى النوم يؤثر سلباً في أدائنا البدني والذهني، وهو يضر بالجهاز المناعي، ويزيد من إمكانية الإصابة بالالتهابات المختلفة في الجسم والواقع أنّ طبيعة حياتنا اليوم تسهم في زيادة نسبة المصابين بالأرق. فالتوتر، الإجهاد النفسي، القلق والضغوط التي تسيطر على نمط حياتنا تحول دون تمتعنا بالراحة النفسية والذهنية الضرورية للخلود إلى النوم. فلا يمكننا أن ننام إلّا إذا نجح الدماغ في الانتقال من حالة تشغيل موجات "بيتا" المرتبطة بالنشاط وبالانشغال، إلى موجات "ألفا" المريحة. وربّما كانت أفضل طريقة لمساعدة الدماغ على ذلك، تتمثل في ممارسة التأمل وتقنيات الاسترخاء الأخرى مثل اليوغا والتنفس العميق، والإصغاء إلى تسجيلات وموسيقى الاسترخاء الخاصّة. وإلى جانب ذلك، يقدم الأخصائيون بعض النصائح البسيطة التي يمكننا اتباعها عوضاً عن تناول المنومات الضارة.

1-    إعادة ضبط الساعة البيولوجية واحترام الروتين:

يؤثر تعرضنا لأشعة الشمس في إيقاع الساعة البيولوجية الداخلية التي تنظم لنا مواعيد النوم والاستيقاظ. فأشعة الشمس تضبط إنتاج الميلاتونين، وهو مادة كيميائية دماغية تتحكم في حرارة الجسم. ومن المعروف أنّ الإيقاعات الطبيعية لحرارة الجسم تلعب دوراً أساسياً في النوم، ولهذا قد تكون قلة التعرض لأشعة الشمس سبباً للأرق. فإذا لاحظنا أنّنا بدأنا نشعر بالنعاس في السابعة مساءً، ونستيقظ الساعة الرابعة فجراً. فهذا مؤشر إلى اضطراب الساعة البيولوجية الداخلية، وحاجتها إلى إعادة ضبط. وللقيام بذلك تنصح الأخصائية الأميركية في اضطرابات النوم البروفيسورة سونيا أنكولي، بالتعرض لأكبر قدر من ضوء النهار مع نهاية اليوم. فمن شأن ذلك أن يؤخر ساعة إحساسنا بالنعاس ساعات عدة، بحيث نعود لنخلد إلى النوم في الموعد المعتاد. أمّا إذا كنا نجد صعوبة في النوم حتى ساعة متأخرة جدّاً ليلاً، فهذا يعني أنّنا نحتاج إلى تعريض أنفسنا لقدر أكبر من أشعة الشمس صباحاً، وعلينا أن نفتح ستائر غرفة النوم حال استيقاظنا، وأن نتناول الإفطار أمام نافذة يدخلها ضوء الشمس، والخروج في نزهة في الهواء الطلق صباحاً، مع تحاشي وضع نظارت شمسية. من جهة ثانية، يؤكد الخبراء ضرورة احترام الروتين، بحيث يكون النوم والاستيقاظ في المواعيد نفسها، 7 أيام في الأسبوع. فالالتزام باحترام هذه المواعيد حتى في أيام عطلة الأسبوع والإجازات، يساعد الجسم على التعوّد على هذا الإيقاع، ويحول دون وقوعنا في حالات من الأرق مرتبطة باضطراب مواعيد النوم. ومن المفيد أيضاً اعتماد روتين معيّن قبل النوم، يساعدنا على الاسترخاء والاستعداد للنوم. فالبالغون، مثلهم مثل الأطفال، يحتاجون إلى روتين خاصّ قبل النوم، يكون بمثابة خطوة تمهيدية يومية تسهل الخلود إلى النوم. يمكننا مثلاً أخذ حمام دافئ، والاستلقاء والقراءة، والاستماع إلى موسيقى هادئة، مع تخفيف الأضواء الكهربائية في المنزل.

