• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

انطلاقة الإيمان ودعائمه

انطلاقة الإيمان ودعائمه

◄انطلاقة الإيمان:

في خطوط الإيمان الروحية والعملية، روي عن رسول الله (ص) قوله: "الإيمان بضع وسبعون شعبة"، فهو يمتد في كلِّ حياة الإنسان، في أوضاعها الفردية والاجتماعية، وفي كلماته، وفي أفعاله وعلاقاته، "فأفضلها" أي أفضل هذه الشعب: "قول لا إله إلا الله"؛ لأنّ هذه الكلمة تمثل انطلاقة الإيمان في آفاق التوحيد؛ لأنّها تجعل الإنسان يتأمّل في كلِّ الواقع الإنساني، ويفكّر فيه، ويتابعه، في كلِّ ما يواجه به الناس أصحاب المواقع الكبيرة التي يخضعون لها، من حيث تصوّرهم لهم في موقع الآلهة. وهذا ما نقله التاريخ عن فرعون الذي كان يدّعي الربوبية، وذلك على لسان القرآن الكريم: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) (الزخرف/ 51)، فقد كان فرعون يعتبر أنّ ما يملكه من الثروات مبرّر لأن يكون هو الإله، ولذا كان يقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى) (النازعات/ 24)، وقد قال عنه تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) (الزخرف/ 54)، حيث كان يعمل على أن يستغلّ هذه الثروة والسلطة ليجعل قومه يخضعون له، ويستخفون أنفسهم أمامه، ويصدِّقون أنّه الإله، خصوصاً أنهم لا يملكون الثقافة العميقة الواسعة في مفهومهم للإله.

وكذلك كان هناك جماعة ممّن يعيشون التخلف من خلال عبادتهم للأصنام، فكانوا يعتبرونها آلهة، ومنهم مَن كان يعبدها بشكل مباشر، لأنّهم كانوا يعتقدون أنّها تمثل الأسرار الإلهيّة. وهذا ما كان الأنبياء يواجهونه بنقد هذه العقلية المتخلفة، فكيف يكون إلهاً من لا يسمع ولا يبصر ولا يملك أي حالة من حالات الوعي، كما جاء في حوار إبراهيم النبي (ع) مع أبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) (مريم/ 42).

إنّ كلمة (لا إله إلا الله) توحي للإنسان بأن يقوم بجولة في كلِّ التاريخ، وبجولة في كلِّ الواقع الذي يضمّ هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم في مواقع الآلهة أو أنصاف الآلهة، ليتصوّر كلّ هؤلاء بصورتهم الحقيقية، سواء كانوا أحجاراً لا تملك أي شيء من الحياة، أو كانوا أشخاصاً يملكون بعض الثروات أو السلطات وما إلى ذلك؛ أن يتصورهم بحجمهم العادي، سواء كان هذا الحجم حجماً بشرياً في الأمور المحدودة التي يملكونها، أو حجماً حجرياً، ثمّ لينفيهم من اعتبار الألوهية في وجدانه الإيماني، بحيث لا يمثلون معه أيّ شيء أمام الله سبحانه وتعالى.

وهنا يندفع الإنسان، في تصوره لله سبحانه وتعالى، ليكون الله هو ربّه المطلق، المرتكزة ربوبيته على خالقيته التي لا يشاركه فيها أحد، ورازقيته التي ينقطع فيها العباد إليه، وقدرته غير المحدودة، وعلمه الذي لا حدّ له، وكلّ صفاته التي لا يدانيه فيها أحد.

ونشير هنا إلى الدور الذي تضطلع به سورة الإخلاص بالنسبة إلى تركيز مسألة التوحيد في وجدان الإنسان، وذلك من خلال عفويّتها وبساطتها، والتي تنطلق في عقيدة التوحيد من عناصر الفطرة الإنسانية. قال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ)، الذي يُصمد بمعنى: يرجع إليه في كلِّ أمور الإنسان وحوائجه، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)، فهو تعالى لا يخضع لأي خصوصية من خصوصيات البشرية، فالبشر ولد من شخص آخر بعد أن كان عدماً، ويلدُ شخصاً آخر انطلاقاً من أجواء اللذة والحاجة، ولكن الله هو الموجود الأزلي الأبدي السرمدي الغنيّ، و(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (الإخلاص/ 1-4).، أي لا يساويه أحد.

وهكذا نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى وهو يصف نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى/ 11)، ليعيش الإنسان تصوّر الألوهية من خلال تصور الله، بحيث إنّه عندما ينطلق في وجدانه في كلمة التوحيد، فإنّه يتصور الله من دون أن يتصور معه أحداً في أي جانب. وهذا هو الذي يمثّل حقيقة الألوهية والربوبية. وبذلك، فإنّ كلمة (لا إله إلا الله) تمثّل كلّ عمق الإيمان وكلّ امتداده؛ لأنّ الإنسان عندما يستغرق في معنى الله وفي صفاته وأسمائه، فإنّه لا يجد هناك موقعاً يقف عنده، بل يمتد في كلِّ امتدادات صفاته التي لا تقف عند حدّ.

