• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

روافد تشريع العيد المبارك

روافد تشريع العيد المبارك

يتمثَّل في جعل اليوم الأوّل من شوّال عيداً ثانياً للمسلمين جميعاً تتعانق فيه القلوب، وتتهانى فيه المشاعر، وترنو النفوس إلى خالق الكون، لتجسد عملية نزول الجوائز الإلهية منه تعالى. ويمكننا أن نلاحظ ما يلح في مجال المشاعر التي يوجدها العيد في الإنسان بصورة مختصرة.

 

1- الطهارة:

حيث تكون الأبدان قد أدَّت زكاتها بالصوم، والأرواح مرَّت بمرحلة صفاءٍ لا يوصف... فتركز فيها الإخلاص، ونفت عنها شوائب الرياء، وسبحت في عوالم القرآن، وصعدت في معارج الدعاء وحيث يكون الضمير نقياً من كلِّ أوضار الخرافة لأنّه عايش انتصار الإنسانية على الانحراف.

 

2- العظمة الإسلامية:

حيث تتجلّى للإنسان عظمة الرسالة التي استطاعت أن تقود البشرية في دورتها التدريبية هذه وتربيتها على المعاني الحيِّة.

 

3- النقد الذاتي:

فالعيد يوم الحساب... يوم النتائج. يركن فيه الإنسان إلى نفسه يحاسبها، وينقدها نقداً بصيراً بنّاءً، فيلاحظ مدى التغير الذي حصلت عليه حياته، والفرق بين وضعه قبل الشهر ووضعه بعده... وللنقد ما له من تأثيرات في تنمية الشعور بالمسؤولية.

 

4- الحب:

إذ الجو حينذاك مفعم بمعاني الحب للبشرية – كلّ البشرية – ولقادة البشرية بالخصوص... الذين قادوا عملية التربية. وهم أهل البيت (عليهم السلام). فترتفع الأيادي في صلاة العيد وهي تدعو:

"أسألك بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً ولمحمّد صلى الله عليه وآله ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيدا. أن تصلِّي على محمّدٍ وآل محمّد، وأن تدخلني في كلِّ خير أدخلت فيه محمّداً وآل محمّد، وأن تخرجني من كلِّ سوء أخرجت منه محمّداً وآل محمّد، صلواتك عليه وعليهم".

وفي الحب تكمن كلّ معاني الخير بل تكمن أسس العلاقة بين الإنسان وغيره كما أرادها الله فهو مصدر النظرة الحسنة والأخلاق الفاضلة، ومصدر التعاون والمواساة ولعل مما يرمز إليه في هذا اليوم وجوب إعطاء زكاة الفطرة قبل انتهاء العيد.

 

5- الجوائز:

انّه شعور الإنسان أنّه يتسلّم الجائزة من يد القدرة الإلهية في هذا اليوم العظيم. وما أروع أن يشعر الإنسان بذلك بعمق. انّه يستقبل العيد بهذا الدعاء.

"اللّهمّ ومن تهيّأ في هذا اليوم أو تعبّأ أو أعدّ واستعدّ لوفادةٍ إلى مخلوق رجاء رفده ونوافله وفواضله وعطاياه فإنّ إليك يا سيدي تهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك...".

 

6- باقي المشاعر:

كمشاعر التوبة، والدفق الواسع، وكذكر يوم القيامة وغير ذلك مما يطول المقام بنا لو تعرضنا إليه.

وهكذا يكون العيد يوم الانتصار، ويشترك مع باقي الروافد الأخرى في تنمية شعور المسلم بما قام به من عمل، وبالتالي الاستثمار الحي لكلِّ ما في الصوم من حكم جليلة.

ولتأكيد ما سبق أرجو يا قارئي العزيز أن نقرأ معاً هذه العبارات المباركة لنجد فيها – واضحاً – ما اسلفناه من أنّ الشهر دورة تدريبية تنتهي بالجوائز للفائزين السابقين، فقد روي عن أحد المعصومين أنّه قد مرّ في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال:

"إنّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته... فسبق قوم ففازوا، وقصّر آخرون فخابوا. فالعجب من ضاحك لاعبٍ في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أنّ المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بإساءته" ثمّ مضى، وعن الإمام الصادق (ع) في أمالي الصدوق: خطب أمير المؤمنين (ع) الناس يوم الفطر فقال: "انّ يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المسيؤون، وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم... واعلموا عباد الله أنّ أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان:

"أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم".

"فَانْظرُوا كيف تكونون فيما تستأنفون".

وإذا طلع هلال شوّال نودي المؤمنون "هلموا إلى جوائزكم" وأخيراً قوله (ع) في بعض الأعياد:

"إنّما هو عبدٌ لمن قبل الله منهُ صيامهُ، وشكر قيامه، وكلّ يومٍ لا يعصى الله فيه فهوَ عيدٌ".

وهكذا رأينا كيف تتجمع هذه الروافد فتصب في شعور المسلم الصائم وتتحول بالتالي إلى سلوك واعٍ وعملٍ فياض.

أسأل الله تعالى أن يوفق الأُمّة الإسلامية لصيامه وقيامه وأن يغرس في قلوبها بذور المحبة ويرسم في أحداقها أهداف الرسالة فتمشي إليها بكلِّ جد وثبات انّه السميع المجيب.

 

المصدر: كتاب نظرة عامة في العبادات

ارسال التعليق

Top