2-     تحديد فترة النوم وتفادي القيلولة:

تعتقد نسبة كبيرة ممن يعانون الأرق، أنّهم إذا بذلوا مزيداً من الجهد في محاولة النوم، فإنّهم سينعمون بالراحة. لكن هذا قد يؤدي إلى نتائج معاكسة. وتؤكد الأخصائية الأميركية في اضطرابات النوم في مستشفى كورنيل النيويوركي، لورين بروش، أنّ مثل هذا السلوك يسهم في تفاقم حالة الأرق. فإذا كنا نقضي فترات طويلة في السرير، نتقلب ونجبر أنفسنا على النوم، من دون أن نتمكن من ذلك، سنبدأ بشكل غير واعٍ، باعتبار السرير مكاناً غير مخصص للنوم، ويتحول إلى مكان لإجترار الأفكار وللشعور بالإحباط، ونبدأ في الربط بين السرير وأمور أخرى غير النوم. لذلك لا يجب أن تزيد فترة استلقائنا في السرير من دون التمكن من النوم، على نصف ساعة، وعلينا بعدها أن نترك السرير ونخرج من غرفة النوم. يمكننا أن نجلس في مكان هادئ آخر، ونقرأ في ضوء خافت، حتى نشعر بالنعاس فنعود إلى غرفة النوم.

أمّا بالنسبة إلى القيلولة، فهناك اعتقاد خاطئ بأنّها يمكن أن تساعد على مكافحة تأثيرات الأرق. لكن أي وقت نقضيه في القيلولة نهاراً، يقتطع من الوقت الذي نقضيه نائمين ليلاً، ما يفاقم حالة الأرق. وتقول بروش إنّنا إذا شعرنا بالتعب خلال النهار، علينا أن نحاول البقاء متيقظين حتى حلول موعد النوم. ومع حلول هذا الأخير تكون درجة تعبنا قد ارتفعت كثيراً بحيث ننام مباشرة.

3-     اختيار الطعام المناسب مساءً:

تقول أستاذة العلوم العصبية في جامعة شيكاغو الأميركية، البروفيسورة فيليس زي، إنّ تناول وجبة كبيرة في العشاء يمكن أن يجعلنا نشعر بالنعاس أحياناً، لكنّه قد يفعل عكس ذلك أيضاً. فإذا كنا معرضين للإصابة بحرقة المعدة، وبالارتداء الحمضي في المريء، وهما مشكلتان تتفاقمان مع التقدم في السن، فإنّ الوجبة الثقيلة ستحول دون تمكننا من النوم ليلاً. لذلك من الأفضل تناول وجبة معتدلة الحجم في وقت مبكر مساء. ويمكن للبعض أن يشعر بالجوع في وقت لاحق ليلاً، في حالة تناول وجبة عشاء خفيفة في وقت مبكر، فيعجز عن النوم بسبب وخزات الجوع. لذلك ينصح البروفيسور مايكل فيتيللو، أستاذ علم النفس والسلوك في جامعة واشنطن، بتناول وجبة خفيفة صغيرة قبل النوم تحتوي على الحليب الغني بالتريبتوفان، وهو بروتين يساعد على إنتاج السيروتونين، المادة الكيميائية الدماغية التي تساعد على التخفيف من القلق، وتحسن نوعية النوم. ويقول الكثيرون إنّ تناول موزة قبل ساعة من موعد النوم يساعدهم على النوم لفترات أطول، فالموز غني أيضاً بالتريبتوفان. كذلك فإنّ أطعمة أخرى مثل لحم الديك الرومي، السمك، الأفوكادو، وجنين القمح هي غنية أيضاً بالتريبتوفان. ويستحسن أن تحتوي وجبة العشاء على الكربوهيدرات، مثل البطاطا المخبوزة، المعكرونة، أو الأرز البني، فهي تتمتع بتأثير منوم لطيف. كذلك فإنّها تحثّ الجسم على إفراز السيروتونين. ومن المفيد أيضاً تناول الخس في وجبة العشاء، فهو غني بالمهدئ الطبيعي لاكتوكاريوم، الذي يساعد على النوم العميق.