 

الإيمان العملي:

"وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، أي أنّه من أقلّ صفات الإيمان، أن يتحرّك الإنسان في الطريق التي يسلكها الناس، فإذا رأى ما يؤذيهم، مما يمنعهم من حرية السير أو الراحة فيه – من خلال أخلاقيته الإيمانية – يتحسّس إنسانيّته، فيعمل على أن ينزع من الطريق كلّ ما يؤذي الناس، كما أنّ ذلك ينطلق من خلال إحساسه بالمسؤولية في أن يتحرك الناس بكلِّ راحة وحرية.

وأنّ السيد المسيح عيسى ابن مريم (ع)، مرّ بقبر يعذّب صاحبه، ثمّ مر في العام القابل فرآه وقد رفع العذاب عنه، فناجى ربه الذي كشف عن بصره أوّلاً وآخراً، أنّ هذا الرجل كان يعذب في العام الماضي، ومن الطبيعي أن لا يعذب إلا من كان يستحق العذاب، فلماذا رفع العذاب عنه؟! تقول الرواية: فأوحىى الله إليه، أنّه نشأ له ولد صالح، فآوى يتيماً، وأصلح طريقاً، فغفرت له من أجل ولده.

ونحن نفهم من هذا، أنّ الجانب الاجتماعي في ما يجلب للناس الخير والراحة، حتى على مستوى إصلاح الطريق وإماطة الأذى عنه، أمر لصيق بالدين ومفاهيمه، وأنّ هذا الجانب الاجتماعي يجعل الإنسان مرضياً عند الله، فقد يرفع العذاب عنه به، أو عن والده، باعتبار أنّه يمثل حالة صلاح في شخصيّته الإيمانية والإنسانية.

ثمّ يتابع رسول الله (ص)، فيقول: "والحياء شعبة من الإيمان"؛ لأنّ الحياء يمنع الإنسان من كثير من الأعمال السيّئة التي لا يرضاها الله ولا يحبّها الناس، مما يُستحى منه في النظرة الأخلاقية العامّة، سواء في المعاملات، أو العلاقات، أو الأخلاقيات.

وعن الإمام علي (ع): "الإيمان على أربعة أركان: التوكل على الله"، بما يمثّله التوكل على الله من إرجاع الأمور إليه سبحانه وتعالى؛ لأنّ المؤمن يختزن في داخل نفسه أنّ الله هو منتهى كلّ شيء، وهو المرجع لكلِّ شيء، وأنّه هو الذي يمكن أن يمنح الإنسان الأمن حيث لا يجد مجالاً للأمن، ويهيّئ له الأسباب بعد أن يكون قد استنفد الأسباب.

وقد ذكرنا أكثر من مرة، أنّ التوكل عن الاتكالية؛ فالاتكالية هي أن تترك نفسك من دون أن تخطّط، ومن دون أن تعمل، وإنما تقف أمام ما تريده لتقول توكلت على الله قولاً من دون حركة، أما التوكل على الله، فهو أن تستنفد كلّ الأسباب التي بين يديك في كلِّ المجالات التي تهمّك؛ في حفظ مالك، أو زراعة أرضك، أو ما تريد أن تصنعه من حاجاتك، أو ما تواجه به العدوّ في خططك للنصر؛ أن تستنفد كلّ أسباب ذلك، وتقف أمام ما يخبّئه لك الغيب، لتقول لله: يا رب، لقد عملت كلّ ما عندي من الوسائل في سبيل تحقيق ما أريده، ووقفت الآن أمام الغيب الذي لا أملك أمره، إنني أتوكّل عليك في ذلك كلّه؛ فإنّ ذلك كلّه في يدك.

"والتفويض إلى الله"، كما جاء في قوله تعالى: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر/ 44)، لتعتبر أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يهيِّئ لك من أمرك فرجاً ومخرجاً، ويرزقك من حيث تحتسب ومن حيث لا تحتسب، ويحرسك من حيث تحترس ومن حيث لا تحترس، وهو الذي يتكفّل لك – بقدرته ورحمته – بكلِّ شيء ممّا يصعب عليك تحقيقه، أو ممّا يمنحك أمنه في مواقع الخوف. "والتسليم لأمر الله"، في كلِّ ما يقضي به، وفي كلِّ ما يحرك حياتك. "والرضا بقضاء الله"؛ لأنّ الإنسان يعرف أنّ الله هو المهيمن على الأمر كلّه، وهو الذي يقضي في كلِّ أمور الحياة، سواء من جهة سنن الله في الكون، أو من جهة سننه في الحياة الإنسانية، وأنّه لا يقضي إلا بما يصلح الإنسان. فمن أخذ بهذه الأركان الأربعة، فقد جمع أسس الإيمان في عقله وقلبه، وفي حركته في الحياة.

