• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأثر النفسي لإعطاء الزكاة

الأثر النفسي لإعطاء الزكاة

◄إنّ لإعطاء الزكاة تأثيرات نفسية عظيمة لا يمكن أن نذكرها إلّا موجزاً. إنّه يدفع المسلم لأن يجسد النعيم الأُخروي والرضوان الإلهي في ذهنيته، ويركّز نظرته على تلك العوالم التي لم تر مثلها عين ولم تسمع مثلها اذن، وانّ هذه الحياة الدنيا إنما هي مقدمة لتلك الحياة ومزرعة لها. وأن ما يمتلكه الإنسان في هذه الحياة لا يقاس إلى ما يعطاه في تلك الحياة الخالدة "ما عندكم ينفد وما عند الله باق". وغير خاف انّ هذا التجسيد والتركيز له ما له من آثار على نفسية الإنسان وصوغها عاملة مسخرة لصالح البناء الإنساني العام، ومتجاوزة كلّ المصالح الشهوية التي تهدر تلك الطاقات. كما أنّ إعطاء الزكاة يربي عنصر التسليم المطلق لله تعالى في كلّ أوامره وخصوصاً الأوامر التي تتعلق بالجانب الاقتصادي حيث درج الإنسان على أن يحب المال حباً جماً... فتذوي لديه كلّ الشهوات أمام أوامر الله تعالى والتي هي الضمان الوحيد لرقيه وتكامله. كما أنّ الإسراع في تسليم الزكاة وإخراجها يركز في النفس التقوى وهي الملكة الجوهرية في التقييم الواعي للحياة والمفعمة بمعاني التقدم والسمو والصيانة. هذا بالإضافة إلى ما يعبر عنه دفع الزكاة من إنسانية، وشعور بالمسؤولية، وتحسس بآلام أبناء الجنس، بل الأعضاء التي ينشد معها إلى جسد واحد.

تعود زكاة الفطرة بالعديد من الفوائد على المجتمع الإسلاميّ، فعلى المستوى الاقتصادي تستفيد العائلات الفقيرة والمحتاجة من هذه الزكاة، وعلى مستوى ترابط المجتمع الإسلامي، فإنّها تؤدي إلى توطيد أواصر الأخوّة بين المسلمين، وتساعد في نشر المحبّة بينهم، فمن ناحية من يقوم بدفع الزكاة فإنّه يتحسّس آلامَ مجتمعه والفقر المنتشر فيه، ويعتبر نفسه أنّه قد قدّم شيئاً لمجتمعه ولأبناء جنسه، ومن ناحية مُستحق الزكاة فإنّه يشعر بأنّه غير مُهمّش، وأنّ هناك من يهتمّ به وبأموره وشؤونه. والمعروف أنّ الزكاة معناها النّماء، بمعنى الزيادة والبركة، لمن يدفع الزكاة. وقد ورد أنّ زكاة الفطرة هي تتمّة لصيام شهر رمضان المبارك، فلا يحتسب هذا الصوم إذا لم تُدفع زكاة الفطرة. وفي مورد آخر ورد أنّ الزّكاة (غير زكاة الفطرة) لا تتمّ إلّا بزكاة الفطرة، كما جاء ذلك عن النبيّ المصطفى (ص): "مَن أدّى زكاة الفطرة تمّم الله ما نقص من زكاته". وقد جاء في تفسير الآية الكريمة: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى/ 14-15)، أنّ الزكاة هي زكاة الفطرة قبل صلاة العيد، وأنّ الصّلاة هي صلاة العيدين الفطر والأضحى. إنّ الزكاة أجرُها عظيم، وفوائدها الدنيوية لهي جديرة بأن تحظى باهتمام المؤمنين، بأن يقوموا بدفعها وإخراجها، لعيالٍ محتاجة واقعاً، وبذلك تتمّ بلسمة جراح الكثيرين من المعوزين.

الأحكام الشرعية لزكاة الفطرة:

أ‌)       بمن يتعلّق وجوب زكاة الفطرة؟

هناك جُملة شروط لوجوب أداء زكاة الفطرة، ففضلاً عن ضرورة تحقّق شروط التكليف، والتي هي: البلوغ والعقل والقدرة؛ فإنّه لابدّ أن يكون المكلّف حُرّاً (أي أن لا يكون عبداً) وأن لا يكون مُغمى عليه عند إهلال شهر شوال (وقد ذهب لهذا الرّأي عدد كبير من الفقهاء). ويشترط في وجوب إخراج الزكاة أن يكون المكلّف غنيّاً (والغني هو الذي يملك قوت سنته قوةً أو فعلاً، وعرّفه فقهاء آخرون بأنّه الذي يملك أحد نُصب الزكاة المالية، وكذلك فقد عرّف فقهاء آخرون الغني بأنّه هو الذي لا يستحق الزكاة). ويجب على المكلّف يتمتّع بالمواصفات السابقة، أن يُخرج الزكاة عن نفسه وعن عياله، كالزوجة والأولاد الصغار، وكذلك يجب إخراج الزكاة عن الضيوف. وقد اشترط بعض الفقهاء لوجوب الزكاة عن الزوجة أن تكون زوجة دائمة غير منقطعة، وأن لا تكون ناشزاً، وإلّا لم يجب إخراج الزكاة عنها. كما أوجب الفقهاء إخراج الزكاة عن كلّ ولد يولد قبل هلال شهر شوّال (هذا على الرأي المشهور، كما وأنّ هناك رأي يوجب إخراج الزكاة عن كلّ ولد يولد قبل الزوال يوم العيد). وأمّا بالنسبة للآباء والأجداد، فهناك قول بوجوب إخراج الزكاة عنهم بحال وجب على المكلّف نفقتهم، وقول آخر أوجب إخراج الزكاة عنهم بصورة كون الآباء والأجداد من ضمن عِيال المكلّف، وليس مجرّد وجوب النفقة موجباً لإخراج الزكاة.