وفي المقابل، يستحسن ألا تحتوي وجبة العشاء على اللحم الأحمر، فهو يسهم في إبقاء الدماغ متيقظاً، وكذلك من المفضل تفادي الجبن ليلاً لأنّه يحتوي على أحماض أمينية قد تسهم في إبقائنا متيقظين.

وينصح الخبراء بتناول قرص مكمل يحتوي على 600 ملغ من الكالسيوم، و400 ملغ من المغنيزيوم مع وجبة العشاء، فكلاهما يتمتعان بخصائص مريحة مهدئة، ويساعدان على النوم.

4-     الحرص على أن تكون غرفة النوم مريحة:

من الضروري إبقاء حرارة الغرفة معتدلة، مائلة إلى البرودة، فهذا يسهّل الخلود إلى النوم. كذلك يتوجب أن تكون الغرفة مظلمة والستائر مانعة للضوء، بحيث تحجب ضوء الشارع وضوء الصباح المبكر الذي يوقظنا. ومن المهم كما تقول أستاذة علم النفس في جامعة واشنطن، البروفيسورة باتريسيابرينز، أن تكون الغرفة مخصصة للنوم فقط، فلا نعمل فيها، أو نأكل، أو نشاهد البرامج التلفزيونية. والأفضل حتى أن نقرأ في غرفة أخرى قبل النوم. وهي تنصح أيضاً بألا تحتوي غرفة النوم على أي أوراق أو فواتير أو ملفات تتعلق بالعمل، وأن تسيطر عليها ألوان هادئة تساعد على النوم.

5-    تفادي كلّ العوامل المنبهة بما فيها الأضواء القوية:

تنصح مولين بتفادي مشاهدة البرامج التلفزيونية المثيرة أو المخيفة أو العنيفة ليلاً، فهي تعوق النوم. كذلك يستحسن تفادي قراءة الكتب البوليسية أو المثيرة قبل النوم، فالانغماس في مثل هذه الكتب الشيقة قد يؤخر موعد نومنا. أما بشأن الأضواء الكهربائية، فمن المعروف أنّ التعرض للضوء القوي قبل النوم يلعب دور العامل المحفز والمثير ويعوق عملية الخلود إلى النوم، كما تؤكد الأخصائية الأميركية مارغريت مولين، مديرة مركز اضطرابات النوم في مستشفى كورنيل في نيويورك. ولتفادي التعرض لتأثير الأضواء المحفز عند الاستيقاظ ليلاً للتبول مثلاً، يمكن تجهيز الحمام بضوء خافت يسمح لنا برؤية ما حولنا، من دون أن يؤثر في درجة تيقظنا، ويعوق عودتنا إلى النوم.

من جهة ثانية تنصح مولين بوضع المنبه بجوار السرير، بحيث يكون وجهه في اتجاه الجدار، لتلافي التعرض للضوء المنبعث منه. كذلك يجب إفراغ الغرفة من أي جهاز كهربائي وإلكتروني يحتوي على أضواء صغيرة تظل مضاءة باستمرار. كذلك علينا تفادي التطلع إلى الساعة عند استيقاظنا ليلاً، فلا يهم أن نكون قد استيقظنا الساعة الثانية أو الثالثة، فلا يجب التركيز على الساعة، لأنّه كلما ازداد انتباهنا وتركيزنا على المؤثرات الخارجية، عندما نستيقظ في منتصف الليل، تزداد صعوبة عودتنا إلى النوم.

