• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إدارة الأزمات وتقليل حدة مخاطرها

د. عبدالله علي

إدارة الأزمات وتقليل حدة مخاطرها

 


(1) معنى وتعريف الأزمة:
أ‌- لغوياً:
أزم، أزماً، أزَم، تأزماً، وتأزم يعني أصابته أزمة، أزَم على الشيء أزْماً: أي: عضّ بالفم كله عضاً شديداً، وأزم الفرس على اللجام، وأزم فلان على كذا يعني لزمه وواظب عليه، وأزمت عليهم السنة أي اشتد قحطها. والأزمة تعني الشدة والقحط.
ب‌- اصطلاحاً:
1- ضعف (عدم) القدرة على التعايش والأداء بطريقة طبيعية.
2- الحالة النفسية والواقعية المصاحبة للضيق الناتج عن نقصٍ في الطاقات والإمكانات أو شلل في القدرات والمتاحات.
3- ضعف (انعدام) القدرة على الإنجاز وتسيير الأمور الحياتية والمهمات بالطريقة الطبيعية التي يكون الإنجاز فيها إيجابياً.

(2) من سمات الأزمات (مسلمات- معطيات- متلازمات- الأزمات)
1- تتفاوت في حدتها ومدتها ومآلاتها.
2- تصاحب الحياة والعمل والعطاء، حيث يقول الله تعالى: (الَّذي خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ لِيَيْلُوَكُم أيُّكُم أحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزيزُ الغَفُورُ) [الملك: 2].
3- تزيد وتنقص، وتتقارب وتتباعد، وتتأثر بالزمان والمكان والحال.
4- لها أثر صارم قد يصيب القلب والنفس وقد تشل الجوارح!!
5- إذ لم تُبادَر الأزمة بالعلاج والإدارة الفعّالة، يحدث استمراء لواقعها وللمعاناة المصحابة لها، يُصبح مستغرباً المطالبة بحلها!!!
6- أكثر الطرق المستعملة لحل الأزمات (لدينا!!)
أ‌- الكلام والتوجيه, والتأنيب والتوبيخ (الجهد النظري).
ب‌- إيجاد حلول تؤدي إلى أزمة جديدة (حل مشكلة بإيجاد مشكلة جديدة).
ت‌- وسائل غير صحيحة (لتخفيف السرعة- تُنشأ المطبات!!!).
ث‌- الحلول الفعّالة (العملية) لكنها تأتي متأخرة أو مُجزأة!!
7- هناك سوء فهم لآلية حلول الأزمات بطريقة جادة، ومثال ذلك عندما أمر النبي (ص) الرجل السائل، بشراء (قدوماً) بدل بقائه في دوام وذل المسألة، ليقوم بالإحتطاب وبيع الحطب بدل أن يسأل الناس... هذا الحل قد لا يروق للبعض!!!
8- إدارة وحلول الأزمات أسهل مما يتصوره البعض، وهي ضمن دائرة القدرة والإستطاعة..
9- البعض يجيد حل الأزمات، والبعض يجيد صدّها، وثالث يجيد إيجادها.
10- قد تكون الأزمات بسيطة أو مُعقدة، وقد تكون متتالية ومتقاربة أو متباعدة.

(3) مراحل الأزمة:
حتى تتبلّور الأزمة وتتشكّل لتغدو واقعاً ملموساً، فإنها تمر في المراحل التالية:
1- التشكّل والتكّون، يتخلل ذلك مقدمات، اختلالات، تشنّجات، نواقص وغياب بعض الضروريات.
2- مرحلة الإرهاصات، ويتخلل ذلك ترقّب، حيرة، معاناة تدني مستوى الوعي، تدني درجة الإستيعاب، ضعف التواصل، إخفاء حقائق ذاتية (شخصية) وعامة، شكوى، تضجّر وملل.
3- مرحلة الإندلاع والجذوة، ويصاحب ذلك معاناة، حيرة، قلق تبرّم، وشلل قدرات.
4- مرحلة الأثر والعقابيل، ويصاحب ذلك تململ، آلام، رغبة في المراجعة، تخوف من المستقبل وخدر في الطاقات يصاحبه نشاط لحظي لا يلبث إذا لم يُحفّز- أن يهمد!!!
5- مرحلة النهاية، ويكون خلالها رغبة في المراجعة والتأمل والتقويم، ورغبة في العمل وتجدد العطاء مشوبة بالحذر، شعور بالراحة النسبيّة لانتهاء جذوة الأزمة ويصاحب حب ذلك شعور بالتفاؤل النسبي.

