• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«التدخل النفسي» علاج آمن للأمراض المستعصية

«التدخل النفسي» علاج آمن للأمراض المستعصية

نتيجة لتطورات الحياة وتسارعها تغيرت أنماط حياة الإنسان، وبقدر ما لتطورات الحياة من عوامل إيجابية فلها أخرى سلبية.

ومن الأمور السلبية على سبيلالمثال وجود أنواع جديدة من الأمراض لم تكن معروفة في السابق، أو على الأقل كانت تنتشر بين كبار السن بشكل محدود، فالأمراض النفسية كانت مستهجنة قبل خمسين أو ستين عاماً، والسمنة لم يكن لها وجود إلا بنسبة لا تتجاوز 1.5% وكانت في معظمها عند كبار السن، وآلام المفاصل وأسفل الظهر وغيرها لم تكن موجودة إلا عند الذين تجاوزوا السبعين من العمر، ولكن تغير نمط الحياة أدى إلى ظهور كلّ هذه الأمراض حتى بين الشباب والمراهقين، وأصبح الكثير منها أمراضاً مزمنة، وأصبح علاجها يتطلب الكثير من الوقت والمال والآلام النفسية والجسدية.. الدكتورة جوتا ماركواردت Dr. Jutta Marquardt طبيبة مخ وأعصاب، تشرح في هذا الموضوع معنى الآلام المزمنة وسيكولوجية هذه الآلام في ظل الدراسة التي نشرتها جمعية علم النفس الأمريكية حول الألم المزمن والتدخل النفسي من أجل تخفيف هذه الآلام، قائلةً إنّ معظم الآلام التي يعانيها الناس حالياً يعود 80% منها إلى أسباب تتعلق بتغير نمط الحياة، فالسمنة ظهرت بسبب عدم الحركة، وآلام الظهر والمفاصل ازدادت بسبب الجلوس لساعات طوال أمام أجهزة الكمبيوتر والتلفزيون، وزيادة الكوليسترول سببها الوجبات السريعة والدهون المشبعة. إذاً، فالإنسان هو الذي يجلب الألم لنفسه، وللأسف فإنّ هذه الآلام التي كانت تصيب الناس بعد الستين أو حتى السبعين من العمر أصبحت تصيب طلاب المدارس في المرحلة الابتدائية والمراهقين.

*وفقاً للدراسة التي نشرتها جمعية علم النفس الأمريكية فإنّ الآلام المزمنة يمكن علاجها نفسياً، فهل هذا ممكن من الناحية الفسيولوجية والإكلينيكية؟

- هذه الدراسة نشرتها جمعية متخصصة في علم النفس جاءت بعد دراسات طويلة ومتأنية، والحقيقة أنّ الكثير من الأمراض الجسدية يمكن أن يكون علاجها نفسياً.

* كيف ذلك؟

- لو تكلّمنا عن الذين يعانون الضغوط النفسية فهم في البداية لا يعانون آلاماً جسدية Physical. ولكن مع تزايد الضغوط النفسية، التي هي في الأصل غير عضوية، يصبح الإنسان يعاني صداعاً أو آلاماً في المفاصل أو في الرأس، وقد يصاب بالشقيقة أو ما يعرف بالصداع النصفي Migraine، وهكذا تتحول الضغوط النفسية إلى آلام جسدية.