6-     تجنب الكافيين والنيكوتين:

جميعنا نعرف أنّ الكافيين هو أهم مادة يجب تفاديها منذ الساعة الخامسة مساء. لذلك يتوجب الامتناع عن احتساء المشروبات الغنية به، لاسيما القهوة والشاي. وتجدر الإشارة إلى أنّ الكافيين موجود أيضاً في المشروبات الغازية مثل الكولا، والكاكاو، والشوكولاتة، وبعض الأدوية المضادة للرشح. وينصح الأشخاص الذين يكثرون من شرب القهوة، أن يحاولوا الاستعاضة عن بعض الفناجين العادية التي يشربونها يومياً بالقهوة الخالية من الكافيين، وبأن يفعلوا ذلك تدريجياً، لأنّ الامتناع فجأة عن تناول الكافيين قد يتسبب في آلام مزعجة في الرأس.

أمّا بالنسبة إلى النيكوتين، وعلى الرغم من أنّ البعض يشعرون بأنّهم في حاجة إلى تدخين سيجارة ليرتاحوا، إلّا أنّ نيكوتين السجائر، كما تؤكد الأخصائية الأميركية ناومي كرايمر، هو عامل محفز ومثير. لذلك فإنّ إشعال سيجارة لمكافحة الأرق ليس أبداً حلّاً صائباً. لذلك على المدخنين الامتناع عن ذلك مساءً. والأفضل بالطبع أن يقلعوا عن هذه العادة نهائياً. حفاظاً على صحّتهم وصحّة أفراد عائلتهم.

7-    احتساء نقيع الناردين (valerian) أو البابونج:

ينصح الأخصائي الأميركي في العلاج بالأعشاب البروفيسور فارو تايلر، باحتساء نقيع جذور الناردين، الذي يُستخدم منذ مئات السنين لتنظيم النوم وتحسين نوعيته ومدته. وهو يوصي باستخدام ما بين غرامين و3 غرامات من جذور الناردين المجففة يومياً. ويتوافر الناردين أيضاً في شكل أقراص يمكن تناولها حسب التعليمات الموجودة على العبوة. ولكن يجب استشارة الطبيب الخاص قبل تناول الناردين، خاصّة إذا كنا نتناول أدوية أخرى. كذلك يمكن احتساء نقيع البابونج، المعروف بقدرته على مساعدتنا على الاسترخاء، ويستحسن احتساؤه مساءً قبل موعد النوم بفترة قصيرة. أمّا في حالات الأرق الشديد، مثل ذلك الذي نصاب به نتيجة السفر إلى بلد بعيد بتوقيت مغاير لتوقيت بلادنا، فينصح تايلر بتناول عشبة كافا، المتوافرة أيضاً في شكل أقراص. وهو ينصح بتناول ما بين 60 و120 ملغ منها قبل النوم، بعد استشارة الطبيب.

8-     ممارسة الرياضة:

تؤكد الدكتورة زي أنّ ممارسة الرياضة تساعدنا على الخلود إلى النوم وتحسين نوعيته. وتضيف أنّ أي نشاط بدني معتدل، مثل المشي، يقدم لنا الفوائد نفسها، وأنّنا غير مضطرين إلى ممارسة تمارين قوية ومرهقة. والواقع أنّ توقيت ممارسة التمارين الرياضية، أكثر أهمية من نوعيتها. ويفسر الدكتور بيتر هوري، من مركز اضطرابات النوم التابع لـ"مايو كلينك"، أهمية التوقيت قائلاً إنّ ممارسة الرياضة تزيد مبدئياً من درجة تيقظنا. ولكن بعد مرور 4 أو 6 ساعات، تبدأ حرارة الجسم في الانخفاض، وتتراجع سرعة عملية الأيض، ما يحضّرنا للنوم. لذلك فإنّه ينادي بتفادي ممارسة الرياضة في وقت متأخر بعد الظهر، كي لا يؤثر ذلك في قدرتنا على النوم.

ارسال التعليق

Top