 

دعائم الإيمان:

وعن الإمام عليّ (ع): "الإيمان على أربع دعائم: على الصبر"؛ لأنّ الإنسان الذي يصبر يستطيع أن يتماسك أمام الشدائد، ويتوازن أمام التحدّيات، ويستطيع أن يضغط على شهواته عندما تدعوه إلى الحرام، ويستطيع أن ينظم غرائزه لتتحرّك في خط رضا الله، ويستطيع أن يقف بقوة أمام المصائب حتى لا ينكسر، وقد ورد في القرآن الكريم: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) (لقمان/ 17)، فالصبر يمثّل موقع قوة ولا يمثل موقع ضعف؛ لأنّه يمثل الانتصار على كلِّ عناصر الضعف في شخصية الإنسان. وقد روي عن الإمام الباقر (ع): "كلُّ أعمال البر بالصبر يرحمك الله".

"واليقين"، لأنّ الإنسان الذي يعيش اليقين – بما يمثله اليقين من الوضوح في كلِّ الأمور – في ما يعتقد، وفي ما يتحرّك، هو إنسان مؤمن بلغ درجة عالية من الإيمان، لأنّه لا معنى لأن يكون الإنسان مؤمناً إذا لم يكن على يقين مما يلتزمه في عقيدته الإيمانية، وفي خطه الإيماني. وبتعبير آخر، هو إنسان ينطلق من خلال الانفتاح على الحقيقة انفتاحاً كاملاً.

"والجهاد"؛ لأنّ الإنسان المؤمن هو الذي يعيش الجهاد مع ذاته، فيجاهد نفسه، وقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/ 69)، والجهاد في مواجهة أعداء الله وأعداء الإنسانية الذين يعملون على إسقاط الإنسان في كلِّ قيمه وفي كلِّ أوضاعه. "والعدل" الذي هو أساس حركة الإيمان في نفس المؤمن، وفي سلوكه، وفي كلِّ حياته؛ لأنّ الله أقام الرسالات كلّها على أساس العدل.

وعن رسول الله (ص): "الإيمان في عشرة: المعرفة"، فمن لا معرفة له، لا يستطيع أني يعي آفاق الإيمان وخطوطه وحركته في حياة الناس، لأنّ المعرفة هي التي تضيء للإنسان فكره، وتضيء له طريقه، والتزاماته، ومعاملاته وعلاقاته. إنّ المعرفة هي الضوء الذي ينير الإنسان في كلِّ عناصر شخصيته، ليتحرك على أساس الضوء لا على أساس الظلمة، والجهل ظلمة فكرية وروحية وعملية.

"والطاعة"، فالمؤمن هو الذي يطيع الله في كلِّ ما أمره به، وفي كلِّ ما نهاه عنه. "والعلم" في ما ينفتح به الإنسان على مفرداته، في اكتشاف أسرار الكون في خلق الله سبحانه وتعالى، وكلّ ما أفاض الله به على الناس مما ينظم أمورهم. والعلم، في كلِّ مجالاته، هو الذي يكشف للإنسان كلّ ما يحتاجه في الحياة، مما ينظم أمره، ومما يصلح حياته. "والعمل"؛ لأنّه لا قيمة للعلم من دون عمل، فالعمل هو الذي يجعل من العلم تجسيداً حيّاً في الواقع كلّه.

"والورع" عن محارم الله سبحانه وتعالى، فمن لا ورع له لا إيمان له؛ لأنّ الإيمان بالله يجعلك تخافه، ويجعلك تحبه، ويجعلك ترجوه، فيدفعك ذلك إلى الورع عن محارمه، والذي يمتدّ إلى مواقع الشبهة في الوقوف عندها احتياطاً للدقة في المسؤولية. "والاجتهاد" في تنمية طاقاتك وطاعة ربك.

"والصبر" وقد مرّ الحديث عنه، "واليقين" بما يعنيه من الوضوح "والتسليم والرضا"، بقضاء الله. أمّا التسليم، فهو من أسس الإيمان؛ لأنّ التسليم لله هو عمق الإسلام وامتداداته، وقد قال تعالى حكايةً عن إبراهيم (ع): (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة/ 131)، وقد يوضح ذلك قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام/ 162-163). "فأيها فقد صاحبه بطل نظامه"، يعني أنّه لابدّ من أن تجتمع له كلّ هذه الأمور العشرة لكي تكتمل عناصر الإيمان، وإلا فإنّه إذا فقد واحدةً منها، يكون فقد انتظامه وتوازنه.