* كيف تتم معالجة الآلام المزمنة عن طريق المعالجة النفسية؟

- من المعروف أنّ الألم هو منبه يقول للشخص إنّ هناك شيئاً غير طبيعي في جسمك، وهنا يبحث الشخص عن طبيب لعلاج هذا الألم، لكن كيف عرف هذا الإنسان أنّه يشعر بالألم؟ بالطبع عرف من خلال الأعصاب، أي أنّ الخلايا العصبية نقلت إلى الدماغ (خبراً) مفاده أنّ هذا الجزء من الجسم مصاب بألم، وهذا ما يُعرف بـ"سيكولوجية الألم" psychological pain إذاً الخلايا العصبية هي التي عرفت أوّلاً أن هناك ألماً، ومن خلال رسائل بعثتها إلى الدماغ حدد الأخير مكان الألم. وعليه لو استطعنا أن نسيطر على الخلايا العصبية، فإنّنا لن نقضي على الألم كلياً ولكن سنخففه، ومن خلال عشرات الآلاف من الحالات لمرضى مصابين بآلام مزمنة، تبين أنّ العلاج النفسي يخفف الكثير من تلك الآلام، وكأنّ العلاج النفسي يعمل مخدراً، فيقل إحساس المريض بالألم، بدليل لو دعونا شخصاً إلى حفل أو إلى مشاهدة مسرحية يحبها فإنّه سيشعر بالسعادة لمجرد أنّه سمع باسم المسرحية، ولو طلبنا من الشخص نفسه أن يذهب إلى طبيب الأسنان، فإنّه سيشعر بالألم لمجرد ذكر طبيب الأسنان. إذاً، مصدر السعادة ومصدر الألم هو الخلايا العصبية، وإذا تمكنا من السيطرة على تلك الخلايا فإنّه يمكن علاج ملايين الأشخاص الذين يعانون الآلام المزمنة.

* وما تعريف الألم؟

- الألم هو شيء حسي لا يمكن رؤيته، فأنت مثلاً تستطيع أن تلمس وجهك وفمك وقدمك.. إلخ، ولكنك لا تستطيع أن تلمس الألم، بل تستطيع أن تشعر به لأنّه شيء حسي. إذاً يمكن أن يعالج الألم الذي هو شيء حسي بشيء حسي أيضاً، والمقصود بالعلاج الحسي هنا هو العلاج النفسي، وهذا الأمر يمكن أن نشاهده على الطبيعة، فالكثير من كهنة الصين يمشون على الجمر، أو يغرسون قطعاً من الحديد في أفواههم ولا يشعرون بالألم، والسبب هو أنّ الدماغ عطل الخلايا الحسية على رغم وجود الألم والدم والجروح، والذي جعل الكاهن لا يشعر بذلك هو سيطرة العقل على الألم، وهذا ما توصلت إليه جمعية علم النفس الأمريكية، وهو أنّ الأدوية يمكن أن تقدم علاجاً للأمراض سواء المزمنة أو غير المزمنة، ولكن بالنسبة للأمراض المزمنة فإنّ الأدوية التي يتناولها المريض لعدة سنوات يكون لها جوانب سلبية Side effects ولكن العلاج النفسي ليست له جوانب سلبية، وهو قادر على تخفيف الألم أكثر بكثير من العقاقير الطبية، وحتى أكثر من الجراحات التي قد تؤدي إلى عواقب خطيرة، مثل العجز الكلي أو الجزئي.

* ما مدى التأثير الإيجابي للعلاج النفسي في الأمراض المزمنة؟

- لا يمكن أن يتم علاج أي مرض مزمن من دون دواء، ولكن العلاج النفسي يخفف نسبة الجرعة، كما تكون هناك مسافة زمنية بين كل جرعة وأخرى. كما أنّ العلاج النفسي يسهم بشكل كبير في تخفيف حدة الألم، خاصةً إذا قام بهذا العلاج طبيب متخصص في الدماغ، لأنّه يستطيع من خلال معرفته بالأعصاب والخلايا الدماغية أن يسيطر على الألم من دون استخدام عقاقير طبية، لأنّ المصاب بالأمراض المزمنة عادةً ما توصف له مسكنات مثل الأسبرين أو الأيبوبروفين، ومع مضيّ الوقت يحتاج إلى مسكنات أقوى وجرعات أعلى بما لها من آثار سلبية. أما العلاج النفسي فلا يُستخدم فيه الدواء بشكل كبير، وليست له أي آثار سلبية، بل على العكس فإنّه كلّه إيجابي ولمصلحة المريض.

ارسال التعليق

Top