• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التعامل الإداري مع السلبية

التعامل الإداري مع السلبية
تتغير الأشياء ببطء شديد. ما عليك إلا أن تسأل كارولين؛ كي تتوثق من ذلك. كارولين التي تدير مصنعاً لصناعة نسيج الأقمشة في تينيسي (طلبت عدم ذكر اسم أسرتها)، تفسر ذلك قائلةً: "غالبية عمالنا اشتغلوا في هذا المصنع بين 30-35 سنةً، وكان معظمهم يؤدون الأعمال ذاتها في أثناء عملهم. لقد أصبحوا نمطيين للغاية. إن اقتربت منهم، وقلت لهم: دعونا نغير اتجاه خط الإنتاج، فسوف تخيفهم". ذاك الخوف يولد مقاومة. تنتشر الشائعات، وتبدأ المعنويات رحلةَ الهبوط. وقبل أن يمضي وقت طويل، يبدأ التغيب المزمن عن العمل، والتأخر في الوصول إلى المصنع. السيناريو الذي ذكرته كارولين يعد مثالاً تقليدياً على السلبية في ميدان العمل. من ناحية أخرى، يتمرد العمال الجيِّدون عندما يُرغمون على تغيير روتين عملهم. لكن يحتمل وجود أسباب وقضايا أخرى إلى جانب التغيير – على سبيل المثال: أساليب تفكير متباينة، أو شخصية مدمنة على العناد. ولكي يتعاملوا مع هذه المواقف، غالباً ما يكون عليهم أن يتغلبوا على ميلهم الغريزي، المتمثل في تجنب الاحتكاك بالموظفين المشاكسين. ينصحك الخبراء الذين استشرناهم بدراسة الأسباب الجوهرية التي تؤدي إلى السلبية. ثمّ ركز اهتمامك على سلوك الأشخاص بدلاً من تركيزك على شخصياتهم، وعالج المشكلات بطريقة مباشرة، بدلاً من محاولتك تجنبها.   - اتخذ من الإقناع وسيلةً للحث على تغيير الروح السلبية: يقول غاري توبتشيك، مؤلف كتاب "إدارة سلبية ميدان العمل": "غالباً لا يتمخض التغيير بحد ذاته بقبول إيجابي أو سلبي له، بل الذي يتمخض به ذلك هو أسلوب معالجة التغيير. إذن ما الذي يجب عليك عمله؟   - أطلع الآخرين على رؤيتك: في مسح أجري أخيراً، قال 39% من المستطلعة آراؤهم: إنّ الإدارة لا تكشف النقاب مطلقاً على الأسباب الحقيقية الكامنة وراء اتخاذها قرارات تؤثر على الموظفين. وعندما تطلع موظفيك على إستراتيجيتك، تساعدهم على فهم الاحتياجات التي فرضت التغيير. بفعلك هذا الأمر، تحقق إجماعاً على إستراتيجيتك.   - امنح الموظفين الأدوات التي يحتاجونها: العجز يولد اليأس. لا تدع هذه السلسلة من ردود الأفعال تنطلق: أجرِ مسحاً للموارد والمهارات التي يحتاجها الموظفون؛ كي ينجزوا المهام المطلوبة منهم، ثمّ ساعدهم عبر توفير الناقص منها – بسرعة.   - وفر مزيجاً من الثقة والدعم: بعض الموظفين تواقون إلى التعلم وتطوير أنفسهم في عهد التغيير. لكن عندما "تحجب عنهم فرصة تحقيق ذلك، [يكوِّنون] نظرة سلبيةً عن رئيس عملهم"؛ كما يقول توبتشيك. يترسخ الشك في أوقات التغيير. أظهر لموظفيك ثقتك بقدرتهم على الاضطلاع بالمسؤوليات التي ألقتها على عواتقهم المهامُ الجديدة، التي وُكل إليهم أمر تنفيذها. لكن كن مستعداً لتقديم الدعم والنصيحة.   - عندما تتضارب أساليب التفكير: هل سبق وتساءلت: لماذا يعمل ذلك العامل الذكي والمحترم على استثارة استجابات معادية لزملاء اختيروا للعمل معه؟ أحياناً لا تكون القضية مشكلة عدم شعور بالارتياح بسبب التغيير، بل تكون مشكلة عدم "انسجام بين أساليب التفكير المفضلة"؛ كما يقول روبرت إم. برامسون، الحاصل على درجة دكتوراه في حقل الفلسفة، ومؤلف كتاب "الانسجام مع الموظفين المشاكسين". ويحدد برامسون خمسة أساليب في التفكير: 1- أصحاب المذهب الفكري الديالكتيكي الهيغلي تثيرهم الرغبة في الفهم. 2- المثاليون يسعون وراء عقد مصالحات بين الآراء المتضاربة. 3- البراغماتيون يفضلون التحليل والتنظير اعتماداً على عمل مادي محدد وملموس. 4- التحليليون يصرون على عمليات الحلول العقلانية للمشكلات. 5- الواقعيون يرون أن ثمة قليلاً من الحاجة إلى المنطق الهيغلي، أو التحليل، أو المزيج منهما؛ لأنّهم يعتقدون أنّ الحقائق يجب أن تكون واضحة لكل الناس بيسر وسهولة. مزيج بعض الأساليب في التفكير ينجح أكثر مما يفعل مزيج آخر. لذلك يمكن أن يتحول الموظفون الإيجابيون إلى آخرين سلبيين، عندما نجمعهم مع نظراء من أصحاب الأفكار التي تتضارب مع أفكارهم. غالباً ما يكون صاحب التوجه الهيغلي، على سبيل المثال، مجادلاً طبيعياً يحب التأمل والتناظر حول نقطة معينة. ويفسر برامسون ذلك بقوله: "إنّ المناظر الهيغلي لا يعير كبير اهتمام للفوز، وهو يجادل، ببساطة، حباً في الجدل. أما هَمُّ البراغماتي الأساسي، واهتمامه الأوّل إنما يتمثل في "الاستمرار في العمل"، والعمل في إطار الممكن والمتاح. وعندما نجمع بين هذه النموذجين في مشروع عمل واحد، فمن المحتمل أن يؤدي الاحتكاك بينهما إلى انتهاج سلوك سلبي – شكاى إلى زملاء عمل، أو امتناع عن الاشتراك في الموارد، والمشاركة في المعلومات.   - ماذا يجب عليك أن تفعل؟ عوِّل على "الإثارة التي تحفز الإبداع". هذه العبارة مقتبسة من جيري هيرشبرغ، رئيس قسم التصميم في شركة نيسان العالمية، الذي استدل عبر الملاحظة على أنّه غالباً ما تزداد إنتاجية فرق العمل، وتتحسن أفكارهم، عندما تتكون تلك الفِرق من أفراد ذوي رؤى، وقدرات، ومعارف، ومهارات متنوعة. وفي كتابهما: "عندما يتطاير الشرر"، يعلق كل من دوروثي ليونارد ووالتر سواب على العادة التي درج عليها هيرشبرغ على توظيف كل فردين متعارضين، وجعلهما يعملان معاً – على سبيل المثال: التعاقد مع فنان لديه شغف بالألوان، للعمل مع مصمم يفضل أسلوب التفكير المنطقي. وقد كتب المؤلفان: "هذا الصراع الفكري أجازه هيرشبرغ مختاراً، معتقداً أنّه إن أُطّرت الطاقة المتولدة عن الجمع بين النقيضين بطريقة صحيحة، ووجهت وجهة الإبداع بدلاً من أن تُسخر لإثارة الغضب، فستتحول إلى محطة توليد طاقة إبداعية".   - لا تسمح بجعل الصراع شخصياً: يلاحظ برامسون أنّه: "من المفيد التنبه للمزيج المتفجر الذي يحدث عند الجمع بين نماذج معينة من الموظفين. "إن كنت واعياً ومتنبهاً لاحتمال حدوث مشكلات افتراضية، فسيكون بوسعك اتخاذ تدابير وقائية تحول دون وقوعها، أو تقلل من تأثيرها إن هي وقعت، أو – في الحد الأدنى – تكون مستعداً لتفاديها". وتكمن الفكرة هنا في توجيه الشرر وجهةً يكون عبرها عاملاً من عوامل تحقيق أهداف الشركة – لا تسمح لهم بشن هجمات ذات طابع شخصي.   - ساخطون: نعود إلى تينيسي؛ إلى حيث كانت كارولين تراقب عن كثب العمال القليلَ عديدُهم، "الذين كانوا يبتهجون عندما ينشرون معلومات مزيفة؛ كي يروا ما ستتمخض به". هؤلاء العمال، ومن هم على شاكلتهم، غالباً ما يكونون ساخطين؛ ومن الممكن أن يكونوا أكبر مورد للمتاعب الناجمة عن السلبية في ميدان العمل. كنا جميعاً مشاكسين في وقت من الأوقات، بيد أن ما يميز الساخط – فيما يرى برامسون – هو أن "سلوكه المثير للمتاعب اعتيادي، وأن تأثيراته تطول معظم العاملين الذين يتواصل معهم". ويبدو أن لدى الساخطين "مناعة من كل وسائل الاتصال والإقناع العادية المصممة لإقناعهم، أو لمساعدتهم؛ كي يغيروا أساليبهم". ولكي يساعدك على معرفة هل تتعامل مع واحد منهم، ينصحك برامسون بطرح الأسئلة الآتية على نفسك: * هل العامل الذي أنت بصدده يتصرف تصرفات مختلفة في ثلاثة مواقف متشابهة؟ * هل رد فعلي غير متناسب مع ما يمليه الموقف؟ * هل ثمة حادثة خاصة أثارت السلوك المثير المتاعبَ؟ * هل بوسع النقاش المباشر والمنفتح أن يخفف من حدة الموقف؟ إنّ أجبت بـ"لا" عن الأسئلة الأربعة جميعها، فقد يكون الشخص الذي أنت بصدد تقويمه ساخطاً. يقول برامسون: لدى تعاملك مع أفراد من هذا القبيل، اعلم أن رغبتك في مجابهة مواقفهم مباشرة هي رغبة مضللة. إذ إن مواقفهم تكوّنت وترسخت عبر مسيرة حياتهم كلها. لذلك حاول الامتناع عن استهداف أشخاص – حيث إن تصرفاتهم ستكون مرآة لمواقفهم. العدائية التي تكونت عبر زمن طويل مضى، ولن ينتج عنها أي شيء يفيدك.   - لا يتعين عليك معالجة السلبية منفرداً: "المعالجون السميُّون" وصف ابتدعه البروفسور بيتر فروست وساندرا روبنسون من جامعة بريتيش كولومبيا. وهو يشير إلى أولئك الذين يحملون أعباء معالجة القلق، والحصر النفسي، والنزاعات المؤسسية متطوعين. هؤلاء المعالجون السميون يريحون الزملاء، ويعينونهم، وينقون الرسائل المشاكسة، ويُسْدون النصح، ويكسبون ثقة الآخرين – إضافةً إلى حملهم أعباء مسؤولياتهم الرسمية. ومع أن شبكة المعالجين السميّين غير الرسمية تعمل في الخفاء معظم الأحيان، فإن عملها يعد ذا قيمة هائلة. إذ يتعين على المديرين أن يعترفوا بهذا العمل المهم، وأن يساندوه "قبل أن تنشب أزمةً"، جاء ذلك في مقال لكل من فروست وروبنسون نشراه عام 1999. ضمن مطبوعات هارفارد بزنس ريفيو. علينا أن نتذكر، أيضاً، أنّ المعالجين السميين يدفعون ثمناً باهظاً مقابل بذلهم جهودهم – يصابون بإعياء شديد، وقرحات (معدية)، ونوبات قلبية. ويحتاجون إلى استراحات دورية منتظمة للتخفيف من وطأة الضغوط التي يتعرضون لها، وإلى مساعدة احترافية، أحياناً؛ كي يتمكنوا من العمل على نحو مجدٍ.   - الانسجام المجدي: يقول برامسون: سواء أكنت تعالج قضية أحد الساخطين، أم صاحب أسلوب مختلف في التفكير، أم عامل يرتاب من جدوى التغيير، فلا تتوقع أن تكون قادراً على تغيير شخصياتهم؛ إلا أن هذا لا يعني أن تدع السلوك السلبي يمر دونما اعتراض. تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 80% من أولئك الذين يعدهم زملاؤهم مثيرين المتاعب، لا يعتقدون أهم سلبيون. فهم لم يُستدعَوا مطلقاً كي يُسألوا عن سلوكهم. المقاربة التي ينصح بها برامسون، "الانسجام المجدي"، هي "خلاصة تلك التدابير التي تستطيع اتخاذها من أجل تصحيح ميزان القوة؛ للتقليل من حدة تأثير هؤلاء العمال في سلوك المشاكسين الآخرين في الموقف الراهن".   - اكتفِ بمعالجة السلوكيات التي تستطيع أن تحددها بكثير من الضبط والدقة: على سبيل المثال: التأخر في حضور الاجتماعات، وانتقاد زملاء العمل، أو نشر شائعات مزيفة (كن مستعداً لذكر أمثلة محددة). لكن إن لم يكن للسلوك تأثير ملموس في المعنويات، أو الإنتاجية، أو في معيار أداء آخر، يجبْ عليك ألا تأتي على ذكره. هذا ما ينصح به توبتشيك. فقد يكون الأمر، ببساطة، إظهار أساليب متباينة في التفكير.   - اعترف بالقضايا الأساسية: قد تكون السلبية في العمل نتيجةً لقلة الفرص وضعفها. فعندما تتكلم عن قضايا من هذا القبيل، حاول أن تكون مرشداً بدلاً من أن تكون معلماً. اقصر دورك على طرح أسئلة – تجنب إعطاء التوجيهات والتعليمات؛ كي تكون واثقاً أنّ المرء يتعلم من التجربة.   رسخ مبدأ المسؤولية: عالج السلبية كما تعالج مشكلات الأداء الأخرى، وحمّل صاحب السلوك السلبي مسؤولية تحسين سلوكه، واتفق معه على مجموعة من القواعد الأساسية التي يمكن أن تستخدمها لقياس مدى التقدم.   - قدم تغذية راجعة بطريقة منتظمة: فالكاتبان: كينيث كلوك وجوان غلودسميث عبر كتابهما "حل الصراعات في ميدان العمل"، يقترحان عليك: "أن تبدأ بتزويد نفسك بتغذية راجعة، ثمّ تشرع بعد ذلك في دعوة الموظف الآخر، أو أعضاء في المجموعة للتجاوب. أنت تشير، بهذه الطريقة، إلى مستوى الصدق والاستقامة، والامتناع عن اتخاذ مواقف دفاعية، حيث تأمل منهم أن يبلغوه. إضافة إلى ذلك، تستقبل التغذية الراجعة التي تقدمها بانفتاح أكبر". واظب على جعل التغذية الراجعة بنّاءة، ومحددة، ومرتكزة على العدالة، وتجنّبْ – لدى تقديمها – استخدام نبرة من يصدر حكماً قضائياً. قبل فعلك أي شيء، حاول ألا تكون حبيس التفكير المبني على التمني. لا تتوقع أن تكون قادراً على استئصال سلبية ميدان العمل من جذورها. لكن، في الوقت ذاته، لا تضلل نفسك بالاعتقاد أنّ السلبية يمكن أن تزول من تلقاء نفسها. يقر كل من كلوك وغولدسميث بأن معالجة السلوك السلبي تقتضي كفاحاً مستمراً، إلا أن قدرتك على التقدم على صعيد معالجة السلبية، تتعزز عندما تنظر إليها بوصفها فرصةً سانحةً؛ "لإحراز نمو، وابتكار حلول، وإحداث تحول".   المصدر: كتاب (التعامل مع الموظفين المشاكسين)

ارسال التعليق

Top