(4) من مظاهر الازمة (شخصية وجماعية)
1- القلق والضيق والترقب.
2- الغضب السريع من القابلية للإستفزاز والتشنّج.
3- ضعف القدرة على التحمل.
4- ضعف القدرة على اتخاذ القرارات، وبلورة المواقف.
5- الحيرة والتخبط والقيام بأعمال وردود أفعال غريبة مستهجنة.
6- كثرة الفلتات (أقوال وأفعال وأفكار!!!).
7- ضعف الإنسجام وقلة الإستيعاب.
8- الجدل والمراء والعناد والتعصب للرأي.
9- الإهتمام بالمظاهر دون المحتوى والجوهر.
10- مظاهر جسمانية ونفسية (الطعام والشراب، القدرة الجنسية، بعض الأمراض والأوضاع النفسية).
11- الإنشغال بالتوافه على حساب الأمور المهمة مع المبالغة في ذلك.
12- قلب الأمور والحقائق، وتسمية الأشياء بغير أسمائها وحقائقها.
13- الضيق بالنصيحة والنقد حتى لو كان ذلك بناءً.
14- إطلاق الاتهامات وكثرة الضجيج.
15- محاولة تصدير الأزمة، بنقل بؤرتها إلى مكان أو عمل آخر أو جهة أخرى.

(5) مصادر الأزمات وأسبابها:
1- ضعف القدرات والإمكانات.
2- قلة الموارد والمتاحات.
3- غياب الرؤية والهدف. (بدون خطة وتخطيط).
4- مصادمة سُنن الكون (سنن الأنفس والآفاق).
5- غياب الإعتدال والتوازن في الطاقات الروحية والمادية.
6- الظلم بمعناه الشامل!!! وغياب العدالة والإنصاف.
7- الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلة الدين وقهر الرجال.

(6) من أزمات الواقع العامة:
1- أزمة الهوية والكينونة.
2- أزمة الحيرة والقلق والترقب والتساؤل الدائم.
3- أزمة الفصام النكد بين المنهج والحياة الناتجة عن تحييد شرع الله تعالى.
4- أزمة الإدارة وسياسة الحياة والناس.
5- أزمة تشكيل العقل ونمطية التفكير.
6- أزمة غياب الهدف!!!
7- أزمة الإستيعاب والتجانس.
8- أزمة المعاش (المسكن والمطعم والمأمن).

(7) آليات التعامل مع الأزمات:
1- الفهم والتحديد العلمي والعملي.
2- تحديد الأسباب والدوافع الحقيقية بتجرد وعدالة وصدق وصراحة.
3- التصنيف والتبويب في ضوء ما سبق.
4- اقتراح الحلول وتصنيفها وبرمجتها عملياً وعلمياً.
5- الشورى والمشاورة.
6- تنفيذ الحل/ الحلول المناسبة والتي تم اختيارها في ضوء ما سبق.
7- تأمين الضرورات والإمكانات المساعدة على إنجاح الحلول وديمومتها.
8- المراجعة والتقويم بقصد التحسين والتطوير وتقليل مستوى المخاطر وزيادة معدل السلامة والأمان ما أمكن.