ب‌) وقت إخراج زكاة الفطرة:

 يجب إخراج الفطرة من طلوع فجر يوم العيد إلى ما قبل صلاة العيد، هذا لمن صلّى العيد، وإلّا فيمتد وقت إخراجها إلى ما قبل الزوال. كما ويجوز دفعها خلال أيّام شهر رمضان، أو في ليلة العيد، والأفضل دفعها للفقير بعنوان الدّين؛ ثمّ احتسابها زكاة في صبيحة يوم العيد. كما ويمكن عزل زكاة الفطرة جانباً قبل زوال يوم العيد، ودفعها فيما بعد بشرط أن تكون لديه النيّة بدفعها، وتأخير ذلك من أجل توفّر المستحق لدفعها له.

ج) مقدار زكاة الفطرة ونوعها:

يجب إخراج زكاة الفطرة عن كلّ شخص صاعاً من الطعام، والصاع هو ثلاثة كيلوات إلّا واحداً وخمسين غراماً ونصف الغرام (والخمسون غراماً ربع أوقية الكيلو). ويشترط أن تكون الزّكاة ممّا يُعدّ قوتاً (كالقمح والشعير والتمر والحليب والأرّز والذرة...) وبعض الفقهاء اشترط أن تكون الزكاة من الطعام الغالب على أهل كلّ بلد، ومنهم من حدّد الزكاة ببعض الأصناف من المأكولات دون غيرها، كما واشتُرطَ أن تكون الزكاة من جنس واحد لكلّ نفس واحدة. كذلك فقد أجاز الفقهاء دفع قيمة الزكاة مالاً، والمعيار قيمة وقت الأداء، والبلد التي يتمّ إخراج الزكاة فيها، لا البلد التي يدفع فيها المكلّف قيمة الزكاة.

د) مصرف زكاة الفطرة:

مصرف زكاة الفطرة هو عينه مصرف زكاة المال، وقد حدّدته الآية الكريمة التالية: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 60). فيجب إعطاء زكاة الفطرة لمن يستحقّها، وهم:

1-2- الفقير والمسكين، وهما لا يملكان قوتَ سنتهما، ولكنّ الفقير يتعفّف ولا يسأل ولا يطلب سدّ حاجته، بينما المسكين تدفعه حاجته للنّاس للتذلل ولطلب المساعدة منهم، وقد ورد عن أحد الأئمة (ع): "الفقير الذي لا يسأل، والمسكين، الذي هو أجهد منه، الذي يسأل".

3- العامل على الزكاة، وهو الذي يسعى لجباية الزكاة.

4- المؤلّفة قلوبهم، وهم الذين ضعف إيمانهم واعتقادهم، فيُعطون من الزكاة لتأليف قلوبهم وجلبهم للإسلام، وقد قال قسم من الفقهاء بأنّ سهم المؤلّفة قلوبهم يشمل الكفّار بُغية تقريبهم من الإسلام، وجعلهم يساندون المسلمين.

5- الرقاب، خُصِّصَ هذا السّهم لتحرير العبيد، حيث أنّه كان يُقتطع جزء من الزكاة لتحرير الرقاب.. وأمّا في هذا الزمان فلا مورد لهذا السهم. لذا يُعمل بأصناف مستحقّي الزكاة الأخرى.

6- الغارمون، وهم المديونون الذين لا يستطيعون أداء ما عليهم من ديون فيعطون من الزّكاة، ولكن بشرط أن لا تكون ديونهم قد صُرفت في معصية، كما وأفتى قسم من الفقهاء بعد اشتراط كون الديون لم تُصرف في معصية، وبعدم اشتراط عجز الغارم عن وفاء دينه.

7- سبيل الله: وهو كلّ أمر يعود بالنفع العام على الأُمة الإسلامية، وهذا رأي مشهور الفقهاء، وإن أفتى بعض الفقهاء بأنّ سبيل الله هو كلّ أمر يتقرب به إلى الله عاماً كان أو خاصاً، كذلك فقد أفتى بعض الفقهاء أيضاً بأنّ سبيل الله هو الجهاد دون غيره.

8- ابن السبيل: وهو المسافر الذي انقطع من المال، ولا يستطيع العودة إلى وطنه، ولكن يشترط حتى يجوز إعطاءه الزكاة أن يكون سفره في غير معصية، واشترط بعض الفقهاء أن لا يكون عنده ما يستطيع بيعه في بلده وتأمين مصاريفه. ► 

ارسال التعليق

Top