وعن الإمام علي (ع): "حسن العفاف، والرضا بالكفاف، من دعائم الإيمان"، أن تكون لديك العفة عن كلِّ ما حرّمه الله سبحانه وتعالى، وقد ورد عندنا في حديث الإمام عليّ (ع): "أفضل العبادة العفاف"، يعني أن تعيش العفاف في كيانك، فلا تهجم على كلِّ ما حرمه الله سبحانه وتعالى، وقد ورد أيضاً في كلمة لعليّ (ع): "ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن أو فرج"، عن أكل الحرام، وعن شرب الحرام، وعن ممارسة الحرام.

أما الرضا بالكفاف، فهو عبارة عن القناعة بما يلبي للإنسان حاجاته الطبيعية، وأن لا ينتفح على موارد الطمع. فإذا اجتمع له هذان الأمران، فإنّ ذلك يجعل للإنسان دعامتين من دعائم الإيمان، تقوّيان موقع إيمانه، ومن فقدهما، فإنّه يفقد دعامتين من دعائم الإيمان، ويجعل إيمانه في معرض السقوط والانهيار.

 

الولاية لله:

وقد ورد عن رسول الله (ص): "أوثق عرى الإيمان: الولاية في الله، والحب في الله، والبغض في الله"، وذلك بأن تكون علاقتك بالناس منطلقة من علاقتك بالله، فعلاقتك بالله هي التي تركّز لك أسس علاقتك بالناس؛ فتوالي أولياء الله، وتحبّ من يحبه الله، وتبغض من أبغضه الله. أن لا تفصل بين مشاعرك وعواطفك وأحاسيسك والتزاماتك في حياتك العملية الإنسانية، وبين إيمانك بالله، حتى لا تتحرك حالتك الشخصانية في غير خطوط إيمانك، بحيث توالي من عادى الله، أو تحب من لا يحبه الله، أو تبغض من لا يبغضه الله سبحانه وتعالى.

وعن الإمام الصادق (ع) يقول: "قال رسول الله (ص) لأصحابه: أيُّ عرى الإيمان أوثق؟"، فللإيمان عرى يتمسك الناس فيها ويعتمدون عليها وهي كثيرة، فأي عرى الإيمان التي إذا التزم بها الإنسان استطاع أن يشعر بالثبات والأمن من الزلل والسقوط؟ "فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة"، باعتبار أنّ الصلاة عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها، وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها، "وقال بعضهم الزكاة"، لأنّ الله قرنها بالصلاة، وجعلها من الأعمال التي تزكي الإنسان وتطهره وتنمي طاقاته وترتفع به إلى الله، كما تساهم في تكافل أبناء المجتمع، "فقال رسول الله (ص): لكلِّ ما قلتم فضل"، فصحيح أنّ للصلاة فضلاً، وللزكاة فضلاً، "وليس به"، فكأنّ ما ذكروه هو من التزامات الإيمان، وليس من عرى الإيمان بالمعنى الذي يتقوّم به الإيمان، "ولكن أوثق على الإيمان؛ الحبّ في الله، والبغض في الله، وتولي أولياء الله، والتبري من أعداء الله"، أن يعيش فكرك، وقلبك، وإحساسك، وشعورك، حضور الله، بحيث لا يغيب الله تعالى عنك في كلِّ علاقتك. فالعلاقات العاطفية هي الحب والبغض، فعليك أن تجعلهما في خط الله سبحانه وتعالى، ومرتبطين بعلاقتك بالله، والجوانب العملية أن تتولى أولياء الله، وأن تتبرأ من أعداء الله؛ لأنّه لا معنى لأن تتولّى أعداء الله وأنت تؤمن بالله، ولا معنى لأن تتبرأ من أولياء الله وأنت تلتزم بالله سبحانه وتعالى.

وخلاصة الفكرة: أنّ تتحوّل ولايتك لله، في معنى إيمانك به، إلى تجسيد الولاية في واقع حياتك، في ممارساتك ومشاعرك والتزاماتك، بحيث تتحرّك في مواقفك من الناس، في قربك منهم وبعدك عنهم، من خلال مسألة الإيمان والالتزام العملي به.

وعن رسول الله (ص): "أوثق العرى كلمة التقوى"، باعتبار أنّ التقوى تمثل التزامك بكلِّ فرائض الإيمان وبكلِّ التزاماته، أي الالتزام بكلِّ ما أمر الله به، والابتعاد عن كلِّ ما نهى عنه، باعتبار أنّ ذلك هو الذي يقرّبك إلى الله، وتحصل من خلاله على رضاه، والتقوى هي أن لا يجدك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك.►

 

المصدر: كتاب الندوة 16

ارسال التعليق

Top