(8) وسائل إدارة الأزمات وتقليل مستوى حدتها:
لإدارة الأزمات، وتخفيف حدتها وحلها، فإنه يمكن إستخدام الوسائل التالية:
1- دوام الاستعانة بالله تعالى وطلب عونه وتأييده.
2- العمل الصالح ونقاء السريرة (الصبر والصلاة).
3- عدم مصادمة سنن الأنفس والآفاق، وإنما فهمها وتطبيقها على هدى وبصيرة وإحسان.
4- الفهم والعلم والأداء الإيجابي واستعراض مُعَمّق للحلول الممكنة والمطروحة.
5- الواقعية والإيجابية بلا إفراط أو تفريط، والإدارة القوية للإصلاح والإنجاز.
6- إشغال وإدارة الطاقات والقوى البشرية بما ينفع ويقلل حدة المخاطر حتى لا تبقى آثار الأزمة تتفاعل وحدها في العقول مما يؤدي إلى شطط الأفكار والطاقات.
7- استخدام المتاحات من العطايا والوعود وغيرها.
8- تنمية واستثارة الجانب المؤثر إيجابياً في نفوس وعقول بعض العناصر المسببة للأزمة بقصد تخفيف حدتها.
9- اتخاذ خطوات عملية حتى لو كانت بسيطة بحيث تشكل جزءاً من الحل العملي الملموس.
10- مطالعة أحوال الآخرين فقد يكونون في أزمة أو أزمات أكبر، لأن ذلك يُخفف من حدة الأزمة حتى لو كان شعورياً. (إن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإنَّهُمْ يَألَمُونَ كَما تَألَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لايَرْجُونَ) [النساء: 104].
11- استخدام الرصيد المرصود واستدعاء الإحتياط، ومن ذلك:
أ‌- قدرات وطاقات بشرية.
ب‌- أموال ومُدّخرات.
ت‌- صلات وعلاقات عامة (ظاهرة وغير ظاهرة).
ث‌- عيون وآذان إضافية.
ج‌- أصدقاء ومعاونون.
12- تغيير الأحوال والأوضاع ومنها:
أ‌- تغيير نمط الحياة والمعيشة، وروتين البرنامج اليومي.
ب‌- تغيير السكن أو الوظيفة.
ت‌- تغيير الحي أو البلدة!!!
ث‌- أقالة مسؤول أو تغييره.
ج‌- أداء عمرة أو الحج.
ح‌- السفر بقصد البحث عن حل وليس هروباً من الواقع.
خ‌- مراجعة نمطية التفكير وأسلوب العمل والحياة.
د‌- الذي يغضب يجلس إن كان واقفاً،...
13- الترويح... الترويح المباح (أقوالاً وأعمالاً).
14- توقع أقصى درجة من الأوضاع الصعبة للأزمة لتخفيف حدة المفاجأة والأثر النفسي ولتوفير التهيئة الذاتية المناسبة ليبقى العقل والجوارح تعمل بحيوية نسبية ولا يصيبها الانشداه والخور.
15- تذكر الموت والبِلى والحياة الآخرة.
16- تعديل المسار، المنهج، الأسلوب، الخطة....
17- التدريب على استيعاب الحدث بتعقل (واقعية التفكير).
18- تجزئة (المعظلة (الأزمة) والتعامل معها وفق هذه التجزئة وعدم تكبدها مرة واحدة.
19- معاركة القدر بالقدر والتسديد والمقاربة.
20- ضرورة وجود مرجعية ذات سلطة وهيبة وقدرة حاسمة في القرار المتعلق بإدارة الأزمة وحلها والتعامل معها.

(9) إيجابيات الأزمات:
مع أن الأزمات ترتبط بالضيق والمعاناة، إلا أنها تمتلك إيجابيات ومنها:
1- كشف الخلل والعيوب ومواطن الضعف الخفية والظاهرة.
2- التدريب والمراس، وإكساب الخبرات والمهارات التي لا يمكن أن تكون بغير هذا الطريق.
3- شحذ الهمم والإرادات، وتحفيز بعض الطاقات الكامنة.
4- بروز أفكار جديدة، فكثير من العقول والنفوس لا تعمل بكفاءة إلا تحت الضغط الزائد (زيادة الضغط ودرجة الحرارة!!!).
5- التمحيص والتصنيف، وكشف الطاقات والقدرات بحجمها الحقيقي سلباً أو إيجابياً، وبيان مدى الجاهزية والإلتزام.
6- تحقيق فهم مُعمّق للحياة والنفس والكون والمجتمع.
7- مصائب قومٍ عن قومٍ فوائد...!!!
8- لبيان أن الإنسان مهما تعاظمت قواه فهو ضعيف فقير محتاج على الدوام إلى خالقه جل جلاله.

المصدر: كتاب إدارة الذات وهندسة القدرات

ارسال التعليق

Top