• ١٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مهن نسائية في قائمة الرجال السوداء

مهن نسائية في قائمة الرجال السوداء
انتهى النقاش تقريباً حول عمل المرأة وأحقيتها فيه. قد يتفق الناس على هذا الرأي أو يختلفون. لكن، من المؤكد أنّ الرجل لا يزال يتحكم في قائمة الأعمال المسموح وغير المسموح بها لزوجته. فما هي يا ترى تلك المهن التي يضع عليها الرجال لافتة حمراء، والأخرى التي يفضلونها؟ الواقع يقول إنّ مشكلات المرأة في الوطن العربي لم تتوقف عند أن تعمل أو لا تعمل، فحتى بعد أن اعترف الأغلبية بحقها في العمل، سرعان ما أطلّت مشكلة أخرى عن المهن المناسبة لها من وجهة نظر المجتمع الشرقي الذكوري، الذي يمثل الرجل الناطق الرسمي بأحواله ورغباته، إذ إنّه هو الذي يخطط للمرأة، الأدوار التي تلعبها منذ فترات طويلة، كما أنّه هو مَن يضع لها القيم التي تُحدّد سلوكها. حول المرفوض والمسموح به من المهن التي تعمل فيها الزوجات، في هذا الموضوع أُجري استبياناً، شمل 100 رجل واقترح فيه على المستطلعين 12 مهنة (الطبيبة، المعلمة، المهندسة، المذيعة، الصحافية، الموظفة الإدارية، السكرتيرة، الممرضة، مُضيفة الطيران، المحامية، خبيرة التجميل، خدمات التسويق والمبيعات). ليُدلوا بآرائهم حول المهن المقبولة لزوجاتهم من بينها، وتلك المرفوضة والأخرى التي يقبلونها على مَضض. وقد كشف الاستبيان أن 70% من المشاركين يرفضون أن تعمل زوجاتهم مضيفة طيران، تلتها مباشرة في الرفض مهنة المذيعة بنسبة 63%، ثمّ السكرتيرة بنسبة 61%. وأخيراً خدمات التسويق والمبيعات بنسبة 61%. وجاءت مهنة الصحافة بالنسبة إلى الزوجات، في ذيل قائمة المهن المرفوضة لدى الرجال. وبيّن الاستبيان تأييد 63% من المشاركين "بشدة"، لانخراط المرأة في سلك التعليم، الذي مثّل أعلى نسبة قبول لدى الرجال بين المهن المرغوبة للزوجات. واللافت، أن تحتل مهنة خبيرة التجميل المرتبة الثانية بين المهن الأكثر قبولاً بالنسبة إلى الرجال، بخصوص عمل زوجاتهم، إذ وافق 55% من المستطلعين بشدة عليها، بينها رفضها ربع المشاركين فقط. وقد يعكس هذا رغبة الرجال في أنّ تعمل زوجاتهم في مهن تتعامل فيها مع بنات جنسها فقط. وفي المرتبة الثالثة من حيث القبول، أتت مهنة الطبيبة بنسبة 47%. ومن المثير للانتباه كذلك، ما كشفه الاستبيان من تأرجح في موقف الرجال حول مهنة المحاماة بالنسبة إلى الزوجة بين القبول والتردد. إذ يوافق عليها 33% من المشاركين بشدة، بينما يقبلها على مضض 40% إن كانت أمراً واقعاً. وأوضح الاستبيان أن 45% من الرجال يوافقون بشدة على عمل زوجاتهم كموظفة إدارية، وقبولها وبدرجة متقاربة على عملها كمهندسة بنسبة 40% بينما رفض 43% منهم عملها كممرضة. وقد يعود ذلك لطبيعة عمل الأخيرة الذي يستوجب وجودها في مكان عملها لساعات ليلية مُعيّنة خلال وظيفتها. بناء على ذلك، لماذا قد يرفض الرجل أو يقبل أو يُوافق على مضض على عمل زوجته في مجال معيّن؟ - غيرة مناسبة: بالنسبة إلى نادر كتكت (مدير مبيعات عازب)، فهو لا يرى حرَجاً "في أن تعمل المرأة في كل المجالات التي ترغبها". مع ذلك، فإنّه لا يُحبّذ المهن التي لا تناسب تركيبة المرأة الفيزيولوجية وبنيتها الجسمية. وفي هذا السياق، يتساءل نادر: "إذا كان فهم المجتمع قد تطور بخصوص عمل المرأة؟ فهل ستتطور بنيتها الجسدية؟". يقول: "لا أوافق مثلاً أن تعمل زوجة المستقبل (مهندسة في موقع)، تقف تحت الشمس وتتعامل مع العمّال طوال اليوم". يجد نادر "أنّ الأعمال التي تتطلب مجهوداً بدنيّاً، هي مَن تخصُّص الرجال ولا تصلح للنساء البّتّة"، لافتاً إلى أنّ "على المرأة أن تكون واقعيّة، وتتنازل عن فرصها للرجال، لأنّهم مناسبون أكثر لمثل هذه الأعمال". من ناحيته، يحمد يحيى علي (مدير علاقات، متزوج منذ 6 أعوام)، الله على أنّه أنعَم عليه بزوجة تعمل في مجال التدريس، التي يرى "أنّها أنسب مهنة للمرأة على الإطلاق". ويتحدث عن حسنات تلك المهنة قائلاً: "إنّ فيها استقراراً وظيفياً كبيراً للمرأة، كما أنّ بقاءها مع أسرتها طوال عطلة الصيف، هو ميزة عظيمة لا تتوافر في مهن أخرى". في المقابل، ثمّة مهن لا يوافق عليها يحيى، الذي يقول: "لا أحب أن تعمل زوجتي في الأدوار القيادية، أو أن تخوض المعترك السياسي، فهذه المجالات تضعها تحت الأضواء، وتلقي على عاتقها مسؤوليات عامة، لن تستطيع معها أبداً الاهتمام بين وبأطفالي بالصورة المطلوبة، كذلك أتحفّظ على عمل المذيعة وأعتبرها مهنة مُزعجة لزوجها، إذ يجد نفسه دائماً محاصراً بمعجبيها ومشاهديها".   - عادات وتقاليد: وفي إطار رفضه لمهن معيّنة لا يقبَل أن تعمل فيها المرأة عموماً، وزوجته على وجه الخصوص، فإنّ سعيد محمد علي الفقاعي (رجل أعمال، متزوج منذ 30 عاماً)، يستصحب معه الموروثات الاجتماعية والعادات والتقاليد، "التي ترفض المهن التي تُعرض المرأة للاحتكاك بالرجال، أو تستدعيها إلى أن تغيب عن بيتها فترات طويلة، أو تتطلب منها السفر أو المبيت خارج البيت"، حيث يشير إلى أن "كل مهنة تندرج تحت لائحة الشروط السابقة، لا تنسجم مع الروح الاجتماعية"، لافتاً إلى أنّه "يمكن لدائرة العيب أن تتسع، عندما يتعلق الأمر بإهمال البيت والأطفال". ويقول: "بالتالي، فإن قبول الرجل الشرقي لن يعرّضه فقط لانتقاد مَن حوله للسماح لزوجته بمثل هذه الأعمال، وإنّما أيضاً يُفقد عائلته روح الترابُط التي تحققها المرأة، بوجودها في بيتها فترات كافية، التي تتيح لها رعاية زوجها وأطفالها من دون تعارُض مع وظيفتها". من ناحيته، يقول محمد حسان (موظف)، إنّه يمانع أن تعمل زوجته المستقبلية "في مجالات التسويق والترويج، التي تستدعي منها مُجاملة الجميع أو التعامل مع أنماط كثيرة من البشر، ما يضطرها إلى الدخول في مواقف غير لائقة، أو التنازل عن كرامتها للحفاظ على عملها".   - إهمال الأسرة: بدوره، يؤكد أحمد خالد الشمالي (مهندس، متزوج) احترامه "لكل مهنة شريفة تعمل فيها المرأة". ولكن عندما يأتي الحديث عن المهنة التي لا يرغب في أن تعمل فيها زوجته يقول: "لا أظن أنني كنت سأسمح لها بأن تعمل مضيفة جوية، تقضي أيامها في التحليق بين البلدان، وتُعرّض نفسها كل يوم لمخاطر الطيران، أو سكرتيرة جَلّ عملها مرتبط بشخض واحد، كما أرفض لزوجتي أن تعمل في مهنة، تتطلّب دوامات ليليّة، فكل هذه المهن ستلهيها عن بيتها وعن واجباتها الأسرية".   - تغيُّرات: على الرغم من التحفظات التي حَوَتها الآراء السابقة، حول المهن التي يرفضها بعض الرجال للمرأة بشكل عامل، إلا أن هناك آراء مَرنة تقلّصت عندها قائمة الممنوع بشكل كبير، فها هو سفيان محمد قايدي (مندوب مبيعات، عازب) يؤكد "أنّ الحياة تغيّرت"، لافتاً إلى "أنّ المرأة أثبتت جدارتها في جميع الوظائف والتخصصات، وبرهَنت على التوفيق بين بيتها وبين واجباتها الأسرية على أكمل وجه، وليس للرجال عليها حجة في أن امتهانها بعض المهن، قد يعوقها عن القيام بدورها الأسري". ومن هذا المنطلق، يختم سفيان قائلاً: "ليس لديّ أي مانع بأن تعمل المرأة في أي المجالات الشريفة". من جهته، يرى تامر الصياد (متزوج منذ 3 أعوام)، "أنّ الرجل يظلم المرأة، حينما يرفض لها العمل في مهنة معيّنة". ويفسّر تامر تحفّظ بعض بني جنسه على هذه المهن، بأن أغلبه "ينتج من الشعور بالغيرة". مُشيراً إلى أنّ "وجود الزوجة في وظائف، تضطر فيها إلى الاحتكاك بالرجال، يستفز الزوج ويُثير غيرته". يضيف: "كذلك، من الأمور التي تجعل الرجل يرفض أن تعمل زوجته في وظيفة معيّنة، إحساسه بالدّونية، خاصة إذا كانت المرأة متفوّقة في مجالها".   - انتقاص: "لستُ مع تقييد المرأة في إطار وظائف مُعيّنة، لأنّ هذا ينتقص من قيمتها". بهذه العبارة يبدأ خالد مصطفى (طبيب) حديثه، ويمضي بالقول "إنّ المرأة الملتزمة والمحترمة، أيّاً كانت وظيفتها، مادامت وظيفة شريفة، فهي محترمة". ومن وجهة نظر خالد، وهو متزوج بصيدلانيّة، فإنّه الأسباب التي جعلت المجتمع يتحفّظ على بعض الوظائف، التي تمتهنها المرأة "في طريقها للزوال"، مُشيراً إلى أنّه "بات هناك وعي كبير لدور المرأة، التي تحررت من الكثير من سلاسل وصاية الرجل، التي تضعها في قالب مُعيّن أو وظيفة معينة". يستطرد: "الحل إذن، ليس في منع المرأة من مهن معيّنة، بل في البحث عن آليّات تحفظ لها كرامتها، أولاها تغيير نظرة المجتمع لها، وتثمين دورها وهي تكد وتتعب لتساعد أسرتها".   - اهتزاز الصورة: على ضوء الآراء السابقة والنتائج التي توصّل إليها الاستبيان، وضعنا سؤالنا على طاولة أخصائي الطب النفسي، الدكتور هيثم شبايك، الذي سألناهُ: ما الدوافع النفسية التي تدفع الرجل الشرقي إلى عدم تقبّل أن تمتهن زوجته وظائف معيّنة، والأخرى التي تدعوه إلى الحماسة لوظائف أخرى؟ يؤكد د. شبابيك، أنّه "في المجتمع الشرقي، تتحكم طبيعة التربية وظروف التنشئة إلى حد كبير، في نظرة الرجل إلى أي مهنة ومدى صلاحيتها للمرأة من عدمه". يقول: "مهما وصل الرجل من العلم والانفتاح، فلا يزال التراث القيمي هو الذي يتحكم في سلوكياته واتجاهاته"، لافتاً إلى أنّ "هذه العوامل هي التي ساعدت على تقسيم الأ‘مال، وجعلت الرجل يخاف من اهتزام صورته أمام الناس، إذا وافق على أن تعمل زوجته في مهنة، يضع المجتمع امامها علامات الاستفهام". من ناحية أخرى، يرى د. شبايك "أنّ شخصية الرجل وتركيبته النفسية، تلعب دوراً كبيراً في تقبّله عمل زوجته في بعض المجالات"، لافتاً إلى أنّ "هناك أزواجاً تنقصهم الثقة بالنفس، فيتعرضون على خوض زوجاتهم في بعض الوظائف التي تُكسبهنّ القوة والثقة، ويخشون من أن يستخدمن هذه المكتسبات في حياتهنّ معهم، فيُنازعنهم في دورهم القيادي في العائلة، خاصة إذا كان الزوج يشعر بأنّه لم يحقق النجاح الذي يصبو إليه، ما يؤثر سلباً في علاقتها معه". ويشير د. شبايك، إلى أنّ "من العوامل النفسية الأخرى، المرهونة بنمط شخصي، والتي تدفع الرجال إلى رفض بعض المهن لزوجاتهم، هي مشاعر الغيرة على الزوجة من الآخرين". يُعرّف الدكتور شبايك الغيرة، بأنّها "عبارة عن مشاعر وأحاسيس، تتكون عناصرها في الطفولة الأولى، من حُب التملك والشعور بالخوف من فقدان شيء، وعدم الشعور بالأمن والخوف من فقدان العاطفة، وهي فطرة طبيعية في البشر، إن كانت ضمن حدود معيّنة". ويقول: "لكن، إذا ارتفع مُعدّلها لدى الزوج، فإن ذلك يدفعه إلى منع زوجته من العمل حتى لا تختلط بالغرباء، ويجد في منعها من بعض الأعمال، أمراً يتوافق مع رغبته في الاستحواذ الكلّي على شخصية الزوجة وتملّكها".   - دفاع: ولمزيد من التفاسير حول تحفّظ الرجال على بعض المهن، وعدم رغبتهم في انخراط زوجاتهم فيها، يؤكد رئيس قسم على الاجتماع، الدكتور حسين العثمان "أنّ المهنة، تعكس المكانة الاجتماعية والاقتصادية للفرط". يقول: "لذلك، فإنّ الناس يتنافسون على المصادر التي تؤدي إلى الرّفعَة الاجتماعية ووسائلها، كالتعليم والمهنة والدخل"، لافتاً إلى أنّ "الرجال كانوا أوّل مَن مارس مهن الصحافة والسكرتارية والضيافة والإذاعة". يضيف: "لكن الرجل ظل في الحقب الأخيرة، يُعاني اجتياح المرأة لمجالات كانت محظورة عليها. واللافت، أنّه عند كل مَوجة أنثوية تُؤسّس لمبادرات المرأة، كان الرجل يتراجع لكنه يخلف وراءه بعض التحفظات، التي تُعنون دواخله النفسية والاجتماعية، ومن أبرزها عدم رغبته في ارتياد المرأة لهذه المهن، خاصة تلك التي تنازل الرجال عنها للنساء، فأصبحت الآن شائعة بينهنّ، كمهنة السكرتيرة والمذيعة والمضيفة والصحافية، وأصبح هناك إقبال كبير من النساء على هذه المهن". يقول الدكتور العثمان: "إنّ الرجل، عندما لم يجد طريقة لإيقاف انفلات المرأة عن الثقافة الذكورية وامتهانها لتلك المهن، وكوسيلة دفاعية عن موقعه القديم، بدأ في وصم بعض المهن بوصمات تتعلق بالأخلاق والسمعة، حتى يُبعد المرأة عن العمل بها". ومن وجهة نظر الدكتور العثمان، فإنّ "كثيراً من الرجال باتوا اليوم لا يُمانعون من عمل المرأة في هذه المهن، لكنهم قد يتحفّظون على عمل زوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم للعمل فيها، لأسباب تتعلق بطبيعة هذه المهن، حيث تتعامل المرأة مع جمهور مُتعدد، يزيد من درجة الاختلاط، فالرجال يعيشون في مجتمعات ذكورية ذات سلطة أبوية، ما يجعل عمل زوجاتهم مَدْعاةً للغيرة، والخوف من الاختلاط مع الآخرين من الذكور، والرغبة في الحفاظ على خصوصية الرجل، التي يرتبط جزء منها بالزوجة". ويختم الدكتور العثمان، مؤكداً "حدوث تغيير فعلي في اتجاهات الناس نحو عمل المرأة، حيث إنّهم لا يمانعون عملها في مثل الكثير من المجالات. ولكن، عندما يصل الأمر إلى حياتهم الخاصة، يفضلون مهناً أخرى لزوجاتهم، تقل فيها فرص الاختلاط مع الذكور".   - ما المهنة التي تفضلها لزوجتك؟ عدد الرجال المشاركين في الاستطلاع 100 رجل ما موقفك من الارتباط بصاحبة واحدة من المهن التالية: - طبيبة 47% أوافق بشدة 20% أوافق، ولكن على مضض 33% أرفض -        معلمة 63% أوافق بشدة 24% أوافق، ولكن على مضض 13% أرفض - مهندسة 40% أوافق بشدة 31% أوافق، ولكن على مضض 29% أرفض - مذيعة 20% أوافق بشدة 17% أوافق، ولكن على مضض 63% أرفض - صحافية 18% أوافق بشدة 30% أوافق، ولكن على مضض 52% أرفض - موظفة إدارية 45% أوافق بشدة 33% أوافق، ولكن على مضض 22% أرفض - سكرتيرة 15% أوافق بشدة 24% أوافق، ولكن على مضض 61% أرفض - ممرضة 22% أوافق بشدة 35% أوافق، ولكن على مضض 43% أرفض - مضيفة طيران: 9% أوافق بشدة 21% أوافق، ولكن على مضض 70% أرفض - محامية 33% أوافق بشدة 40% أوافق، ولكن على مضض 27% أرفض - خبيرة تجميل 55% أوافق بشدة 20% أوافق، ولكن على مضض 25% أرفض - خدمات التسويق والمبيعات 20% أوافق بشدة 23% أوافق، ولكن على مضض 57% أرفض.

ارسال التعليق

Top